07 نوفمبر 2024
فليحيَ الشك وليسقط اليقين
تتزايد علامات المباهاة لدى إعلام الممانعة. وآخر مستجداتها التفاخر بمساحة "اللايقين" الصادرة عن إسرائيل إزاء ما يمكن أن تسفر عنه أية عمليةٍ عسكريةٍ تقوم بها ضد حزب الله في لبنان؛ بل يعتبرها هذا الإعلام مشكلة إسرائيل "الرئيسية"، فيروح يسرح ويمرح في "القدرات" والصواريخ الدقيقة، والأهم من هذا كله، في "الانتصار" الكاسح الذي تحقّق في الساحة السورية لصالح النظام وحلفائه. ليستنتج، مستقوياً، أن هذا الانتصار من أهم ملامح "التغيير الإستراتيجي في الساحة السورية".
فكرة "اللايقين" هذه الصادرة عن العدو الإسرائيلي هي الرافعة التي يعتمد عليها أي تحليل عسكري أو إستراتيجي للإعلام والصحافة الممانعَين، والتي لا يمكنها غير التنبؤ بقدوم النصر العظيم، مهما كانت ظروف العدوان، ومهما كانت سياقاته.
يصحّ الجزء الأول من الفكرة من أن إسرائيل تبدي شكوكاً، وبالتالي تردّداً حيال أية خطوةٍ أو قرار بشنّ عدوان على حزب الله في لبنان. وهذا صحيح: الصحافة الإسرائيلية، القادة الإسرائيليون، خصوصاً العسكر منهم، الوثائق المسرّبة المرتابة من الخسائر المحتملة.. إلخ، لا يبدون متفقين مع رئيس وزرائهم نتنياهو المندفع للحرب، بل المزايد أحيانا على اليمين الأكثر تطرّفاً. أما أن تكون الظنون نقطة ضعف عسكرية، تؤكد على الانتصار الحتمي في حال نشوب حرب، فهذا ما لا يقنع إلا المحبّين، فإسرائيل العنصرية المعتدية، المتوسّعة، تملك أيضاً
تنوّعاً في التصورات، شكوكها علنية، وكواليسها تختلف عن كواليسنا. والشك، من حيث المبدأ، حيلة الاذكياء، من شيمهم الخاصة؛ هو الذي يؤدي إلى الوضوح، إلى الإدراك، والاكتشاف.
والشك، لو تمكّنا منه، يمْلي علينا السؤال إن كانت الضربات المنْتظمة التي تتعرّض لها ثكنات الممانعة وقواعدها ومرافئها على الساحة السورية ليست نوعاً من الاستنزاف للمحور "المنتصر". والشك، معطوفاً على التجارب السابقة، ينطوي على سؤال آخر: إن كانت هذه النوعية من الضربات هي التوطئة لعملية أكثر شمولاً، تماماً كما حصل سابقاً، قبل عقود؟ هذا على افتراض ان "اللايقين" الإسرائيلي كله حقيقي، وليس مخترَقاً من المموِّهين، أو المخادعين، أو الباحثين عن تصوير دولتهم إنها ليست هي القوية، إنما هي الضحية.. إلى ما هنالك من أنغام، لا يحرم نتنياهو نفسه من إنشادها، يستعطف بها الغرب، ويبرِّر بها الضربات المنتظمة التي تتعرّض لها ثُكُنات الممانعة وقواعدها في سورية، وما قد يليها من اعتداءات.
