لم يكترث الفلسطيني سامر زغير (32 عاماً) لاحتمال إصابته بفيروس كورونا الجديد، والذي أصيبت به زوجته وهي على وشك ولادة طفلتها. تحدى الخوف وعدم إلمامه بالطب، وقد اضطر إلى توليد زوجته بنفسه فجر السبت الماضي، بعد رفض مستشفى الخليل الحكومي"عالية"، الواقع جنوبي الضفة الغربية، إدخال زوجته كاريمان (28 عاماً) إلى غرفة العمليات المخصصة لتوليد المصابات بالفيروس، ليلجأ الزوج إلى خيمة العزل المقامة أمام المستشفى وحيداً.
ويروي سامر قصة ولادة زوجته لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "اتفقت مع طبيبة من مديرية صحة الخليل على أن تكون ولادة زوجتي، التي اكتشفنا إصابتها بفيروس كورونا قبل نحو أسبوع، في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في حلحول، مساء الجمعة الماضي. بدأت زوجتي تعاني من آلام المخاض لكن انتظرنا حتى تشتد".
وعند الرابعة والنصف من فجر السبت، توجه برفقة زوجته إلى مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في حلحول، والذي تم تخصيصه لحجر المصابين. وعند وصولهما، رفض الحارس الذي تحدث إلى سامر من غرفة زجاجية، إدخالهما، قائلاً: "لا يوجد أحد في الداخل ولا أطباء"، يقول سامر.
فقد الزوج الأمل في موافقة "مركز كوفيد-19" في مدينة حلحول على استقبال زوجته كاريمان التي كانت تتألم أمامه. حينها، أمسك هاتفه واتصل بقسم الإسعاف التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فرد العنصر المناوب على سامر، وأخبره أنه سيجري تنسيقاً مع مستشفى الخليل الحكومي – عالية، لإجراء الولادة هناك. يقول سامر: "توجهت فوراً إلى المستشفى. كان هناك طبيب واحد في الانتظار، وقد أدخلنا إلى قسم الطوارئ. وما إن عرف باقي الأطباء أن زوجتي مصابة بكورونا، حتى أمرنا مشرف المستشفى بالمغادرة إلى خيمة عزل كورونا القريبة منه، إلى حين قدوم الأطباء".
بالفعل، توجّه سامر نحو الخيمة، وقال لزوجته: "سأتولى توليدك". كانت لحظة مصيرية بالنسبة لسامر وزوجته، إذ لم يسبق له التعامل مع موقفٍ شديد الحساسية كهذا. استلقت كاريمان زغير على أحد الأسرة في الخيمة، وتواصل زوجها مع عنصر الإسعاف الذي نسق دخول زوجته إلى المستشفى الحكومي، ليرشده خطوة خطوة حول كيفية توليد زوجته. اتبع تعليمات المسعف في الهلال الأحمر لتولد ميلا على يد أبيها. وعندما انتهت عملية الولادة، وصل الطبيب بصحبة ممرضين، تولوا قطع الحبل السري، ما أثار حفيظة أهالي الخليل.
في المقابل، ينفي مدير مستشفى الخليل الحكومي طارق البربراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون مدة انتظار الأم في الخيمة قد استمرت عشر دقائق، قائلاً إن "المدة الزمنية بين تلقينا إشارة قدوم المصابة من الإسعاف ووصولها إلى المستشفى لا تتجاوز الدقيقتين. خلال هذا الوقت، استدعى مشرف المستشفى شخصياً طبيب الولادة، رافقه ممرضون من قسم الطوارئ إلى الخيمة". يتابع: "ما حصل أن المواطنة وضعت مولودها قبل لحظات من وصول الطاقم الطبي الذي كان يرتدي اللباس الواقي من كورونا، ويأخذ إجراءات السلامة بعين الاعتبار. وبعد الولادة، تم تحويل الأم إلى قسم الحجر الصحي، وفصل الطفلة غير المصابة عنها".
ورداً على سبب توجيه الزوجين إلى خيمة العزل أمام المستشفى، بدلاً من تحضير الأم بشكل فوري في غرفة الولادة التي خصصها المستشفى للحوامل المصابات بكورونا، يقول البربراوي: "لو ذهبت الأم إلى غرفة الولادة الخاصة بالمصابات بفيروس كورونا، لكان الطفل قد سقط منها أرضاً. ارتأينا أن الأفضل توجيهها إلى الخيمة الأقرب إلى قسم الطوارئ، وقد قام الأطباء هناك بإتمام إجراءات الولادة. أرى أن أمر ولادتها سريعاً عادي ويحصل في كل أنحاء العالم. هناك نساء يلدن في المركبات والمنازل. طبياً، هذا يحصل".
عاد الثنائي إلى المنزل، وهما قيد الحجر إلى أن تتعافى كاريمان. وتعتني زوجة شقيق سامر بـ ميلا، ويعني اسمها المعجزة كونها ولدت في ظروف استثنائية، على عكس أشقائها سيرين ومالك ومجد. وتقول كاريمان لـ "العربي الجديد": "ما من كلام يمكن أن يصف المشاعر السيئة التي شعرت بها قبل ولادتي، بعد رفض من حولي التعامل معي كوني مصابة بكورونا. شعرت أنني عديمة القيمة إنسانياً، إذ إن مركز حلحول رفض استقبالي، وكان لزاماً على مستشفى عالية أن يكون مستعداً سواء تم إعلامه من قبل أو لا".
ويطالب سامر بتوضيح سبب رفض مركز حلحول استقبال زوجته، متسائلاً عن الجهوزية التي يجب أن يكون عليها مستشفى الخليل الحكومي في حالات الطوارئ. يقول: "لو فقدت زوجتي من يعوضني؟ وزارة الصحة؟ تعرضت لموقف عصيب أثناء توليد زوجتي".
وعلى الرغم من توضيح مستشفى الخليل الحكومي لما حدث، وإصدار وزارة الصحة بياناً حول الحادثة، إلا أن ولادة ميلا في خيمة أمام أحد المستشفيات الحكومية، دفعت العديد من المواطنين إلى الإعراب عن مخاوفهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والمتعلقة بإمكانات وزارة الصحة والطواقم الطبية في احتواء انتشار الفيروس الذي ترتفع نسبته في الخليل خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، إضافة إلى سرعة وجهوزية تعامل طواقمها الطبية مع الحالات الاستثنائية.
وتعليقاً على ما حدث، أوضحت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، خلال لقاء مع تلفزيون فلسطين الرسمي، أنه بعد التحقيق بما حدث، تبين أنه بعد توجه المصابة إلى مستشفى بالخليل لم يستقبلها، تم تحويلها إلى مستشفى عالية الحكومي وتبليغ الأطباء، كانت على وشك الولادة. وريثما نزل الأطباء إلى الخيمة، كانت ميلا قد ولدت، وأكمل الطاقم الطبي عملية الولادة، والطفلة بحالة جيدة".