كثيرة هي الأعمال الفنية في تونس بعد يناير/كانون الثاني 2011، التي تتحدث عن التعذيب والقمع اللذين سلطا على جزء من الشعب التونسي لأسباب فكرية وسياسية بالأساس، لكن "تيماء" جاء مختلفاً.
و"تيماء"، فيلم قصير للمخرج السينمائي والفنان التشكيلي التونسي منجي الفرحاني، ويستعرض صوراً بشعة في إطار مضحك، صور ثمة ما يشبهها في غير أرض عربية وأجنبية.
ينطلق الفيلم باحتفال "تيماء" بعيد ميلادها وعلى هامش الاحتفال، جلسة مقهى بين 6 شخصيات مختلفة تعكس المجتمع التونسي بتنوعه وتسرد كل شخصية حادثة من أحداث الظلم والتعذيب.
حكايات عذاب واستبداد حوّلها الفرحاني من خلال "تيماء" إلى حديث مقاه وروايات ضاحكة. لكن خلف تلك الضحكات يُخيّل إليك في كل لحظة أنك أمام أحاسيس مكتومة وذوات مضطربة. أما مخرج العمل فيعتبرها "كوميديا سوداء سعى من خلالها لكسر المألوف والمتداول وجمع الهزيمة بالنصر في آن".
و"تيماء" فتاة صغيرة احتفلت في أولى لقطات الفيلم بعيد ميلادها الرابع، تُذكر إذاً بالثورة التونسية التي أطفأت شمعتها الرابعة منذ نحو شهرين. تغيب تيماء في أحاديث المقهى وتعود بين قصة وأخرى. نشاهدها تحاول تركيب لعبتها فتفشل أو تنجح، تكتشف الحياة وتختبرها وتذكرنا في ذلك بمسار الحراك الثوري الذي عرفته البلاد.
يقول منجي الفرحاني لـ"العربي الجديد": "الفيلم رد فعل على مادة تلفزيونية في قناة تونسية خاصة، تم خلالها استضافة شرطي تحدث عن التعذيب الذي كان يمارسه وبدا مفتخراً بما قام به. قررت أن أرد، ورد فعل الفنان يكون عبر الفن" على حد قوله.
في "تيماء" تتماهى الشخصيات في حكاياتها وأيضاً في أدوارها، فكل الأدوار بالأهمية نفسها تقريباً، وللجميع المساحة الزمنية نفسها. يروون قصص معاناة وتعذيب وقمع وظلم تُختتم بضحكة مصطنعة.
طريقة لم يستسغها بعض النقاد السينمائيين واعتبروا أن فيها شيئاً من التكلف لكنها راقت لمن رأى في "تيماء" انتصاراً لضحايا الاستبداد بتلك الضحكات الساخرة من الجلاد.
"في فيلم تيماء لم يحل الجلاد في روح الضحايا، وإنما سخروا منه وبعثوا رسالة أن من يناضلون ويعذبون يبشرون بمجتمع جديد ولا يشيدون مجتمعاً حاقداً على الطريقة الداعشية" هكذا يعلق الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية الأمين البوعزيزي بعد مشاهدته الفيلم.
تمر الدقائق الاثنتا عشرة وينتهي الفيلم القصير بأن تتحول الضحكة المتصنعة التي تختم كل أحاديث المقهى إلى صرخة مدوية امتزجت بالضحك في آن، وترك المخرج للمشاهدين حرية تأويلها.
وتنوعت أساليب التعبير عن رفض تعذيب وقمع الناشطين الحقوقيين والسياسيين في تونس، انطلاقاً من أغاني الراب إلى فن "الغرافيتي"، وصولاً إلى الكاريكاتور، إلا أن التجارب السينمائية التي تتعرض لهذه الموضوعات ما تزال قليلة رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة.
ويفسر الفرحاني ذلك بأن"جزءاً مهماً من الفاعلين في القطاع السينمائي في تونس لم يؤمنوا بالثورة وأكثرهم لم يتوقعها وهناك من يشكك فيها لذلك سيبقى المشهد السينمائي التونسي إجمالاً بعيداً عن هموم الشعب وأحلامه".
ومنجي الفرحاني، مخرج تونسي درس المسرح والسينما في أوروبا، حيث قدّم معارض تشكيلية وأفلاماً وثائقية وروائية ركز خلالها على معاناة العرب والمسلمين في المهجر قبل أن يعود إلى تونس بعد الثورة، لينخرط في تجارب فنية يتحدث عنها لـ"العربي الجديد" قائلاً: "ما يهمني محاكاة هموم الشعوب. خلال فترة إقامتي في أوروبا اهتممت بقضايا العرب والمسلمين في المهجر وتوجت ذلك بفيلم "رسالة إلى أبي" الذي أنجزته بين سنتي 2009 و2010 وتعرض للعنصرية ضد العرب والاسلاموفوبيا".
عند عودته إلى تونس، صوّر الفرحاني "شرارة"، وهو شريط وثائقي تجول فيه من شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية إلى سيدي بوزيد، ويقول إنه اعتراف بالجميل تجاه الشعب التونسي.
بعض المشاهدين للعرض الرسمي الأول للفيلم قالوا لـ"العربي الجديد" إن "تيماء" روى بطريقة مبتكرة ومفاجئة حكايات التعذيب، بطريقة يرونها "صادمة لكنها مفيدة لمستقبل تونس" حسب رأيهم.
رفيقة عزيزي، إحدى الممثلات في الفيلم، أكدت لـ"العربي الجديد" أهمية "فضح" ظاهرة التعذيب وقمع الحريات حتى لا تتكرر في قادم الأيام، حسب تعبيرها، لكن بعض المشاهدين اعتبروا أن الفيلم القصير "تيماء" تعرض للظاهرة دون تعمق.
وصورت لقطات الفيلم في يوم واحد ومكان واحد وبإمكانيات مادية بسيطة حسب مخرج العمل.
ويتجه السينمائيون في تونس خاصة الشباب إلى الأفلام القصيرة لما يتطلبه الفيلم الطويل من إمكانيات مادية كبيرة، كما يرجح البعض أن المستقبل السينمائي سيكون للفيلم القصير لما يتميز به من قدرة على إشباع فكرة واسعة في دقائق معدودة وهو بذلك يساير وتيرة عصره.