20 أكتوبر 2024
في أسباب أزمات لبنان المستعصية
كان ينقص اللبنانيين أن يستيقظوا صباح يوم الثلاثاء على وقع الأخبار الإسرائيلية عن البدء بعملية "درع الشمال"، للكشف عن أنفاق يدّعي الجيش الإسرائيلي أن حزب الله حفرها بالقرب من السياج الحدودي، وتتسلل إلى "أراضيه"، فالشعور بالخوف من التهديد الإسرائيلي الجديد جاء ليفاقم من معاناة اللبنانيين لأزمات سياسية تبدو مستعصية على الحل، وأزمة اقتصادية تكاد تودي بالبلد الى شفير الهاوية.
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي الأمني، بعد أيام فقط على محنة كادت أن تُدخل لبنان في دورة عنف مجنونة، تسبب بها رفض وزير لبناني سابق، ينتمي إلى المعسكر السياسي لحزب الله، الانصياع لأوامر الأجهزة القضائية استدعاءه للتحقيق معه، بسبب إساءات وشتائم وجهها إلى رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، الذي لم يفلح بعد مرور نحو سبعة أشهر في تشكيل حكومته، بسبب إصرار حزب الله على تمثيل النواب السنّة الذين ينتمون إلى معسكره في الحكومة.
يبدو لبنان حالياً واقعاً من جديد بين فكيّ كماشة، هناك من جهة إسرائيل التي بحسب، مؤشرات كثيرة، تنوي نقل ثقل حربها على الوجود العسكري الإيراني من سورية إلى لبنان. وهناك، من جهة أخرى، حزب الله الذي يحاول فرض قواعد جديدة على اللعبة السياسية اللبنانية، مستغلاً نتائج الانتخابات البرلمانية أخيرا التي كانت لصالحه، كي يُحدث توازناتٍ جديدةً تقوي حلفاءه من الطوائف الأخرى بشكل خاص داخل الطائفتين، السنية والدرزية، على حساب القوة السنّية التقليدية التي يمثلها سعد الحريري، عبر تيار "المستقبل" المدعوم من السعودية، ومن الدول الغربية، وعلى حساب الزعامة الدرزية التي يمثلها وليد جنبلاط الذي يشكل قوة سياسية مستقلة، خارج نفوذ حزب لله، وسط الدروز. حتى الآن، يدير حزب الله الصراع مع خصومه السياسيين بحنكةٍ وذكاء، يتقدّم ويتراجع، يهدّد ويهادن، لكنه من دون أن يتخلى أنملةً عن تحقيق هدفه الأساسي، إعادة رسم خريطة القوى السياسية في لبنان، بصورة تتطابق مع مصالحه، ومع مصالح راعيه الإقليمي إيران.
ليس جديداً على لبنان أن يكون ساحة صراعات دولية وإقليمية، لكن الصراع حالياً بين حزب الله وحلفائه المدعومين من إيران، وربما إلى حد ما من روسيا أيضاً، من جهة، ومعسكر سعد الحريري وحلفائه المدعوم من الغرب ومن الدول العربية المعتدلة السنية، من جهة أخرى، وصل إلى نفق مسدود، فأي تنازل من حزب الله عن توزير أحد النواب السنة الموالين له سيعتبر هزيمة في نظر خصومه، وأي خضوع من الحريري لمطلب الحزب سيكون بمثابة ضربة إضافية ستزيد في إضعاف زعامته السياسية.
في ظل هذا الوضع المتوتر الذي يدفع اللبنانيين إلى اليأس، بدأت إسرائيل تحركها أخيرا على الحدود. فجأة أخرج نتنياهو من قبعته وزيرا للدفاع "بعبع" أنفاق هجومية، يدّعي أن حزب الله حفرها على الحدود. وهكذا بعد سنوات من تجاهل الجيش الإسرائيلي شكاوى سكان المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان سماعهم ضجة تأتي من تحت الأرض، وتخوفهم من أن يكون حزب الله بصدد حفر أنفاق، اذا بالجيش يعبئ قواته على طول الحدود، للكشف عن هذه الأنفاق الغامضة، التي يؤكد الناطق بلسان الجيش وجودها، وأنها تشكل خرقاً خطيراً للسيادة الإسرائيلية.
