إحدى العقبات التي فرضها اليمين أمام طالبي الجنسية في الدنمارك، مصافحة مسؤولي البلدية، باعتبار أنّ تحريم المصافحة بين الجنسين لدى المسلمين خصوصاً مخالِف لقيم البلاد. لكنّ معارضة هذا الفرض تأتي من جميع الأطراف
منذ أن فرضت وزيرة الهجرة والدمج السابقة عن يمين الوسط، في الدنمارك، إنغا ستويبرغ، المصافحة في أثناء مراسم دستورية لتوزيع شهادات الجنسية في مختلف البلديات، من خلال قانون، تواصل الجدال السياسي والمجتمعي حول القضية. ففرض مدّ اليد والمصافحة بين الجنسين اعتبرته ستويبرغ، ومن خلفها حزبها الحاكم حتى العام الماضي مدعوماً باليمين المتشدد، حزب الشعب الدنماركي، إلزامياً لإظهار احترام المهاجر الحاصل على الجنسية للقيم الدنماركية، والمساواة بين الجنسين. لكنّ القانون، منذ تطبيقه العام الماضي، ووجه بمعارضة من مختلف الاتجاهات في المجتمع، وإن طُبق في بعض البلديات بمصافحة رئيس البلدية الحاصلين على وثيقة الجنسية.
خلال الأيام الماضية، عبّر عدد من رؤساء البلديات عن رغبتهم في إنهاء العمل بالقانون. فمن بين 98 رئيس بلدية، أشار 63 إلى رغبتهم في إلغاء فرض المصافحة في مراسم توزيع الجنسية على "المواطنين الجدد"، واختار 5 رؤساء بلديات عدم المشاركة في المراسم، وتركوا الأمر للموظفين لتوزيع الشهادات.
اللافت أنّ وزير الهجرة والدمج عن يسار الوسط الحاكم، ماتياس تيسفايا، مصرّ على فرض المصافحة، فيما بعض رؤساء بلديات يمين الوسط، حزب فينسترا، الذي فرض القانون، يرفضونه. فرئيس بلدية "أوبنرو" (جنوب، بالقرب من الحدود الألمانية) توماس أندرسن، من يمين الوسط، برر رفضه بلغة قاسية، بمقاربة تعتبر فرض المصافحة تذكيراً بالممارسات النازية التي فرضت التحية: "هي مصافحة تذكرني كثيراً بالنازية، إذ كان على الناس إلقاء التحية النازية للحصول على الخبز والعمل بالتملق السياسي والأيديولوجي ضدّ أفكارهم، وأعتقد أنّ إجبار الناس بالقوة على المصافحة أمر يعيد إلى الذاكرة كثيراً من الممارسات الإجبارية النازية بمدّ الذراع اليمنى (التحية النازية)". ورفض أندرسن المشاركة - بوجود ثغرة في القانون تتيح له التغيب باعتباره يفرض وجود ممثلين عن البلدية من دون تحديد مناصبهم - في مراسم توزيع شهادات الجنسية "بما أنّ المصافحة مفروضة". واختار أعضاء من مجلس البلدية المشاركة في المراسم بالرغم من موقف أندرسن.
وأندرسن، الذي يتجاوز موقف حزبه ويمين ويسار الوسط، يعتبر امتناعه عن المشاركة أمراً يتعلق بـ"تعارض الممارسة مع قناعاتي في وجوب أن يكون لدينا احترام للحريات والعالم من حولنا، وهذا يعني احترام من لا يريد مصافحتنا، لسبب من الأسباب".
وفي أقصى شمال الدنمارك، في بلدية فريدركسهاون، تتفق رئيسة البلدية، عن يسار الوسط الحاكم، بيرغيت هانسن، مع موقف أندرسن، إذ ترك مجلس البلدية بالإجماع أمر المشاركة في المراسم للموظفين وليس الأعضاء المنتخبين في المجلس. واعتبرت هانسن أنّ معارضتها "قضية مبدئية تتعلق برفض سنّ تشريع (كالمعمول به) حول كيفية تحية بعضنا البعض. فأنا أستقبل زائرين آسيويين معتادين التحية من خلال النظر في العينين وانحناءة بسيطة، وهنا لا أمدّ يدي للمصافحة لأفرض عليهم ما أفعل، فذلك هراء".
وتمتد معارضة قانون المصافحة الإلزامي إلى بلديات عدة، من بينها ما يرأسه يمين ويسار الوسط. وأثارت مواقف رؤساء 63 بلدية حنق اليمين المتشدد، حزب الشعب الدنماركي. فاعتبرت مقررة شؤون الدمج في الحزب، ماريا كاروب، أنّ مواقف رؤساء البلديات الدنماركيين "ترسل إشارة خاطئة، لأنّهم ملزمون أخلاقياً بالمشاركة في تلك المراسم، وتغيّبهم ورفضهم يعنيان أنّهم لا يأخذون بجدية كافية قانون الترحيب بالمواطنين الجدد". وهاجمت كاروب رئيس البلدية، أندرسن، الذي شبّه القانون بالتحية النازية باعتبارها "مقاربة غبية، فأنا لا أريد أن أدفع الضرائب، لكنّني ملزمة بالقانون، والغرباء الذين يريدون حمل جنسيتنا عليهم إظهار احترامهم للقيم الدنماركية". ومع اتساع المعارضة لقانون المصافحة، اضطر وزير الهجرة والدمج، ماتياس تيسفايا، إلى تقديم وعد بمراجعة القانون واتخاذ موقف، بعد جولة على المراسم التي تقيمها البلديات.
وكان قانون فرض المصافحة باليد قد دفع به بضغط من وزيرة الهجرة السابقة، المعروفة بتشددها تجاه المهاجرين، إنغا ستويبرغ، بعد سجال حول اندماج المسلمين في البلاد واندلاع نقاش حول رفض رجل مسلم مد اليدّ لمصافحة سيدة. وتبنى البرلمان بأغلبية اليمين المتشدد ويمين الوسط "فينسترا" وحزب المحافظين في صيف 2018 القانون، وصوّت حزب المعارضة آنذاك، الاجتماعي الديمقراطي، لمصلحته أيضاً، وبذلك، يتمسك وزير الهجرة والدمج الحالي به.
وينصّ القانون على أنّ الشخص المتقدم للحصول على الجنسية، بعد سنوات من الإقامة، عليه المشاركة بمراسم توزيع وثيقة الجنسية. وبذلك، يتعهد باحترام القوانين الدنماركية، والدستور بشكل أساسي، ويؤكد إظهار الاحترام لقيم الدنمارك بمدّ يده لمصافحة ممثلي البلديات.