09 نوفمبر 2024
في التعاطف العربي مع قطر
عكست بطولة أمم آسيا لكرة القدم التي ظفر المنتخب القطري بلقبها قبل أيام، للمرة الأولى في تاريخه، مقدار التعاطف الشعبي العربي الهائل مع دولة قطر، والذي لا ينبع من أنها دولة عربية وحسب، بل من خصوصيةٍ استثنائيةٍ تحوزها في وجدانهم حالياً.
وإذا كان هذا التعاطف تجلّى بوضوح في تشجيع قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعوب العربية الفريق القطري، فإنه من غير الممكن إغماض العين عن ارتباط ذلك التعاطف بتداعيات الأزمة الخليجية المندلعة منذ نحو سنتين، خصوصا أن "التعاطف" تبدّى، في أوضح تعبيراته، خلال الأدوار النهائية للبطولة، والتي خاض منتخب قطر بعض مبارياتها مع فريقي دولتين من أطراف في الأزمة، من دون أن يعني ذلك طبعاً أن المتعاطفين مع قطر راضون بوقوع الأزمة من أساسها، أو أنهم لا ينظرون إلى الدول العربية الأخرى الأطراف في الأزمة أنها عزيزة هي الأخرى.
قد لا يبدو كافياً القول إن استشعار الشعوب العربية وقوع ظلمٍ على دولة قطر، نتيجة الأزمة الخليجية، هو التفسير الوحيد لهذا التعاطف الشعبي الكبير، فهذا المقدار من التعاطف لا بد أنه ينطوي على تقديرٍ لقطر، يبغي رد جميل ما قامت به، وجعل صورتها زاهيةً إلى هذا الحد. ويمكن في هذا الصدد مراجعة تاريخ قطر ومواقفها في السنوات الأخيرة لاستكشاف منابع هذا
التقدير، أو استعادة أطروحات "القوة الناعمة"، لتفحص مكامن النجاح (التي يفتقدها الآخرون) بين قطر والوجدان الشعبي العربي. (القوة الناعمة، بحسب ويكيبيديا، مفهوم لوصف القدرة على الجذب والإقناع من دون استخدام للإكراه).
منذ تأسيس الدولة العربية المعاصرة، منتصف القرن العشرين، ارتهن انحياز الوجدان الشعبي العربي لدولةٍ أو لزعيمٍ أو حتى لتنظيم، بمدى اقترابهم من صورة البطل الذي يتصدّى للأعداء ويقارعهم. هكذا كان الحال، على سبيل المثال، مع جمال عبد الناصر، وصدام حسين، وحسن نصرالله، اتفقنا معهم أو اختلفنا، كذلك مع الجزائر وثورتها ضد الاستعمار الفرنسي، والمقاومة الفلسطينية، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي ضد أنظمة الاستبداد. هنا يبدو غريباً أن تظفر قطر بانحياز شعبي عربي مشابه، من دون أن تقود حرباً معلنة ضد "الأعداء"، فما القصة إذن؟
تبدو الإجابة قابلةً للتكثيف في كلمة واحدة: "الجزيرة"! لقد تمكّنت هذه القناة التلفزيونية من حفر اسم قطر في الوجدان الشعبي العربي، بمثل الطريقة التي يوردها إعلان كانت تبثه القناة عن قطرة ماء تكسر الصخر مع الزمن. فـ"الجزيرة" أظهرت قطر بصورة الدولة المنحازة لقضايا الأمة، الساعية إلى توعية شعوبها والانحياز إلى جانبها في مواجهة الاحتلال والاستبداد والفساد، وهكذا يكون طبيعياً أن تنحاز الشعوب إلى صفّ من ينحاز إليها.
يجدر هنا التفريق بين نوعين من التعاطف، لقيهما الفريق القطري في بطولة كأس آسيا: كان ثمّة تعاطف متوازن، يقول لسان حال صاحبه "أنا مع قطر"، وتعاطف آخر موغل في أساليب النكاية، يقول لسان حال صاحبه "أنا ضد خصوم قطر". وأحسب أن مردّ النوع الأول ذلك الانحياز لقطر، نتيجة قوتها الناعمة المتمثلة أساساً بقناة الجزيرة، من دون وجود مصالح مباشرة معها. أما النوع الثاني، البائس، فمرده الإفادة من خصومة قطر أطرافا هي أيضاً خصوم للقائلين به. ومن موقع مراقب، يمكنني القول إنني لاحظت الإيغال في النكاية، في كتابات "الإخوان المسلمين" على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لم تكن كتاباتٍ لتهنئة قطر بقدر ما هي للشماتة بخصوم قطر في الأزمة الخليجية، الذين هم خصوم لـ "الإخوان" قبل أن يكونوا خصوماً لقطر.
