بدخول العام الحالي، تبدو كل الأسئلة المرتبطة بالثقافة الفلسطينية معلّقةً كما هي؛ لا إجابات حول تساؤلات نقدية كثيرة دائمة الحضور وبإلحاح. المسرح، كيف حاله؟ المؤسسة الثقافية الرسمية، أين هي؟ لنحيل أنفسنا مرة أخرى إلى السؤال الأكبر، أين نحن من القضية الكبرى أي تحرر فلسطين؟ قد تبتزّنا هذه الأسئلة الواضحة، نحو أسئلة أصغر، ابتُذلت تماماً: ما جديد الثقافة الفلسطينية؟ أين المخيّم في الأدب أو أين الأدب من المخيّم بما يمثله؟ أين المدينة، المدينة المهمّشة، والقرية؟ هل هناك صورة نريد تقديمها؟
ما زال سؤال الالتزام وتجاوز الشرط الوطني الكبير في أمسّ الحاجة إلى تفكيكه بفعلٍ مقنعٍ وقادرٍ، لكن لا أفعال كبيرة تذهب بأدب هذه الأيام إلى مربّعاتٍ إبداعية تجيب ولو باليسير عن أسئلتها الكبرى. تبدو هذه الملاحظات افتراضية لا حقائق إذا ما قرّرنا المراجعة والنقد في شأن ثقافة هذه الأيام، لكن كيف يتحقّق ذلك كلّه أمام موجة أفعال ثقافية فردية، يندر انخراط المؤسسة في حثّها أو حتى في تشجيع جريانها إلى الأمام.
لا تتلخّص معضلة هذه الأيام في كونها عجزاً فيزيائياً عن دوران عجلة الحالة بالقوّة المطلوبة، ثمّة نشاط يشقّ طريقه هنا وهناك، لكن وبالتجاوز عن المنطق الإحصائي في التقييم، هناك قصور شديد في الصورة التي تبني نفسها من معاناة الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال والاستعمار، ولا تكتفي بذلك فقط، بل تجعل من نفسها أداة مواجهة في معركة الدفاع عن الوجود والحياة والإنسان في فلسطين.
أكثر ما يرعب بشأن تحوّلات الثقافة والاجتماع في فلسطين -بجانب ما يقوم به الاحتلال- الهشاشة التي تلفّ جسد الثقافة أمام تغوّل الرأسمال المحلّي في تحويل معالم ثقافية راسخة إلى مبانٍ وعمائر تجارية؛ مسرح وسينما جنين نموذجاً، في الشهر الماضي، ومكتبة عريقة في رام الله قبلها بقليل، وهي الهشاشة إيّاها، التي لم تكن لتكون لولا تسرّب ذلك الشكل من العزوف الاجتماعي والنفسي عن تشكيل حاضنة متينة أمام موجات التعمير التجاري الجافّ الذي يضرب في كل مكان، إضافة إلى غياب الجهة التي تقول لا وكفى.
لكن تسرّب ذلك الشكل من العزوف، لم يكن مفاجئاً بالقدر ذاته الذي جعل من الجغرافيا الفلسطينية غائبة أو بالأحرى مُغيَّبة عن أيّ استثمار ثقافي حقيقي على أصعدة مختلفة مثل المسرح والسينما والفن والأدب؛ ما يجعل من هذه النشاطات في وعي سكان هذه التجمّعات- وعلى وجه الخصوص القرية والمخيّم؛ مسارب استهلاكية لا تلامس نموذج الحياة الذي تم تصميمه قسراً للضرورات الوجودية الصرفة.
لعل المربك في ميزة هذه المرحلة هو استعصاؤها الشديد على الاختصار في عنوان واحد، إذ كيف تذهب إلى الجودة وأسئلة النقد والمراجعة أمام سؤال الهوية في الأدب، وكيف تذهب إلى سؤال الهوية أمام التأزّم السياسي وتشابك علاقته الخطرة بالثقافي، كيف تذهب إلى القضية الكبرى أمام شراسة اليوميّ الجارف؟