مع استمرار الاحتجاجات الشعبية البيلاروسية (روسيا البيضاء)، على إعلان فوز ألكسندر لوكاشينكو بالرئاسة مرة جديدة، لم يسلم الصحافيون المحليون والأجانب بشكل خاص من قمع قوات الأمن التي تصر على تطبيق سياسة تعتيم إعلامي تام على حركة الشارع المحتج.
ومنذ لحظة إعلان وسائل إعلام لوكاشينكو فوزه بنسبة 80 في المائة، وهو الممسك في السلطة منذ 25 سنة، جرى على طريقة الأنظمة الاستبدادية إغلاق شبكة الإنترنت، وإبطاء موقع "تويتر" وخنقه، واستهداف الناشطين الشباب باعتقالهم وبالرصاص، وإظهارهم على التلفزيون الرسمي كمجرمين و"عملاء للخارج".
ومنذ الأحد الماضي، وسّعت أجهزة الأمن البيلاروسية استهدافها للمراسلين الأجانب، حيث تعرض مصور صحيفة "بيرلنغسكا" الدنماركية، أسكر لادافود، للضرب والركل، غير آبهة بارتداء سترة "صحافة". وجرى تسجيل عملية الاعتداء على لادافود عبر شريط فيديو انتشر منذ الأربعاء في معظم وسائل الإعلام الدنماركية، وصحيفته "بيرلنغكسا" التي عنونت افتتاحيتها الخميس عن هذا القمع بـ"ديكتاتور أوروبا الأخير". ويظهر في الشريط مجموعة من رجال الأمن الذين أحاطوا به ولكمه أحدهم قبل أن يركله آخر بعد احتجاز بطاقة ذاكرة الكاميرا التي كان يصور فيها الاحتجاجات في مينسك.
ولم ترغب الشرطة أن يخرج إلى العالم عملية القمع التي قتل فيها شخص في العاصمة مينسك، وتقاطر الصحافيين إلى الساحة التي وضع فيها المحتجون زهوراً في مكان مقتل المتظاهر البيلاروسي.
وأشارت "بيرلنغسكا" الدنماركية إلى أن مراسلها حصل على موافقة رسمية للعمل في بيلاروسيا أثناء تغطية الانتخابات "ورغم ذلك لم تحمه الموافقة من الاعتداء الذي يستهدف تعتيم الصورة على ما يجري". وسجل الصحافي لادافود بنفسه ما جرى معه على حسابه على "تويتر"، بعد أن شاهد نفسه يلكم ويركل "حدث ذلك أمس، لكمة على الرأس وركلة في الظهر وحجز لبطاقة ذاكرة الكاميرا، هذا الذي يجري في بيلاروسيا جنون، ولحسن الحظ عاد الإنتنرت إلى العمل مجددا". وأضافت الصحيفة أن الشرطة استهدفت في البداية الكاميرا "لتحطيمها وحين عجزت بدأت بالاعتداء الجسدي على مصورنا ولم يتركوه حتى سلمهم كرت الذاكرة".
ويتهم صحافيون وناشطون في المعارضة البيلاروسية الرئيس لوكاشينكو بتزوير نتائج انتخابات الأحد الماضي، ويطالب هؤلاء مع توسع الاحتجاجات نحو المعامل بحسب ما تظهر مقاطع مصورة، بإعادة الانتخابات. فقد أظهر شريط فيديو في مصنع بيلاروسي كيف صرخ رجل، بعد إعلان المدير عن فوز لوكاشينكو، بأن يقف زملاؤه الذين صوتوا للمنافسة سفيتلانا تسيكانوفسكايا فما كان إلا أن وقف جميع العمال، كمؤشر على أن الفوز المعلن بزعم المعارضة ليس سوى تزويراً للنتائج.
وليس فقط الصحافي الدنماركي من تعرض للعنف من قبل شرطة لوكاشينكو، فقد أظهر شريط آخر تعرض مراسل "بي بي سي" للركل والهجوم عليه وسط الشارع وأمام الناس، رغم ارتداءه سترة "صحافة" أيضاً . كما اعتقل الصحافي في الصحيفة الروسية الرقمية "زناك.كوم"، نيكيتا تيليشنكو، لمدة 16 ساعة ليلة 10 أغسطس/آب الحالي. واختفى قسرياً الصحافي الروسي في صحيفة "ميدوزا" اللاتفية الرقمية، مكسيم سولوبوف، لمدة 40 ساعة، بعد اعتقاله في 9 أغسطس/آب. ولم يُفرج عن سولوبوف إلا بعد احتجاج عام وتدخل السفارة الروسية، وقد بدت عليها كدمات عند خروجه.
وقد أكدت "منظمة العفو الدولية" في بيان لها، الخميس، أنها جمعت شهادات "مروعة" من المتظاهرين في بيلاروسيا الذين وصفوا تعرضهم للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة في مراكز الاعتقال، بما في ذلك التجريد من ملابسهم، والضرب، والتهديد بالاغتصاب. ودعت سلطات بيلاروسيا إلى "الكف فوراً عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي يتعرض لها المحتجزون، والإفراج عن كل شخص اعتقل تعسفياً، ومنح المراقبين المستقلين حق الوصول الفوري والكامل ومن دون عوائق إلى جميع مرافق الاحتجاز، وتقديم جميع المتورطين أو المتواطئين في انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة".
ويأتي استهداف الصحافة والمدونين والناشطين في بيلاروسيا على خلفية نشر الرئيس ألكسندر لوكاشينكو لنظرية المؤامرة بين مؤيديه وعلى وسائل الإعلام الرسمية. إذ يشيع هؤلاء أن "قوى أجنبية تقف خلف التظاهرات المحتجة". وتشير بعض الصحف الأوروبية، وبالأخص الاسكندينافية إلى أن الهدف من بث نظرية المؤامرة "لا شك أنه جاء من محاولة السلطات التعتيم وإجبار الناس بالتخويف على عدم الخروج إلى الاحتجاجات"، وفقا على الأقل لما ذهبت إليه "بيرلنغسكا" و"بوليتيكن"، وغيرها ممن لم تتردد بتغطية أحداث بيلاروسيا على أنها ثورة شعبية ضد استمرار "الدكتاتور الأخير في السلطة، رغم إعلانه أن 80 في المائة صوتوا له".
وتخشى سلطات مينسك من ارتخاء قبضتها الأمنية بوجود صحافة عالمية ومحلية تنقل ما يجري في البلد، وتقوم بوضع حواجز لمنع وعرقلة وصول الصحافيين إلى الساحات والشوارع التي يتجمع فيها المحتجون، ووفقا لصحافيين في مينسك فإن الاعتداء يطاول أيضا "الصحافيين المواطنين" الذين يستخدمون هواتفهم النقالة "للحفاظ على التعتيم الإعلامي".
ومن المعلوم أن زعيمة المعارضة التي نافست لوكاشينكو في انتخابات الأحد الماضي، سفيتلانا تسيكانوفسكايا فرت إلى دولة ليتوانيا (البلطيق)، بعد أن قطعت السلطات شبكة الإنترنت خوفاً من تنسيق المعارضة لفعالياتها. وتواصل السلطات قمع الصور والأشرطة خوفاً من اتساع نطاق الاحتجاجات.