هل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان مناورة اعلامية، غرضها توجيه تحذيرات قوية لحزب الله والإيرانيين في لبنان بأنهما أمام مرحلة جديدة لا تهاون فيها؟ وهل كما يزعم المسؤولون العسكريون في إسرائيل ستبقى العملية مضبوطة، ولن تنزلق إلى مواجهة عسكرية واسعة؟
يستبعدون في إسرائيل احتمال أن يأمر نتنياهو الجيش بشن عمليات هجومية ضد ما يدّعي أنها مواقع مصانع صواريخ دقيقة في لبنان في الوقت الحالي، خصوصا في ظل نشر الشرطة التحقيقات عن ملفات فساد تطاوله، وانتظار قرار المستشار القانوني للحكومة إحالة نتنياهو على المحاكمة. مثل هذه الخطوة في التوقيت الحالي سيعتبرها خصومه السياسيون محاولةً لصرف الانتباه عن تورّطه بقضايا فساد، وأنه مستعد للتضحية بحياة الجنود الإسرائيليين دفاعاً عن منصبه.
وعلى الرغم من تلميح الصحف في إسرائيل إلى أن اجتماع نتنياهو مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أخيرا، مؤشر على التحضير لعملية عسكرية إسرائيلية ضد لبنان، وأنه حمّله رسالة تحذير قوية للحكومة اللبنانية، فإن ما يجري حتى الآن هو نوع من عرض عضلاتٍ لنتنياهو بصفته وزيراً للدفاع، ومحاولة لإظهار استعداده القيام بعمليات عسكرية ضد إيران وحلفائها عندما تدعو الحاجة.
تأتي هذه التطورات أيضاً في ظل أزمة حقيقية، يمكن أن يواجهها حزب الله في لبنان، إذا صحّت التقديرات بأن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ستنعكس سلباً على ميزانياته، لا سيما في هذا الوقت بالذات مع عودة جزء من مقاتلي الحزب إلى لبنان، بعد انتهاء الحرب الأهلية في سورية، واعادة انتشارهم في الأراضي اللبنانية.
كيف سيدير حزب الله معركته الداخلية في لبنان ضد خصومه السياسيين، في ظل التهديدات الإسرائيلية أخيرا؟ عادة كان الحزب يسعى إلى إيجاد إجماع لبناني حوله في كل مرة تهدّد إسرائيل لبنان، ويصور نفسه "درعا" للبنان الذي يحمي البلد من إسرائيل. لكن في الوقت الذي يضع الحزب "درعه" هذا في خدمة حلفائه من اللبنانيين ضد فئة أخرى منهم، في معسكر خصومه السياسيين، أصبحت حقيقة "الدرع" الحامي للسلامة لبنان موضع تساؤل.
يبدو لبنان حالياً واقعاً من جديد بين فكيّ كماشة، هناك من جهة إسرائيل التي بحسب، مؤشرات كثيرة، تنوي نقل ثقل حربها على الوجود العسكري الإيراني من سورية إلى لبنان. وهناك، من جهة أخرى، حزب الله الذي يحاول فرض قواعد جديدة على اللعبة السياسية اللبنانية، مستغلاً نتائج الانتخابات البرلمانية أخيرا التي كانت لصالحه، كي يُحدث توازناتٍ جديدةً تقوي حلفاءه من الطوائف الأخرى بشكل خاص داخل الطائفتين، السنية والدرزية، على حساب القوة السنّية التقليدية التي يمثلها سعد الحريري، عبر تيار "المستقبل" المدعوم من السعودية، ومن الدول الغربية، وعلى حساب الزعامة الدرزية التي يمثلها وليد جنبلاط الذي يشكل قوة سياسية مستقلة، خارج نفوذ حزب لله، وسط الدروز. حتى الآن، يدير حزب الله الصراع مع خصومه السياسيين بحنكةٍ وذكاء، يتقدّم ويتراجع، يهدّد ويهادن، لكنه من دون أن يتخلى أنملةً عن تحقيق هدفه الأساسي، إعادة رسم خريطة القوى السياسية في لبنان، بصورة تتطابق مع مصالحه، ومع مصالح راعيه الإقليمي إيران.