على أي حال، من الواجب أن يُستعاد، في هذه المناسبة، القول إن ليس ثمّة عاقل يسعده استمرار الأزمة بين الدول العربية في الخليج، ولا وقوع أي افتراق سياسي من أي نوع في العالم العربي، في وقتٍ يبدو العرب في أمسّ الحاجة للتقارب، والعمل الجاد للخروج من هامشيتهم التاريخية التي تتكرّس عاماً بعد عام، نتيجة عدم توفرهم على خطة عمل جماعية، قوامها استغلال مواردهم البشرية والمادية، لتحقيق قفزاتٍ حضاريةً يستفيدون منها جميعاً، ولا تتوقف خسائر غيابها عند دولةٍ بعينها، أو طرفٍ بذاته.
قد لا يبدو كافياً القول إن استشعار الشعوب العربية وقوع ظلمٍ على دولة قطر، نتيجة الأزمة الخليجية، هو التفسير الوحيد لهذا التعاطف الشعبي الكبير، فهذا المقدار من التعاطف لا بد أنه ينطوي على تقديرٍ لقطر، يبغي رد جميل ما قامت به، وجعل صورتها زاهيةً إلى هذا الحد. ويمكن في هذا الصدد مراجعة تاريخ قطر ومواقفها في السنوات الأخيرة لاستكشاف منابع هذا
منذ تأسيس الدولة العربية المعاصرة، منتصف القرن العشرين، ارتهن انحياز الوجدان الشعبي العربي لدولةٍ أو لزعيمٍ أو حتى لتنظيم، بمدى اقترابهم من صورة البطل الذي يتصدّى للأعداء ويقارعهم. هكذا كان الحال، على سبيل المثال، مع جمال عبد الناصر، وصدام حسين، وحسن نصرالله، اتفقنا معهم أو اختلفنا، كذلك مع الجزائر وثورتها ضد الاستعمار الفرنسي، والمقاومة الفلسطينية، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي ضد أنظمة الاستبداد. هنا يبدو غريباً أن تظفر قطر بانحياز شعبي عربي مشابه، من دون أن تقود حرباً معلنة ضد "الأعداء"، فما القصة إذن؟
تبدو الإجابة قابلةً للتكثيف في كلمة واحدة: "الجزيرة"! لقد تمكّنت هذه القناة التلفزيونية من حفر اسم قطر في الوجدان الشعبي العربي، بمثل الطريقة التي يوردها إعلان كانت تبثه القناة عن قطرة ماء تكسر الصخر مع الزمن. فـ"الجزيرة" أظهرت قطر بصورة الدولة المنحازة لقضايا الأمة، الساعية إلى توعية شعوبها والانحياز إلى جانبها في مواجهة الاحتلال والاستبداد والفساد، وهكذا يكون طبيعياً أن تنحاز الشعوب إلى صفّ من ينحاز إليها.
يجدر هنا التفريق بين نوعين من التعاطف، لقيهما الفريق القطري في بطولة كأس آسيا: كان ثمّة تعاطف متوازن، يقول لسان حال صاحبه "أنا مع قطر"، وتعاطف آخر موغل في أساليب النكاية، يقول لسان حال صاحبه "أنا ضد خصوم قطر". وأحسب أن مردّ النوع الأول ذلك الانحياز لقطر، نتيجة قوتها الناعمة المتمثلة أساساً بقناة الجزيرة، من دون وجود مصالح مباشرة معها. أما النوع الثاني، البائس، فمرده الإفادة من خصومة قطر أطرافا هي أيضاً خصوم للقائلين به. ومن موقع مراقب، يمكنني القول إنني لاحظت الإيغال في النكاية، في كتابات "الإخوان المسلمين" على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لم تكن كتاباتٍ لتهنئة قطر بقدر ما هي للشماتة بخصوم قطر في الأزمة الخليجية، الذين هم خصوم لـ "الإخوان" قبل أن يكونوا خصوماً لقطر.
على أي حال، من الواجب أن يُستعاد، في هذه المناسبة، القول إن ليس ثمّة عاقل يسعده استمرار الأزمة بين الدول العربية في الخليج، ولا وقوع أي افتراق سياسي من أي نوع في العالم العربي، في وقتٍ يبدو العرب في أمسّ الحاجة للتقارب، والعمل الجاد للخروج من هامشيتهم التاريخية التي تتكرّس عاماً بعد عام، نتيجة عدم توفرهم على خطة عمل جماعية، قوامها استغلال مواردهم البشرية والمادية، لتحقيق قفزاتٍ حضاريةً يستفيدون منها جميعاً، ولا تتوقف خسائر غيابها عند دولةٍ بعينها، أو طرفٍ بذاته.