يمكن فهم أسباب بابا الفاتيكان، فرنسيس، في طلبه أخيراً من السلطات الفرنسية "التعامل الإنساني مع الغجر بما يليق بالبشر"، وإدانة منظمة العفو الدولية ما يُعاني منه الغجر في فرنسا من عنصرية وتحقير، عند قراءة تفاصيل الجريمة العنصرية التي تعرّض لها مراهق غجري أخيراً، في أحد أحياء "لا سين سان دونيه" الملتهبة في الضاحية الباريسية، حين قام 12 من شباب الحيّ باحتجازه وتعذيبه في قبوٍ لساعات بتهمة سرقة أحد المنازل، حتى تُرِك يُصارِع الموت والحياة.
وإذا كان معروفاً عن هذا المراهق، كما تعترف السلطات، ميلُهُ إلى السرقات، فإن ما يُثير القلق هو لُجوء الأهالي بأنفسهم إلى الاقتصاص، وهو ما يشير إلى غياب الدولة الفرنسية والقانون والشرطة في هذه الأحياء، وهو غياب أو "تخلٍّ" كثيراً ما تم التحذير منه من دون جدوى. وتشير الجمعيات المدافعة عن الأقليات في فرنسا إلى أن هذا النوع من العقاب يعرف تزايداً كبيراً منذ فترة.
وقد كان من أولى نتائج هذه الجريمة، التي دانها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بشدة، قيام غجر ذلك الحيّ، البالغ عددهم مئتي شخص، بتفكيك معسكرهم والبحث عن ملاذ آخر.
ومَن يريد أن يقرأ الوضعية التي أدت فعلاً إلى هذه الجريمة العنصرية، عليه أن يقرأ مليّاً في تصريحات بعض الساسة الفرنسيين أنفسهم، وفي مقدمة هؤلاء القيادي اليميني كريستيان إيستروزي، العمدة والنائب البرلماني لمدينة نيس، الذي طَالَب بطرد الغجر خارج فرنسا، والذي يتباهى بإصداره "دليلاً عملياً" مُوجَّهاً لـ3600 عمدة في فرنسا لإنجاز هذا الطرد.
ولم يَفُت إيستروزي أن يؤيد قرارات رئيس الحكومة الحالية، مانويل فالس، حين كان وزيراً للداخلية، بترحيل الغجر الموجودين في فرنسا بصفة غير قانونية. ويذهب النائب البرلماني كريستيان إيستروزي إلى درجة المطالبة بتشديد القوانين التي ستجعل من فرنسا، البلد الجذّاب للغجر، بلداً يصعب وُلُوجه كما هو شأن ألمانيا، أو الخروج من معاهدة شنغن التي تسمح بالتنقل الحرّ عبر حدود الدول الموقعة عليها.
هي أجواء تحريض علني لا تقتصر على المستوى السياسي لليمين الفرنسي واليمين المتطرف، بل تجد "حاضنة شعبية" إعلامية أيضاً، وهو ما تجلّى مثلاً بإقدام الصحافي والاعلامي الشهير، إريك زِمور، على القول إن "الغزوات الكبرى ما بعد سقوط روما حلّت محلَّهَا عصابات من الشيشان والغجر ومن كوسوفو والمغرب العربي وافريقيا، ينهبون ويُعنّفون ويسلبون".