أطلق الحزب، أمس الأربعاء، عملياً، معركة جرود عرسال، عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية. هي بلدة تشكل حاضنة للثورة السورية، وفيها أكثر من 100 ألف لاجئ سوري، ومحسوبة ديموغرافياً على المذهب السني، وسط محيط تابع بشكل كامل لحزب الله.
اقرأ أيضاً حزب الله يستعدّ لعرسال: استيراد "الحشد الشعبي"
انطلقت هذه المعركة إذاً ويقودها حزب الله بصفة "المحرِّر" فيما لونه المذهبي الخالص ينذر باحتمالات الفتنة في أي خطوة ينفذها، وخصوصاً أنّ مشروع الحزب على الحدود تخلّله تلميح نصر الله إلى خوض معركة داخل بلدة عرسال، بإشارته إلى أنّ "مخيّمات اللجوء فيها منصة لانطلاق الدعم والسلاح والذخائر للمجموعات التكفيرية في الجرد"، وبما في ذلك من تهيئة سياسية وأمنية وشعبية لنيّة اجتياح عرسال، تماماً كما سبق لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أن فعل في أغسطس/آب الماضي. يومها اجتاح التنظيم البلدة احتجاجاً على توقيف الجيش اللبناني أحد قادة المجموعات السورية المسلحة، فسيطر عليها وأسقط المراكز العسكرية التابعة للجيش اللبناني ولا تزال تحتفظ المجموعات المقتحمة بعشرات العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديها (ومن هذه المجموعات أيضاً جبهة النصرة التي تستمر في عملية التفاوض مع الدولة اللبنانية لإنهاء ملف المخطوفين).
لم يجد حزب الله نفسه محرجاً أمام هذا الواقع الجديد، بل على العكس، فإنّ قيادته تعتبر خوض معركة مماثلة "واجباً وطنياً وجهادياً". ارتدّ هذا الواقع خوفاً وقلقاً لدى أهالي عرسال والمسؤولين المحليين فيها.
رئيس بلدية عرسال، علي الحجيري، وصف العملية العسكرية في جرود بلدته بـ"الحرب الطائفية العدوانية على أراضي بلدة لبنانية مسالمة". وقال الحجيري، لـ"العربي الجديد"، إنّ حزب الله "يضيّق على أهالي البلدة من أبناء العشائر العربية الذين يعانون من حالة غليان بسبب الحرب الطائفية ضدهم، لكنهم ملتزمون بقرارات الدولة اللبنانية ويقفون خلف الجيش اللبناني المسؤول الوحيد عن حماية المواطنين وقتال المسلحين الغرباء". ودعا الحجيري الحكومة اللبنانية إلى "اتخاذ موقف واضح وصريح ضد حزب الله، لأن حلول مقاتليه محل الجيش اللبناني يؤسس لمعادلة طائفية طويلة الأمد في لبنان ككل وليس على صعيد بلدة عرسال فقط".
اقرأ أيضاً نصر الله: حربنا مع التكفيريين "وجودية" كالمعركة مع إسرائيل
استنسخ حزب الله صيغة "الحشد الشعبي" في العراق في هذه المعركة بالاستناد إلى أهل وعشائر في منطقة البقاع الشمالي، لتضاف هذه الصيغة إلى التنظيم العسكري للحزب وتنظيم "سرايا المقاومة" التي تشارك أساساً في الحرب السورية (وهي مليشيات محلية يدعمها الحزب وساهمت في اجتياح بيروت في مايو/ أيار 2008).
سياسياً أيضاً، يأتي إطلاق المعركة في جرود عرسال كورقة ضغط بيد حزب الله على الحكومة اللبنانية، وخصوصاً أنّ الأمين العام للحزب سبق أن طالب "الحكومة بتحمّل مسؤوليتها، ومناقشة هذا الملف في اجتماعاتها". وبينما تتحضّر الحكومة لجلسة اليوم، الخميس، يبدو أنّ عرسال ستفرض نفسها على مجلس الوزراء من البابين الأمني والسياسي مع تأكيد الكتل الوزارية في فريق 14 آذار على "حصر مهمة حماية الحدود للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الرسمية"، بحسب ما قالت مصادر في كتلة المستقبل، لـ"العربي الجديد"، وما سبق أن أكدته أيضاً مواقف متفرقة صادرة عن نواب هذا الفريق. كما صدر موقف عن مفتي الجمهورية اللبنانية، عبد اللطيف دريان، يحذر من استهداف عرسال وأهلها، معتبراً أنّ "أي اعتداء على عرسال هو اعتداء على كل اللبنانيين".
وبينما باتت عرسال على أبواب معركة مذهبية، لا تبدو الأوضاع داخلها في حال أفضل، إذ تنشط فيها عمليات الخطف والاعتداءات بشكل شبه يومي في ظلّ غياب أي مركز أمني أو عسكري للدولة اللبنانية فيها منذ أحداث أغسطس الماضي، فيما ما يقارب 130 ألف نسمة في عرسال متروكون وحدهم بين ناري المجموعات المسلحة وحزب الله على حدّ سواء. أما وحدات الجيش اللبناني فتكتفي بالانتشار في محيط البلدة.