على الرغم من مرور أسبوع على اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في البيت الأبيض، تتواصل التسريبات حول ما دار في اللقاء، لا سيما أن ترامب يستعد لزيارة المنطقة أواخر مايو/أيار الحالي.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، عن مصادر فلسطينية رفيعة المستوى، إن عباس وترامب ناقشا، خلال اللقاء، قضايا الصراع الجوهرية، وعلى رأسها مسألة ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، وليس ما حاولت إسرائيل ادعاءه بأن اللقاء تمحور حول مسألة "وقف التحريض الفلسطيني ووقف دفع المخصصات للأسرى وعائلات الشهداء". وأشارت إلى أن عباس عرض خلال لقائه ترامب، وثائق وخرائط تتعلق بالمفاوضات التي أجراها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، قبل اضطرار الأخير للاستقالة من منصبه بعد تورطه بقضايا فساد ورشى. وأضافت إن عباس أبلغ الرئيس الأميركي أنه يمكن اعتبار التفاهمات التي تم التوصل إليها مع أولمرت كنقطة لمواصلة المفاوضات مع إسرائيل.
من جهته، أكد المستشار السابق لدائرة المفاوضات الفلسطينية، نزار فرسخ، أن ترامب لم يطرح بشكل مباشر قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس خلال محادثاته مع عباس في البيت الأبيض. وأشار فرسخ، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المسألة طرحت خلال محادثات الوفدين الأميركي والفلسطيني، إذ أبلغ الجانب الفلسطيني إدارة ترامب أن نقل الولايات المتحدة لسفارتها من تل أبيب إلى القدس خط أحمر، وأن تجاوز هذا الخط الأحمر سينتج عنه انهيار كامل للعلاقات الفلسطينية الأميركية، وبالتالي انهيار كامل لأي عملية سلام في الشرق الأوسط. وحسب المسؤول الفلسطيني، المقيم في واشنطن، فإن ترامب لم يطلع عباس، خلال استقباله في البيت الأبيض، على خطته لإنجاز اتفاق السلام التاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن الرئيس الأميركي أراد أن يكون الاجتماع الأول مناسبة لإقامة علاقة شخصية مع الرئيس الفلسطيني. وقارن فرسخ بين حفاوة استقبال عباس وانتظار ترامب لوصوله على المدخل الخارجي للبيت الأبيض، والإطراء الذي لاقاه من الرئيس الأميركي خلال المؤتمر الصحافي المشترك، وبين الاستقبال الذي لاقاه الشهر الماضي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو عند اجتماعه مع ترامب، ليخلص المسؤول الفلسطيني إلى أن ترامب الساعي إلى عقد صفقة السلام التاريخية في الشرق الأوسط يحرص على إظهار ندية وتوازن في علاقته الشخصية مع نتنياهو وعباس.
وأضاف فرسخ إن "استقبال عباس في البيت الأبيض خطوة في الاتجاه الصحيح. وتكمن الإيجابية بأنها تأتي بعد نحو شهر من استقبال نتنياهو. وقد لاحظنا ذلك في المؤتمر الصحافي المشترك، إذ أشاد ترامب بدور عباس في عملية السلام وبالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، واعتبار الرئيس الفلسطيني بأنه شريك في محاربة الإرهاب والقضاء على داعش. بالطبع هناك جانب الحفاوة الكبيرة التي حظي بها عباس خلال الاستقبال، فقد كان واضحاً أن الرئيس الأميركي يريد إقامة علاقة شخصية جيدة بنظيره الفلسطيني، الأمر الذي يساعده في أداء دور الوسيط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني". وتابع "الاجتماع كان عبارة عن لقاء تعارف، وقدم ترامب نفسه كمسهل للمفاوضات ووسيط بين الطرفين المتفاوضين، أي أنه يؤدي دوراً مختلفاً عن الأدوار المعتادة للرؤساء الأميركيين، من خلال تقديم أفكار قد تساعد الجانبين على السير قدماً بعملية المفاوضات. ما يقوله ترامب إنه سيكون مجرد وسيط، وعلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التفاهم على الحل المناسب. يجب أن تكون المبادرة من الأطراف أنفسهم، وليس منه". ورأى المستشار السابق لدائرة المفاوضات في السلطة الفلسطينية مؤشراً آخر على الأجواء الإيجابية، وذلك "بعدم إثارة الرئيس الأميركي مباشرة لقضية التعويضات المالية التي تقدمها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء. وقد أبدى الجانب الأميركي، خلال المحادثات، تفهماً للموقف الفلسطيني من هذا الملف الإنساني الحساس".
وعن الزيارة التي سيقوم بها ترامب إلى السعودية وإسرائيل، وطبيعة التحالف الذي يسعى إلى تشكيله، قال فرسخ إن "هناك أوجه شبه كبيرة مع ما جرى خلال ولاية الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب وعملية السلام في مؤتمر مدريد، عندما شكلت الولايات المتحدة تحالفاً عربياً ودولياً لمحاربة (الرئيس العراقي الراحل) صدام (حسين)، فكان الشرط العربي أن تتحرك واشنطن بشكل جدي على مسار السلام. حينها ضغطت الإدارة الأميركية على رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها، اسحاق شامير، وأجبرته على المشاركة في مؤتمر مدريد. وهذا المثال، يؤكد أن الإدارة الأميركية لديها خيارات وحسابات مختلفة عن الحسابات الإسرائيلية، وأن هناك مبالغة بالحديث عن اللوبي الإسرائيلي. ما حصل أن المسؤولين في دول الخليج العربي، وفي مصر والأردن، اشترطوا على الإدارة الأميركية تحريكاً جدياً للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مقابل التنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإقامة تحالف مشترك ضد الإرهاب وإيران. وهذا الموقف جاء نتيجة التنسيق الفلسطيني مع الإخوة العرب. كقيادة فلسطينية هناك تنسيق دائم مع مصر والأردن، وقد التقى عباس ملك الأردن (عبد الله الثاني) وتحدث مع الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) قبل اجتماعه بالرئيس الأميركي".