ضمن فعاليات الدورة التاسعة لـ "مهرجان المسرح العربي" في وهران ومدن جزائرية أخرى، والتي تُختتم اليوم، انتظمت الأحد الماضي ندوة حول فن الإيماء في العالم العربي جرت الإشارة فيها إلى ندرة هذا الشكل المسرحي في البلاد العربية ما جعل بعض المداخلات تتصدّى للتعريف به وبتجاربه، من خلال مسمّياته المختلفة كـ فن الأداء الإيمائي أو البانتوميم، هذا إضافة إلى تقديم لوحات تطبيقية.
في كلمته، اعتبر الممثل والمخرج المسرحي اللبناني فائق حميصي أن فن الإيماء قديم قِدم المسرح، وصولاً إلى العصور الحديثة حيث استشهد بأسماء مثل مارسيل مارسو (1923 - 2007) وإيتيان دكرو (1898 - 1991) جعلوا من الإيماء تجربة مستقلّة عن المسرح. يشير حميصي إلى أن هذا الفن انطلق في الساحات، كما أن حضوره في مناطق مثل الشرق الأقصى يختلف عن التجارب الغربية.
اقترب حميصي من هذا الفن ابتداءً من 1972، ويومها انطلق من سؤال هل حضر الإيماء في تراثنا العربي؟ وهو ما جعله يعود إلى نصّين تراثيّين لـ أبي الفرج الأصفهاني وأبي عثمان الجاحظ يؤشّران معاً إلى توصيف دقيق لشخصيات مارست هذا الشكل التعبيري. هكذا يربط حميصي الإيماء بالفنون الصامتة عند العرب في اعتمادهم على التكرار واللعب على الإيقاع، كما أكّد أنه من الخطأ القول إن العرب عندهم نقص في فهم الجسد وقدراته الدلالية.
في القسم الثاني من مداخلته، تحدّث حميصي عن الجانب التطبيقي وقدّم إثر ذلك مشهداً من فيلم "أطفال الجنة" لـ مارسيل كارني وآخر من فيلم صامت إلى جانب مقطعين تمثيليين من عروضه الخاصة، ليشير في الأخير إلى أن فن الإيماء بدأ ينتشر في العالم العربي، باعتبار أن المسرح العربي بدأ يتّجه بشكل عام نحو التعبير الجسدي.
في الكلمة التالية، قدّمت الفنانة اللبنانية رويدة الغالي مدرسة جاك لوكوك (1921 - 1999) في فن الميم، والتي طوّرت مفهوم الاشتغال على الجسد. كما قدّمت الغالي محاضرة تطبيقية حول الأقنعة وترميزاتها وحضورها في الأداء الإيمائي، مشيرة إلى أنه "إذا كان الجسد أداة الممثّل الحقيقية، فإن للأقنعة دورها في إعطاء الجسد متنفّساً جديداً للتعبير، حيث إن الممثل يستطيع تجاوز الحدود الحسية".
من خلال وثائق بصرية، فصّلت الغالي أنواع الأقنعة وتوظيفاتها وتعبيراتها، من القناع المحايد الذي يرتبط بوضعية/حالة "هنا/الآن"، إلى القناع اليرقي (غير المكتمل) أو القناع النصفي انتهاءً بأصغر قناع (قناع الأنف).
من جهته، حاول الفنان الفلسطيني سعيد سلامة التعريف بمدرسة خبرها عن قرب واشتغل فيها، هي "مدرسة توماشفسكي" في وارسو. فإذا كان مارسو قد أعطى بعداً إنسانياً لحركة الجسد، فإن هنريك توماشفسكي (1919 - 2001) درس المسرح والباليه واستفاد من ذلك ليفتح فن الإيماء على مساحات جمالية جديدة.
استطاع الفنان البولندي أن يمزج فن الباليه بالبانتوميم وكوّن مختبراً (ما بين 1958 و1960) مع مجموعة من الفنانين شكلوا مسرحاً فريداً كان أحد إنجازاته تقديمه لملحمة جلجامش. وفي نهاية حديثه، قدّم سلامة هو الآخر مشهدين؛ الأول عن قصيدة لـ سميح القاسم تصف الحالة الفلسطينية، والثاني بعنوان "ميلاد".
التجارب الشبابية في مسرح الإيماء مثّلها كلّ من أحمد برعي وصفاء محمدي من مصر، وقد أشارا إلى النفس الجديد الذي حملته مرحلة ما بعد الثورة للمسرح بصفة عامة في مصر، ولفن الإيماء بشكل خاص، حيث إن بلادهما صارت تشهد ثلاثة مهرجانات تحتفي بهذا الفن. كما أكّدا أن الشارع يمثّل أحد أبرز ساحات تقديم هذه العروض في مصر.