وكان النظام المصري قد تفادى خلال الفترة الماضية الإعلان عن موعد محدد لإجراء الانتخابات، فيما اكتفى السيسي بالتعهد بإجرائها قبل نهاية العام. لكن سيناريو التأجيل إلى العام المقبل لن يكون مستبعداً، في ظل فشل ترتيبات المشهد الحالي وفقا لما يريده السيسي، وخصوصاً في ظل ما يتردد بشكل قوي عن تغيير حكومة إبراهيم محلب عقب زيادة السيسي الأسعار والتضحية بالرجل بعدها.
ويلجأ السيسي إلى التلكؤ في إتمام خارطة الطريق التي وضعها عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، خوفاً من نتائج الانتخابات التي يمكن أن تأتي بأغلبية تعمل ضد رغباته.
وبعد كل تعهد للرئيس المصري بإجراء الانتخابات خلال مدة محددة، سرعان ما يتراجع عنه، على غرار ما حدث خلال لقائه مع رؤساء الأحزاب المصرية منذ ما يزيد عن ثلاثة أسابيع تقريباً. يومها أكد السيسي أن الانتخابات ستُجرى قبل نهاية العام، إلا أنه عاد ليعلن خلال لقاء عام أنّ الانتخابات ستجرى عقب شهر رمضان مباشرة، فيما بدا من تصريحات الرئيس المصري خلال زيارته الأخيرة إلى ألمانيا أنه يتملص من إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالي، بقوله "نرغب في إجراء انتخابات قبل نهاية العام الحالي".
اقرأ أيضاً: السيسي يمهّد لإقصاء محلب... و4 مرشحين لخلافته
في موازاة ذلك، لا يكف السيسي عن المطالبة والضغط على الأحزاب السياسية لتشكيل قائمة موحدة للانتخابات المقبلة، ويكون عنوانها دعمه بشكل واضح وصريح.
ويخشى السيسي من وصول أغلبية من معارضيه وتحديداً من فلول نظام حسني مبارك، ولا سيما في ظل الصراعات التي تدور بين الطرفين خلال الفترة الماضية، وما يؤدي له من تعطيل سياساته وأهدافه.
ويتيح النظام الانتخابي المصري وفقاً لتعديلات الدستور عقب الإطاحة بمرسي، لمجلس النواب سلطات واسعة تتمثل في تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها. وهو ما يدفع السيسي إلى محاولة تأمين قائمة موحدة تضمن هوية الفائزين في الانتخابات.
إلا أن جميع محاولات تشكيل القائمة الموحدة باءت بالفشل، منذ عمل مستشار الرئيس المصري كمال الجنزوري، على تجميع القوى السياسية في قائمة موحدة قبل أن يفشل ليحل اللواء السابق سامح سيف اليزل بديلاً عنه في المشاورات.
ونجح اليزل في تشكيل قائمة "في حب مصر" من أغلب القوى السياسية، لكن بعض الأحزاب رفضت الانضمام إليها لأسباب عدة منها رفض "سياسة القطيع" أو لوجود خلافات مع السيسي.
ويوجد حالياً ثلاث محاولات لتشكيل قائمة موحدة، لكن لم تتضح مآلاتها وخصوصاً أن جميعها يعمل بشكل منفصل على نفس الهدف. وهو ما يعتبره البعض أول عوامل الفشل.
ووجه حزب المحافظين الدعوة لبعض الأحزاب لحضور اجتماعات مشاورات القائمة الموحدة، لكن لم يلبها الجميع. وعلى مدار أسبوعين، ينظّم حزب المحافظين جلسات مع بعض الأحزاب، كل على حدة، للوصول إلى صيغة توافق، قبل الشروع في تجميع كل الأحزاب داخل قائمة موحدة.
وبالمثل يحاول تحالف الجبهة المصرية، الذي يتألف من أحزاب خرجت من رحم الحزب الوطني المنحل، التواصل مع القوى السياسية بشأن تشكيل القائمة الموحدة. بيد أن محاولات التحالف لم ترتق إلى اتفاق وسط رفض بعض الأحزاب التواصل معه لارتباطه بفلول مبارك مثل المصري الديمقراطي الاجتماعي.
كما يبرز أيضاً اسم تيار الاستقلال وتحالفه، الذي يتزعمه أحمد الفضالي، المتورط في موقع الجمل بميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والذي تتواجد معه أحزاب "كرتونية هامشية"، فشلت بدورها في مساعي تشكيل القائمة الموحدة.
في غضون ذلك، خففت دعوة السيسي الأخيرة لتشكيل قائمة موحدة، من الحظر المفروض على حزب "النور" السلفي، الذي خرج عن إجماع التيار الإسلامي الرافض لعزل مرسي وحضر اجتماع 3 يوليو/تموز 2013 مع السيسي.
