وتضافر خلل التركيبة مع قضية التحقيقات الروسية وما تتكشف عنه تباعاً من معلومات ليصب الزيت على نار الاشتباكات الداخلية التي صارت أشبه بماركة مسجلة لإدارة ترامب وبما جعلها مشغولة بحالها أكثر من أي ملفات أو قضايا أخرى. وما يعقد الأزمة أكثر أن التصحيح متعذر والانسدادات متزايدة. بذلك، صار همّ كل مسؤول في البيت الأبيض بنوع خاص، حماية وضعه أو الاستعداد للمغادرة.
آخر حلقة في هذا المسلسل المفتوح، هي أن مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي الجنرال هربرت مكماستر، يستعد لترك منصبه قبل نهاية الشهر، حسب ما تردد في الساعات الماضية نقلاً عن مصادر يبدو أنها مقربة منه.
والمعروف أن مكماستر اصطدم مع الرئيس قبل أسبوعين عندما أكّد أنّ حقيقة التدخل الروسي في الانتخابات "لا جدال فيها". في حين رد ترامب عليه بتغريدة لا تخلو من الضيق والاستياء.
بعد ذلك بقليل، تردد أيضاً أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون المستبعد من ملفات كثيرة، أعرب أمام كبير مستشاري الرئيس، جاريد كوشنر، عن امتعاضه من اختطاف دوره الذي يمارسه آخرون (منهم كوشنر) في الإدارة. واستياء الوزير ليس سراً في واشنطن التي سبق أن توقع العارفون فيها مغادرته منصبه خلال هذه السنة.
كذلك قدمت مديرة الاتصالات هوب هيكس، استقالتها بعد مرور أشهر فقط على تعيينها، وهي من المقربين جداً إلى الرئيس منذ فترة طويلة. جاء ذلك بعد ساعات من مثولها أمام إحدى لجان الكونغرس للاستماع إلى إفادتها في موضوع التحقيقات الروسية.
بموازاة ذلك، انفجر التوتر من جديد بين الرئيس ووزير العدل جيف سيشنز، الذي يتمسك بمنصبه، خلافاً للآخرين والذي يعمل الرئيس على دفعه للاستقالة، حسب الاعتقاد السائد في واشنطن. ترامب يرغب في الاستغناء عن سيشنز الذي أعفى نفسه من ملف التحقيقات، لتعيين بديل عنه يقيل المحقق الخاص روبرت مولر، علّ ذلك يطوي ملف التحقيقات. لكن الوزير متشبث بمنصبه وبدعم من الكونغرس، لاسيما الجمهوريين فيه.
ويبقى كل ذلك في كفة، ووضع صهر الرئيس غير السويّ في كفة أخرى. فهو حتى الآن لم يحصل على التصريح المطلوب من الأجهزة الأمنية والاستخباراتيةـ والذي يخوله الاطلاع على المعلومات المتعلقة بأمن الدولة وأسرارها. وقد تبين من اتصالات جرى التنصت عليها أن بعض الدول مثل "الصين وإسرائيل والإمارات، آثرت التعامل مباشرة معه". وحسب التفسيرات، فإن هذه البلدان "رأت في قلة خبرته وحاجته إلى قروض مالية لسداد ديون ناجمة عن تعثر بعض مشاريعه العقارية"، فرصة سانحة لاستدرار معلومات ثمينة منه.
الجنرال كالي، كبير موظفي البيت الأبيض، التقط هذه النقطة الحساسة لتصفية الحساب مع كوشنر ومنعه من الاطلاع على التقارير والمعلومات عالية الحساسية. لكن وضعه ما زال معلقاً. لو كان غيره في هذا الموقع ومارس دوره بهذا الشكل، لكانت إقالته محتومة، خاصة أنه اجتمع بمدراء بنوك ومؤسسات مالية في البيت الأبيض، كما أفادت "نيويورك تايمز"؛ وحصل على قروض بالملايين منهم.
حروب ترامب الداخلية قلّصت محيطه حتى في البيت الأبيض؛ جبهاته التي فتحها مع الإعلام والقانون ووكالات الاستخبارات (الداخلية والخارجية) وحتى مع حلفائه الأوائل، زادت من عزلته بحيث صار اللفيف القريب منه ينحصر بالعائلة وعدد من المعاونين الأقل من عدد أصابع اليد الواحدة.
كما أن الحلفاء الجمهوريين في الكونغرس، يقفون إلى جانب مشاريع ترامب وليس إلى جانبه. في هذه الحالة الضاغطة ومع اشتداد خناق التحقيقات، لن يكون من المستبعد أن يلجأ الرئيس إلى تفجير قنبلة من العيار الثقيل. كان يمكن أن تكون خارجية لولا وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس الذي يلعب دور الناطور في هذا الظرف.
الأمر الذي يرجح أن تكون من نوع إطاحة وزير العدل كممر وإن غير مضمون، للخلاص من التحقيقات حول الدور الروسي في الانتخابات. خطوة من هذا النوع، تفتح أزمة سياسية كبيرة قد تصبح دستورية وتنطوي على أكثر من احتمال.