يجد سوريون لاجئون في تركيا أنفسهم ملاحقين مجدداً، هم الذين هربوا من النظام السوري. فالأمن التركي يسعى إلى ترحيلهم بعد إجبارهم على توقيع أوراق
"في بقعة مظلمة تضع يديك أمام عينيك فلا تراهما، جرى تركي بالقرب من مدينة سلقين في ريف إدلب الشمالي المتاخم للحدود السورية - التركية" هذا ما يدلي به أمجد طبلية، وهو لاجئ سوري سابق كان مقيماً في إسطنبول التركية. الغريب في أمر ترحيله أنّه حاصل على بطاقة الحماية المؤقتة "كيملك" لكنّ الشرطة التركية اعتقلته ورحّلته إلى الأراضي السورية في إطار الحملة الأخيرة التي تشنها ضد السوريين ممن تعتبرهم مخالفين لقانون الحماية.
يقول أمجد لـ"العربي الجديد": "كنت في محلة أكسراي في حي الفاتح، عندما أوقفتني الشرطة. نسيت الكيملك في المنزل، لكنّهم لم يسمحوا لي بجلبها، بل لم يسمحوا بانتظار أمي التي اتصلت بها كي تجلب البطاقة". يضيف: "نقلوني مباشرة مع مجموعة من السوريين في حافلة إلى مخفر في توزلا بالقسم الآسيوي من إسطنبول، وهناك جرى خداعي وإجباري على التوقيع على أوراق جاء فيها أنّني أريد العودة إلى سورية طوعاً". يتابع: "لم أكن أعلم ما المكتوب على الورقة، بينما قالوا لي إنّه إجراء عادي من أجل إطلاق سراحي. كانت خدعة إذ وضعت مع آخرين في حافلة أخرى وجرى نقلنا إلى ولاية هاتاي".
الطريق إلى هاتاي، جنوب تركيا، كان شاقاً جداً بحسب أمجد، وفيه تعرض لاعتداءات لفظية وجسدية عبر عناصر الشرطة، وطوال عشرين ساعة من الرحلة، لم يسمح لهم بأخذ استراحة لتناول الطعام أو قضاء الحاجة. يضيف: "في الحافلة كان صفا المقاعد مليئين بالسوريين، وعند توزيع المياه للشرب أذلّنا عناصر الشرطة، ولم يسمحوا لنا سوى بشرب القليل. كان معي 14 ليرة تركية (دولاران ونصف) وأردت أن أشتري بها طعاماً لي لكنّهم منعوني ومنعوا الجميع من شراء الطعام. وكانت الحجة دائماً أنّهم لا يريدون الانتظار في الطريق". بعد وصول الحافلة إلى ولاية هاتاي، أدرك أمجد ومن معه أنّ مصيرهم الترحيل إلى سورية، إذ مرّوا من معبر "الصداقة" إلى الأراضي السورية، وبعد دخوله وصل إلى منطقة سلقين الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" وبقي أربعة أيام ينام هناك تحت أشجار الزيتون.
ومعبر "الصداقة" مغلق حالياً، فقد افتتح قبل الثورة السورية بسنوات في منطقة العلاني بريف إدلب الشمالي الغربي، بهدف تسهيل الزيارات المتبادلة بين العائلات في شمال سورية وجنوب تركيا. وبحسب ما أفادت به مصادر "العربي الجديد" فإنّ جميع المعابر التي يجري ترحيل اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية من خلالها هي معابر مغلقة منذ اندلاع الثورة السورية، أو معابر تستخدم في الوقت الحالي للأعمال العسكرية فقط، باستثناء معبر واحد.
وفي إدلب معابر "الصداقة" و"خربة الجوز" و"أطمة" و"جنديرس" و"لوسين"، وكلّها معابر تستخدم للأعمال العسكرية الخاصة بالجيش التركي في المنطقة، باستثناء معبر "باب الهوى" الذي يعتبر المعبر الرسمي الوحيد في ريف إدلب ويدار حالياً من قبل حكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام". ولا إحصائيات دقيقة لعدد من جرى ترحيلهم إلى سورية، وبحسب أمجد طبلية، فإنّ العدد كان كبيراً إذ كانت الحافلة التي نقلتهم مليئة بالسوريين، وهناك حافلات أخرى وصلت إلى المنطقة. كذلك، ذكرت مصادر من معبر "باب الهوى" لـ"العربي الجديد" أنّه جرى ترحيل العشرات من هناك إلى سورية.
محمد ( 24 عاماً) من ريف إدلب اعتقلته الشرطة في مدينة إسطنبول، عندما كان يشتري حاجيات للمنزل طلبتها والدته، وتفاجأ عند عودته بدورية أوقفته وطلبت منه بطاقة الحماية، ولم يكن يحملها، لكنّ العناصر سمحوا لوالدته بجلبها. يقول محمد لـ"العربي الجديد": "عندما جاءت أمي بالبطاقة وعلموا أنّها من إصدار ولاية هاتاي اعتقلوني فوراً وأخذوني مع مجموعة من الشبان إلى حافلة، وقالوا لنا إنّ الحافلة سوف تقلنا فوراً إلى سورية. عندها رفضت التوقيع على الأوراق التي وضعوها أمامي وتعرضت للضرب، لكنّني أصررت على عدم التوقيع". بعد ذلك سارت الحافلة نحو 20 ساعة على الطريق، وعندما وصلت إلى مدينة الريحانية جنوب تركيا، كان محمد قد أعطى لعنصر من عناصر الشرطة الـ"كيملك" الخاصة به وإذن السفر الذي استخرجه منذ ثمانية أشهر من الريحانية قبل سفره إلى إسطنبول: "سمح لي العنصر بالنزول هناك وطلب مني أن أراجع دائرة الهجرة، وعند مراجعتي إدارة الهجرة جرى تغريمي بمبلغ 750 ليرة تركية (110 دولارات). يتابع: "نجوت حقيقة من الترحيل، فكلّ من كان معي في الباص وقّع على ورقة الترحيل الطوعي، ومن رفض تعرض للضرب".