حدث ذلك لأول مرة في الجمعتين الأولى والثانية من شهر رمضان؛ دخلها مع من دخلوا القدس بسلام آمنين بعد أن أعفاه الاحتلال من الحصول على تصريح، في إطار ما سماه جيش الاحتلال تسهيلات بمناسبة رمضان.
اليوم وهي الجمعة الثالثة من رمضان، كادت الأمنية بدخول القدس ألا تتحقق، كما يقول وليد: "توجهت إلى حاجز قلنديا المعبر الرئيس للقدس، هناك طلب الجندي بطاقة الهوية، نظر فيها ثم أمعن النظر في وجهي، وقال "أنت ممنوع تفوت. عمرك مش خمسين. روخ عالبيت".
كان يلزم "وليد" ثلاث سنوات أخرى حتى يسمح له بدخول القدس، ولما كان في السابعة والأربعين الآن، فمحظور عليه الدخول بموجب التعليمات الجديدة لجيش الاحتلال الذي عاد و"لحس بصقة التسهيلات" التي رماها على الفلسطينيين، وحاول أن يرغم السلطة الفلسطينية على تفتيش مواطنيها قبل أن يستقلوا الحافلات التي خصصت لنقلهم إلى القدس، بينما رفضت السلطة أن تكون "شرطيا" للاحتلال، كما قال مسؤولوها.
عبثا حاول وليد إقناع الجندي، فعاد من حيث أتى؛ ليستوقفه في الطريق سائق مركبة عرض عليه نقله إلى مكان قرب ضاحية البريد يتسلل منه الشبان إلى القدس بواسطة سلم وحبل يوضعان على جدار الفصل العنصري، ومنه يقفز "المتسلل" صاحب الأرض الشرعي إلى القدس مقابل رسوم تدفع لصاحب السلم مقدارها خمسة عشر شيكل، وهو ما فعله وليد، حيث دفع للسائق خمسة عشر شيكل، وقبل أن تقبض راحتاه الحبل الخشن دفع لصاحب السلم خمسة عشر شيكل أخرى كما اتفق.
صعد السلم بجسده الضخم، ثم بدأ النزول الصعب والدامي بالحبل، فتشققت راحتا الرجل وبدأت الدماء تنزف لتخضب الحبل وقميص وليد الذي وصل الأرض بصعوبة وألم شدِيدين.
يقول وليد: "المعاناة استمرت بعد ذلك، برحلة الاختباء من جنود الاحتلال بين المنازل وفي الأزقة إلى أن وصلت القدس بعد نحو ساعتين، وهنا في إحدى عيادات الأقصى تلقيت العلاج".
كان وليد واحدا من عشرات آخرين وصلوا العيادة مصابين بتمزقات خطيرة في راحة اليدين، وبعضهم كان يعاني من كسور وتهشم في الكعبين والأيدي وآلام مبرحة في الظهر نتيجة سقوطهم عن الجدار وهم يهبطون منه أو يصعدون إليه، لكن تزول آلامهم حين تتراءى لهم القدس من بعيد بسورها العظيم وصخرتها ذات القبة الذهبية.
بقيت يدا وليد تنزفان رغم ما تلقاه من علاج في العيادة، وتخضب بلاط الأقصى من جرحه.
شدد عليه الطبيب في العيادة: ننتظرك لتأتي في المساء لنعيد لك العلاج، فرد وليد: "بعد التراويح بإذن الله".