ثم يتابع الإعلام الممانع تباهيه بأن إسرائيل لن تجرؤ بالتالي على الاعتداء، إذ تعرف نفسها خاسرة، خاسرة؛ فيما نحن أيضا، أي محور الممانعة، لا نريد حرباً. "توازن الرعب" يسمّيه، فيطمئننا، ويطمئن. وهذه أيضا من اليقينيات، الرديف المنطقي، لتعْيير العدو بـ"اللايقين". والشك يحضر من نافذة التناقض الداخلي لهذه المعادلة غير المنطقية، فطالما أن العدو ضعيف، وطالما لا يريد الحرب، وطالما النصر يسْطع في الأفق الممانع الأكيد، فلماذا الامتناع عن خوضها، هذه "الحرب"؟ هل لأن ثمّة "لا يقين"، أيضاً، يسكن في سريرة الممانِعين؟ لا يفصحون عنه، لسبب البروباغندا، أو لسببٍ تكتيكي، أو استراتيجي، يفلت من فهمنا؟ نحن المواطنين البسطاء، الذين سيدفعون أعلى الكلفة في حال نشوب حرب؟ أم لأن حرباً كهذه لا معنى وطنيا لها، ولا قوميا؟ وأن الإبقاء على درجة حماوتها هو المطلوب، من الأفرقاء الفاعلين، أي الإيرانيين والإسرائيليين، ووراءهم الروس والأميركيون، بدرجاتٍ وأساليب مختلفة؟ وإن هذه الحماوة هي شدّ حبال على الزعامة الإقليمية، على حقوقهم في تقرير مصير أبناء المنطقة، والسيطرة على أرضهم ومقدراتهم؟
كل هذا مسْكوتٌ عنه. ويسهّل هذا السكوت بؤس اليوميات المُعْمية للبصيرة وللشك، تسيّجهما
سيوف التخوين وتهم العمالة والارتداد. ولن تتبرّع قيادات المحور الممانع بطرح تناقضاتِها على بساط البوح. ولا صحافتها ولا إعلامها سوف يفعلان. ولو فعلوا، لنبشوا، على الأقل، كلمة حسن نصر الله المأثورة "لو كنتُ أعلم"، حول أضرار حرب 2006 الهائلة، وسألوه: "ما هو الذي لم تكن تعلم به؟". على الأقل، بأدنى التوقعات...
لماذا لا يفعلون؟ لا يشكّون؟ لا يسألون؟ لأن في هذا كله إسفينا بسيطا، يشق معْبد العقيدة، أي الأيديولوجيا الانتصارية. ولأنهم بذلك سوف يعون أنهم فاقدو البوصلة، ولن يستمرّوا في العيش وهم معتقدون أنهم ممْسكون بها، كما يمسكون بـ"انتصاراتهم". قد يتحوّلون إلى هراطِقة. وهذا محمود؛ فالهرْطقة سليلة الشك، وهي خروجٌ عن الضياع الممْسوك إلى ضياع حرّ جديد، خروج عن الطريق الإلزامي، المرسوم بأقلامٍ نجهلها، ساكنة في الأعالي، غريبة ومتغرِّبة. من دون الشكوك، من دون الهرْطقة، نبقى كما نصف أنفسنا، بكل تبجّح بأننا "شعب أهْبَل" (أبْلَه).
فكرة "اللايقين" هذه الصادرة عن العدو الإسرائيلي هي الرافعة التي يعتمد عليها أي تحليل عسكري أو إستراتيجي للإعلام والصحافة الممانعَين، والتي لا يمكنها غير التنبؤ بقدوم النصر العظيم، مهما كانت ظروف العدوان، ومهما كانت سياقاته.
