عندما نشرت الحكومة المغربية لائحة المستفيدين من المقالع (المحاجر)، كانت ترمي من وراء ذلك إلى توجيه رسالة مفادها أنها مصرة على محاربة النهب في ذلك القطاع، في الوقت ذاته سعت إلى تسريع تبني قانون يجب التشريع الذي يسري منذ 100 عام.
غير أن مشروع القانون الجديد، أثار الكثير من الخلافات، حيث تحفظ الكثيرون، ما استدعى
إحالته إلى المجلس الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي، من أجل إصدار رأي حول التعديلات التي يستحب إدخالها عليه.
يأتي ذلك في سياق يتسم بفوضى تسود قطاع استغلال المقالع واستفحال النهب، حيث شاع العبث بالسواحل المغربية، ناهيك عن استغلال رمال الكثبان، ما ينعكس سلبا على التوازن البيئي.
فوضى ونهب
وحين عرض الرأي الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يرأسه نزار بركة، مساء الخميس الماضي بالرباط، لم يتردد بعض أعضاء المجلس في التشديد على ضرورة إضفاء نوع من الشفافية في قطاع استغلال المقالع.
تلك دعوة تعكس رأيا سائدا في المغرب ينظر إلى ذلك القطاع باعتباره مرتعا لاقتصاد الريع (منح امتيازات لصالح فئة من دون مراعاة أي اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة)، لكن ما لوحظ في السنوات الأخيرة، هو ذلك الفرق الكبير بين الكميات المسموح باستخراجها من المقالع والاستهلاك.
وحسب الرأي الاستشاري الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يصل الإنتاج الإجمالي للمقالع في المغرب إلى 120 مليون متر مكعب في العام، حيث يتشكل أساسا من الجرافيت والرمل والرخام والصين، غير أن ما تجلى خلال المعرض الدولي للمعادن والمقالع الذي شهدته الدار البيضاء قبل أكثر من ثمانية أشهر، هو أن ثمة فرقا شاسعا بين الكميات المسموح بها وتلك المستهلكة.
وحول سبب تلك الفجوة، يردها بعض الخبراء إلى ضعف المراقبة التي تمارسها وزارة التجهيز الوصية على القطاع، على اعتبار أنها تنجز كل ثلاثة أو ستة أشهر، وفي هذا الإطار تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 20% من الكميات غير المعروفة المصدر تأتي من القطاع غير الرسمي.
ويؤكد تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الدولة تخسر جراء القطاع غير الرسمي في المقالع ما يناهز 564 مليون دولار من المداخيل الجبائية (الضريبية)، علماً أن التقرير يشير إلى الرسم الذي فرضته الدولة على الرمال في موازنة 2013، وسع من نشاط القطاع غير الرسمي.
ويفضح هذا الوضع انفلات جزء من القطاع الرسمي والقطاع غير الرسمي من مراقبة وزارة التجهير، ما يبرر القانون الذي بلورته من أجل إضفاء نوع من الشفافية على القطاع الذي تشير
الإحصائيات إلى أنه ضم إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2013 حوالي 2013 مقلعا توفر 20 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
قانون وهواجس
وفي سنة 2010، شكلت لجنة وطنية لإعداد مشروع قانون حول المقالع، الذي أدخلت عليه وزارة التجهيز بعض التعديلات، واهتم المشروع بالتدبير الاستراتيجي لقطاع المقالع، عبر التشديد على وضع مخططات جهوية لتدبير المقالع، والتأكيد على التتبع الشامل لعملية استغلال المقالع وأخذ المخاطر الاجتماعية والبيئة بعين الاعتبار، عبر إلزام المستثمرين بإنجاز دراسة حول التأثيرات البيئية، ومنع إقامة مقالع في بعض المناطق و فرض وضع كفالة مصرفية لضمان إعادة تهيئة المقالع بعد الانتهاء من الاستغلال. بالإضافة إلى تشديد الغرامات والعقوبات على مخالفي القانون.
ونبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى أن ثمة غموضا في مشروع القانون حول النواحي التنظيمية التي يفترض أن تفسر طرق ترجمته على أرض الواقع، وهذه الملاحظة وجدت صدى لدى رئيس فيدرالية البناء والأشغال العمومية بالمغرب، بوشعيب بنحميدة، الذي يؤكد أن التأخر في إصدار النصوص التنظيمية من شأنه أن يفضي إلى تعطيل بعض المشاريع، علما أن المجلس لاحظ عدم وضوح العديد من الإجراءات في مشروع القانون، إذ لا يعرف مثلا مضمون دفتر التحملات الذي سيلتزم به المستثمر.
وتجلى للمجلس أن ثلث المقالع في المغرب مملوكة لأفراد، ما يطرح التساؤل حول قدرتهم على الاستجابة للشروط التي يضعها مشروع القانون، حيث تساءل عضو اللجنة التي وضعت التقرير، منصف الزياني، حول مدى قدرة بعض الأفراد على إنجاز دراسات حول التأثيرات البيئية للمقالع، علما أن يتوجب عليهم تكليف مكاتب دراسات معتمدة بذلك. بالإضافة إلى سعي المجلس إلى توضيح طرق منح رخص الاستغلال ووسائل المراقبة والعقوبات، مع ضمان حق مستغلي المقالع في تقديم الطعون.
لكن ما اتضح أكثر حين مناقشة توصيات المجلس، هو ذلك التطلع، إلى إرفاق قانون المقالع، باستراتيجية واضحة تفضي إلى عدم الاكتفاء بالاستخراج والسعي إلى تحويل مواد المقالع، بما يسمح بتحقيق قيمة مضافة مجزية، حيث يلاحظ منصف الزياني عضو المجلس، أن المغرب يستورد، من حيث القيمة، عشرة أضعاف ما يصدره من منتجات المقالع.
حماية وحقوق
وكانت توصيات المجلس واضحة في تشديدها على ضرورة منع بعض أنواع استغلال رمال
الساحل، لكنها واضحة في الدعوة إلى المطالبة بمنع استغلال رمال الكثبان من أجل حماية الساحل والوقاية من الكوارث الطبيعية، حيث يمكن الاستعاضة عن ذلك بتشجيع استغلال الرمال المسحوقة المستخرجة من الجرف ومن الحصى المسحوق.
وبينما شدّد تقرير المجلس على تعزيز إلزامية احترام قانون العمل وحماية العمال، عبر النص على مقتضيات تضمن حقوق العمال المنحدرين، في الغالب، من المناطق التي تحتضن، وتوفير شروط لائقة للعمل، من قبيل التنصيص على عقوبات ضد المساس بسلامة العمال، غير أن عبد الصمد مريمي، عضو المجلس، شدد على ضرورة، الإلحاح على تأمين العاملين ضد حوادث الشغل، بينما أكد عضو آخر التفكير في إيجاد بدائل للعاملين بعد نهاية مدة استغلال المقلع التي يحددها القانون في 15 عاما، حيث لا يمكن تجاوز تلك المدة إلا في حال إنجاز استثمار في حدود 5.6 ملايين دولار.
وتذهب 90%من المداخيل الجبائية من المقالع إلى الجماعات المحلية المنتخبة، غير أن عضو اللجنة التي أعدت التقرير، منصف الزياني، نبه إلى وجود آلية لتتبع تصاريح المستغلين والمشترين، بما يتيح التعرف إلى الكميات المستخرجة، وهو ما يعتبره مؤشرا على إرساء الشفافية.