ليس جديداً على لبنان أن يكون ساحة صراعات دولية وإقليمية، لكن الصراع حالياً بين حزب الله وحلفائه المدعومين من إيران، وربما إلى حد ما من روسيا أيضاً، من جهة، ومعسكر سعد الحريري وحلفائه المدعوم من الغرب ومن الدول العربية المعتدلة السنية، من جهة أخرى، وصل إلى نفق مسدود، فأي تنازل من حزب الله عن توزير أحد النواب السنة الموالين له سيعتبر هزيمة في نظر خصومه، وأي خضوع من الحريري لمطلب الحزب سيكون بمثابة ضربة إضافية ستزيد في إضعاف زعامته السياسية.
في ظل هذا الوضع المتوتر الذي يدفع اللبنانيين إلى اليأس، بدأت إسرائيل تحركها أخيرا على الحدود. فجأة أخرج نتنياهو من قبعته وزيرا للدفاع "بعبع" أنفاق هجومية، يدّعي أن حزب الله حفرها على الحدود. وهكذا بعد سنوات من تجاهل الجيش الإسرائيلي شكاوى سكان المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان سماعهم ضجة تأتي من تحت الأرض، وتخوفهم من أن يكون حزب الله بصدد حفر أنفاق، اذا بالجيش يعبئ قواته على طول الحدود، للكشف عن هذه الأنفاق الغامضة، التي يؤكد الناطق بلسان الجيش وجودها، وأنها تشكل خرقاً خطيراً للسيادة الإسرائيلية.
هل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان مناورة اعلامية، غرضها توجيه تحذيرات قوية لحزب الله والإيرانيين في لبنان بأنهما أمام مرحلة جديدة لا تهاون فيها؟ وهل كما يزعم المسؤولون العسكريون في إسرائيل ستبقى العملية مضبوطة، ولن تنزلق إلى مواجهة عسكرية واسعة؟
يستبعدون في إسرائيل احتمال أن يأمر نتنياهو الجيش بشن عمليات هجومية ضد ما يدّعي أنها مواقع مصانع صواريخ دقيقة في لبنان في الوقت الحالي، خصوصا في ظل نشر الشرطة التحقيقات عن ملفات فساد تطاوله، وانتظار قرار المستشار القانوني للحكومة إحالة نتنياهو على المحاكمة. مثل هذه الخطوة في التوقيت الحالي سيعتبرها خصومه السياسيون محاولةً لصرف الانتباه عن تورّطه بقضايا فساد، وأنه مستعد للتضحية بحياة الجنود الإسرائيليين دفاعاً عن منصبه.
وعلى الرغم من تلميح الصحف في إسرائيل إلى أن اجتماع نتنياهو مع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أخيرا، مؤشر على التحضير لعملية عسكرية إسرائيلية ضد لبنان، وأنه حمّله رسالة تحذير قوية للحكومة اللبنانية، فإن ما يجري حتى الآن هو نوع من عرض عضلاتٍ لنتنياهو بصفته وزيراً للدفاع، ومحاولة لإظهار استعداده القيام بعمليات عسكرية ضد إيران وحلفائها عندما تدعو الحاجة.
تأتي هذه التطورات أيضاً في ظل أزمة حقيقية، يمكن أن يواجهها حزب الله في لبنان، إذا صحّت التقديرات بأن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ستنعكس سلباً على ميزانياته، لا سيما في هذا الوقت بالذات مع عودة جزء من مقاتلي الحزب إلى لبنان، بعد انتهاء الحرب الأهلية في سورية، واعادة انتشارهم في الأراضي اللبنانية.
كيف سيدير حزب الله معركته الداخلية في لبنان ضد خصومه السياسيين، في ظل التهديدات الإسرائيلية أخيرا؟ عادة كان الحزب يسعى إلى إيجاد إجماع لبناني حوله في كل مرة تهدّد إسرائيل لبنان، ويصور نفسه "درعا" للبنان الذي يحمي البلد من إسرائيل. لكن في الوقت الذي يضع الحزب "درعه" هذا في خدمة حلفائه من اللبنانيين ضد فئة أخرى منهم، في معسكر خصومه السياسيين، أصبحت حقيقة "الدرع" الحامي للسلامة لبنان موضع تساؤل.
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024