يصحّ الجزء الأول من الفكرة من أن إسرائيل تبدي شكوكاً، وبالتالي تردّداً حيال أية خطوةٍ أو قرار بشنّ عدوان على حزب الله في لبنان. وهذا صحيح: الصحافة الإسرائيلية، القادة الإسرائيليون، خصوصاً العسكر منهم، الوثائق المسرّبة المرتابة من الخسائر المحتملة.. إلخ، لا يبدون متفقين مع رئيس وزرائهم نتنياهو المندفع للحرب، بل المزايد أحيانا على اليمين الأكثر تطرّفاً. أما أن تكون الظنون نقطة ضعف عسكرية، تؤكد على الانتصار الحتمي في حال نشوب حرب، فهذا ما لا يقنع إلا المحبّين، فإسرائيل العنصرية المعتدية، المتوسّعة، تملك أيضاً
والشك، لو تمكّنا منه، يمْلي علينا السؤال إن كانت الضربات المنْتظمة التي تتعرّض لها ثكنات الممانعة وقواعدها ومرافئها على الساحة السورية ليست نوعاً من الاستنزاف للمحور "المنتصر". والشك، معطوفاً على التجارب السابقة، ينطوي على سؤال آخر: إن كانت هذه النوعية من الضربات هي التوطئة لعملية أكثر شمولاً، تماماً كما حصل سابقاً، قبل عقود؟ هذا على افتراض ان "اللايقين" الإسرائيلي كله حقيقي، وليس مخترَقاً من المموِّهين، أو المخادعين، أو الباحثين عن تصوير دولتهم إنها ليست هي القوية، إنما هي الضحية.. إلى ما هنالك من أنغام، لا يحرم نتنياهو نفسه من إنشادها، يستعطف بها الغرب، ويبرِّر بها الضربات المنتظمة التي تتعرّض لها ثُكُنات الممانعة وقواعدها في سورية، وما قد يليها من اعتداءات.
ثم يتابع الإعلام الممانع تباهيه بأن إسرائيل لن تجرؤ بالتالي على الاعتداء، إذ تعرف نفسها خاسرة، خاسرة؛ فيما نحن أيضا، أي محور الممانعة، لا نريد حرباً. "توازن الرعب" يسمّيه، فيطمئننا، ويطمئن. وهذه أيضا من اليقينيات، الرديف المنطقي، لتعْيير العدو بـ"اللايقين". والشك يحضر من نافذة التناقض الداخلي لهذه المعادلة غير المنطقية، فطالما أن العدو ضعيف، وطالما لا يريد الحرب، وطالما النصر يسْطع في الأفق الممانع الأكيد، فلماذا الامتناع عن خوضها، هذه "الحرب"؟ هل لأن ثمّة "لا يقين"، أيضاً، يسكن في سريرة الممانِعين؟ لا يفصحون عنه، لسبب البروباغندا، أو لسببٍ تكتيكي، أو استراتيجي، يفلت من فهمنا؟ نحن المواطنين البسطاء، الذين سيدفعون أعلى الكلفة في حال نشوب حرب؟ أم لأن حرباً كهذه لا معنى وطنيا لها، ولا قوميا؟ وأن الإبقاء على درجة حماوتها هو المطلوب، من الأفرقاء الفاعلين، أي الإيرانيين والإسرائيليين، ووراءهم الروس والأميركيون، بدرجاتٍ وأساليب مختلفة؟ وإن هذه الحماوة هي شدّ حبال على الزعامة الإقليمية، على حقوقهم في تقرير مصير أبناء المنطقة، والسيطرة على أرضهم ومقدراتهم؟
كل هذا مسْكوتٌ عنه. ويسهّل هذا السكوت بؤس اليوميات المُعْمية للبصيرة وللشك، تسيّجهما
لماذا لا يفعلون؟ لا يشكّون؟ لا يسألون؟ لأن في هذا كله إسفينا بسيطا، يشق معْبد العقيدة، أي الأيديولوجيا الانتصارية. ولأنهم بذلك سوف يعون أنهم فاقدو البوصلة، ولن يستمرّوا في العيش وهم معتقدون أنهم ممْسكون بها، كما يمسكون بـ"انتصاراتهم". قد يتحوّلون إلى هراطِقة. وهذا محمود؛ فالهرْطقة سليلة الشك، وهي خروجٌ عن الضياع الممْسوك إلى ضياع حرّ جديد، خروج عن الطريق الإلزامي، المرسوم بأقلامٍ نجهلها، ساكنة في الأعالي، غريبة ومتغرِّبة. من دون الشكوك، من دون الهرْطقة، نبقى كما نصف أنفسنا، بكل تبجّح بأننا "شعب أهْبَل" (أبْلَه).