يستهلّ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، النصف الثاني من ولايته الرئاسيّة باستطلاع رأي محبط لكلّ الآمال. 86 في المائة من الفرنسيين لا يريدونه رئيساً للمرة الثانية. من الصعب تصوّر رئيس جمهورية غير مبالٍ أمام هذه الدرجة من الصدّ والنفور. قد يتمترس خلف حقّه الدستوري في البقاء حتى النهاية. لكنّه اكتشف، بلا شكّ، أنّ ممارسة السلطة مسألة صعبة، وأنّ فلسفته التي لخّصها في مقولة "الرئيس العادي" لم تنتج مفعولها المرجوّ. اكتشف هولاند أنّ الفرنسيين، في هذه اللحظات الصعبة من تاريخ فرنسا، يريدون رئيساً غير عادي لوضعيّة غير عادية.
الأغلبية العارمة من الفرنسيين، يميناً ويساراً، لا يريدون هولاند رئيساً للمرة الثانية. ويطال هذا النفور، حتّى الذين يُصوّتون يساراً، ذلك أنّ 74 في المائة منهم غير راضين عن سياسته. ويطرح الاستطلاع الجديد، الذي نشرته "لوفيجارو"، اليوم الاثنين، سؤالاً على عيّنة من الفرنسيين من كل الاتجاهات السياسيّة، حول الشخصيّة اليساريّة القادرة على الترشّح مكان هولاند. وفي النتائج، حلّ رئيس مجلس الوزراء مانويل فالس أولاً، مع حصوله على 21 في المائة من المؤيدين، بسبب حضوره الطاغي في وسائل الإعلام، وتلته مارتين أوبري بحصولها على 14 في المائة، وهي التي دفعت ثمن صمتها الطويل، منذ وصول هولاند إلى السلطة، علماً أنّ الاستطلاع أُجري قبل خروجها، يوم الأحد الماضي عن صمتها، وانتقادها لسياسة الحكومة الليبراليّة. وتحلّ أوبري ثانية، بنسبة 29 في المائة، خلف فالس، بنسبة 35 في المائة، في نظر المتعاطفين مع الحزب الاشتراكي.
وإذا كان هولاند قد نصح أفراد حكومته الأولى والثانية بعدم الردّ على أي هجوم قد يأتي من أوبري، فإن فالس المستهدف من انتقادها للسياسة الليبرالية للحكومة الاشتراكية، والذي سبق لها أن نصحته يوماً بأن "يغادر الحزب الاشتراكي إن لم يكن يشعر بالرضا داخله"، لم يتأخّر في الرد على أوبري، التي أعلنت تجاوبها مع الكثير من مقترحات "متمردي" الحزب من النواب، بقوله إنّ "أعصابه صلبة".
وعلى الرغم من أنّ هولاند انتخب لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكنّها تشكّل راهناً نقاط ضعفه، إذ لا تحظى سياسته في مكافحة البطالة إلا بتأييد 11 في المائة، واحترام وعوده الانتخابية بـ13 في المائة، وهي درجة تأييد سياسته الضريبية أيضاً. ولا يحظى الرئيس بالرضا إلا حين يتعلق الأمر بالطريقة التي يدافع بها عن فرنسا في الخارج، أي طريقته في ارتداء البزة العسكرية والانخراط في حروب الخارج، في مالي وأفريقيا الوسطى والصومال والعراق...
من المؤكّد أن عزلة هولاند ستزداد قبل أن ينتهي النصف الثاني من ولايته الرئاسيّة، وستزيد من قسوة هذه العزلة وضعيّة اقتصاديّة أسوأ مما كان عليه الوضع عام 2012، ولن يخفّف من وطأة المسؤوليّة وتوالي الهزائم الانتخابيّة وتأخر انبثاق النمو، سوى اقتناع الرجل بأنّ الفرنسيين في غالبيتهم القصوى، المحبطين من سياساته، والذين لم يعودوا يريدونه رئيساً، مرة ثانية، لا يُكنون له الكراهية، على عكس غريمه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي لا يمكن للناخب الفرنسي إلا أن يُعجب به أو يكرهه. لا مكان لحلّ وسط بينهما.