26 ابريل 2021
فلسطين والقدس والعرب والعالم
قد يبدو العنوان غريباً لبعضهم، وقد يكون شائعاً عند بعضهم الآخر، ولكن ما يستغربه المتابع هو أن القضية الفلسطينية لم تعد الشاغل الأهم لمعظم العرب كما كان سابقاً، أو على الأقل لبعض الحكام العرب والذين كان آخرهم الراحل صدام حسين، لاعتبارات عدة قد تكون أهمها الأزمة الخليجية أو هجمة "داعش" على بعض البلدان وتهديدها لبعض الدول العربية والغربية.
لقد حاول العرب والمسلمون الوقوف بوجه القرار الأميركي الذي اعتبر القدس عاصمة لإسرائيل عن طريق التنديد بالقرار واستنكاره تارة، وعن طريق عقد القمة الإسلامية تارة أخرى. لن نتحدث عن مستوى التمثيل ونسب نجاح القمة من عدمه، بقدر كونها رداً على قرار ترامب وإن كان هذا الرد خجولاً نوعاً ما.
لقد جاء الرد الأميركي على القمة الإسلامية، التي انعَقدت في إسطنبول، يوم الأربعاء الماضي، تلبية لدعوة من الرئيس، رجب طيب أردوغان، للتصدي لقرارِ ترامب الاستفزازي بتهويد مدينة القدس المحتلة، سريعاً، بل أسرع من المتوقع، حيث وفي اليوم التالي من انعقاد القمة وعلى لسانِ، السيدة نيكي هايلي، المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة التي قالت، قبل أيام، إن "السماء لم تهبط على الأرض بعد قرارِنا بشأن القدس، وسنمضي قدماً فيه دون تلكؤ". في تحد واضح وضرب عرض الحائط لكل مخرجات القمة.
السيدة هيلي التي تفوقت على الرئيس ترامب في عنصريته وعدائه للعرب والمسلمين، بدأت حملة تحشيد وتصعيد ضد إيران دون أي سبب يستدعي ذلك غير بذر بذور الفتنة، وتهيئة المجال لحرب طائفية تحرق المنطقة، وتحلب ما تبقى من أموال في جعبة دول في الخليج، ورهن مخزونها النفطي لعقود قادمة، بعد إحساسها بتوحد العرب وقرب توصلهم لحلول أو عقوبات أو بالإمكان تسميتها "مقاطعة للمنتوجات الأجنبية" فحاولت إشغالهم بموضوع ايران وفتح موضوع تدخلاتها في بلدان الشرق الأوسط التي لا أحد ينكرها، ولكن إذكاء هذا الموضوع بهذا التوقيت هو لضرب ووأد أي مشروع ضد الولايات المتحدة أو على وجه الخصوص أميركا.
المندوبة الأميركية فسرت الماء بالماء عندما قالت إن "أميركا لديها الأدلة على أن الصاروخ الذي استهدف مطاراً مدنياً بالرياض هو صاروخ إيراني". وأضافت "إن سلوك إيران في منطقة الشرق الأوسط يزداد سوءاً ويؤجج الصراع في المنطقة".
هذه التصريحات، وكما أشرت وأكدها كثير من الكتاب والصحافيين، الهَدف الأساسي منها هو تحويل الأنظار العربية والإسلامية عن الجريمة الأميركية في القدس المحتلة، والانحياز الكامل لدولة الاحتلال الإسرائيلي وسياساتِها في فرض الأمر الواقع بالقوة.
الماكينة الإعلامية الأميركية التي جرى تكليف السيدة هيلي بالتعبير عنها، والتركيز على الصاروخ الحوثي الذي استهدف مطار الملك خالد، شمال مدينة الرياض، باعتبارِه الذريعة أو "رأس الحربة" في هذه الحملة ضد طهران تعود لجملة أسباب من أهمها ضرب الوحدة العربية الإسلامية التي نتجت عن القمة الإسلامية والتي شارك فيها أكثر من 57 زعيماً ووزير خارجية، والذين دعوا لضرورة التصدي للكيان الصهيوني، وإدانة التدخل الأميركي، وأهمية الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة "القدس"، فضلاً عن خوف الإدارة الأميركية من ظهور تحالف جديد عابر للطائفية خصوصاً بعد التقارب غير المسبوق بين أردوغان وروحاني.
ومن أسباب الغضب الأميركي ولهجة السيدة هيلي المتشددة أيضاً، أن الصاروخ البالستي الذي أطلقه الحوثي باتجاه المدينة المنورة وسقط في فناء مطار العاصمة أحرج الإدارة الأميركية وكشف زيف دفاعاتها، والتي تجني من خلالها مليارات الدولارات بحجة حمايتها ودفاعها عن أمن الخليج العربي وبذلك كانت تلك العوامل العنصر الأهم بحرف رؤية العرب والعمل على عدم توحدهم أياً كان الثمن، وخلق حالة من الهلع والذعر بين الدول العربية، وحرفهم عن مسارهم وفكرهم بإيجاد حل عادل وشامل ونهائي للقضية الفلسطينية، ورفض التدخلات الأميركية والوقوف بوجه الكيان الصهيوني، الذي استغل ضعف العرب في هذه الفترة وتمزق معظم الدول العربية نتيجة للمؤامرات التي تحيكها إيران، ويذكيها الصهاينة، وينفذها الأميركيون، ويقع ضحيتها المواطن العربي.
ترامب يقرع طبول الحرب في المنطقة، كل ذلك لأجل أن ينعم الصهاينة بالأمن والاستقرار ويسعى جاهداً بتصدير العرب وجعلهم رأس الحربة لمواجهة إيران ومن ثم ينكث عهده معهم، وهذا ليس بجديد على الإدارة الأميركية والتي فعلتها سابقاً مع الرئيس صدام حسين، حينما دعمته ووقفت معه، ثم نكثت به ودمرته وحولت بلده لأضعف بلد، ومديون للخارج بمليارات الدولارات وبلد مسلح بنسبة عالية جداً.
أميركا لن تكسب هذه الحرب، لكن المؤكد أن المسلمين أيضاً، والعرب خصوصاً، سيكونون وقودها وضحاياها، جنباً إلى جنب مع حليفهم الإسرائيلي الجديد.. والأيام بيننا. والأيام المقبلة والسنون المقبلة مليئة بالمفاجآت، ونأمل أن تكون خيراً للعرب والمسلمين.