ووجهت أحزاب سياسية دعوات لحزب النور للانضمام لمشاورات القائمة الموحدة لأول مرة، بعد أن كان مستبعداً من كل المشاورات باعتباره حزباً "دينياً" مرجعيته إسلامية. بيد أن رفض بعض الأحزاب الأخرى، يصعب من فرص انضمام "النور" فعلياً إلى القائمة الموحدة في حال تشكيلها.
وعلى الرغم من خسارة الحزب جزءاً من قواعده عقب مواقفه من مرسي وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، إلا أنه الوحيد الذي انتهى من قوائمه الأربع وأحزابه للفردي قبل كل التحالفات وقبيل حكم المحكمة الدستورية تأجيل الانتخابات لوجود عوار في قانون تقسيم الدوائر.
اقرأ أيضاً: صراع الفلول وأجنحة النظام ورجال الأعمال يعصف بالسيسي
وتكشف مصادر سياسية مطلعة على سير تفاصيل مشاورات تشكيل القائمة الموحدة، أن المشاورات ستفشل على غرار التجارب السابقة. وتقول المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إن الأحزاب بينها خلافات شديدة، وكل منها يريد تحقيق مصلحته شخصية ذاتية، وبالتالي كل مجموعة أحزاب تسير وفقاً لأهدافها، ما يتسبب في حالة من الخلافات بين كل مجموعة. وتضيف المصادر في حديثها لـ"العربي الجديد" أن بعض الأحزاب تريد حصة كبيرة لها في القائمة، وتعطي بعض الأحزاب الأخرى نِسباً أقل، وهذا أيضا يجعل تشكيل قائمة موحدة مستحيلاً.
وتعتبر المصادر أنّ "فكرة القائمة الموحدة في الأساس ضد مبدأ الانتخابات، ولا يمكن إدراك أن أحزاباً تعمل للمنافسة تتوافق على عدم المنافسة، وتشكيل قائمة موحدة".
ويحاول السيسي ضمان أغلبية مؤيدة له في مجلس النواب المقبل في ظل المخاوف من قوة الفلول الذين بدأوا يستعيدون قوتهم مرة أخرى، من خلال إعادة ترتيب صفوفهم وتجميع أنفسهم في أحزاب، وهو أمر وافق عليه السيسي تماماً. وبدا أن السيسي أراد منذ البداية استغلال نفس سياسات ورجال مبارك لصالحه، لكنه سرعان ما اكتشف صعوبة تحقيق ذلك، وخصوصاً أن فلول نظام مبارك لا يأمنون للسيسي كثيراً.
وفي السياق يقول الخبير السياسي، مختار غباشي، إنه بلا شك هناك خلافات قائمة بين السيسي ورجال مبارك من جهة، ورجال الأعمال من جهة ثانية. ويضيف غباشي لـ"العربي الجديد"، أن السيسي يواجه أزمة في عدم وحدة الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تلبية طلبه، وهو ما ينذر بقلة الاعتماد المتبادل من الطرفين.
ويشير غباشي إلى أن الرئيس المصري "يخشى من سيطرة فلول نظام مبارك على المشهد من جديد، وفي ظل إمكانيات مجلس النواب والصلاحيات الكبيرة التي يحصل عليها، فستكون هناك أزمة كبيرة بين الطرفين". ويشدد على أن السيسي يريد "ضمان ألا يكون مجلس النواب المقبل من معارضيه، أو بمعنى أصح أغلبيته من مؤيديه".
من جهته، يقول خبير في مركز الأهرام للدراسات، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن استمرار الوضع الحالي كما هو عليه في المشهد السياسي، ينذر بتأجيل الانتخابات إلى العام المقبل. ويرى المصدر في حديث "العربي الجديد"، أن "السيسي وفلول مبارك في معركة حامية، شعارها أكون أو لا أكون، لأن كلا منهما يدرك أن كل طرف يتمكن من مقاليد الأمور سيضحي بالآخر".
ويلفت إلى أن السيسي يريد أن يكون الجميع في مجلس النواب المقبل، خاضعاً له في كل قراراته، أي صورة فقط من دون أن يكون محرِكاً فعلياً أو حتى تشكيل حكومة تعمل ضده رغبات الرجل. كما يشير إلى أن الانتخابات المقبلة غير محددة وبدون مدى زمني لإجرائها، مما يخلف حال تخبط شديدة في المشهد السياسي واستعدادات الأحزاب.
اقرأ أيضاً: مصر... حرب شفيق والسيسي لم تعد "باردة"