16 فبراير 2021
في تداعي منظومات خليجية وإقليمية ودولية
تمثل أزمة إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس محطة فاصلة على صعيد مؤسسات العمل العربي المشترك، بجناحيه جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. ومع التداعي الكبير الذي يطاول المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية، تهدمت تلك المؤسسات العربية. وجاء اجتماع القمة لمجلس التعاون الخليجي في الكويت، أخيراً، إعلاناً عن موت هذه المؤسسة وانكشافها أمام التحدّيات التي تعصف بالخليج العربي، وسط أزمات كبرى خانقة، من مقاطعة قطر إلى حروب اليمن إلى الخلاف على خيار مواجهة الخطر الإيراني أو التفاهم مع هذا الجار اللدود.
وكان مجلس التعاون يعد أنجح نموذج في العمل العربي المشترك، بوصفه منظمة إقليمية سياسية واقتصادية عربية مكونة من ست دول أعضاء، تطل على الخليج العربي، السعودية وعُمان والإمارات والكويت وقطر والبحرين، منذ مايو/ أيار 1981. وأعلنت العربية السعودية، في قمة مجلس التعاون في الرياض في 2011، طموحها تحويل المجلس إلى اتحاد، حيث طرح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرة لتحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي بعملة واحدة وهيئة اقتصادية وتنموية واحدة، إلا أن الواقع اليوم ينذر بتداعياتٍ تعاكس تلك الرغبة، وقد تؤدي إلى انهيار هذه المؤسسة. وخرجت قمة الكويت الخليجية أخيراً، بعد أن سبقتها أجواء إيجابية لجهة مشاركة القادة الخليجيين فيها، ما كان سيفتح الأفق إلى حلحلة الخلافات، بشكل باهت، بعد التمثيل المتدني جداً من العربية السعودية والبحرين والإمارات.
وفي محاولة لرصد أسباب التفاؤل التي سبقت (القمة)، ثم الغياب الكبير عنها، يجدر رصد الهزات التي طاولت المنطقة قبيل انعقاد القمة، وفي مقدمتها عودة رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، عن استقالته بعد ضغوط دولية وإقليمية لتجنيب لبنان مآلات الصراع الإقليمي، واغتيال الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الذي كان يحمل مشروع عودة اليمن إلى حضنه العربي، حسب بيان سعودي رحّب بانشقاق صالح عن الحوثيين، غير أنه كانت لليمنيين كلمة أخرى، ما أدى إلى إخفاقٍ آخر في الملف اليمني، يضاف إلى الإخفاق في لبنان، ما عنى أن قمة الكويت جاءت في أجواء على غير ما تشتهي بعض العواصم الخليجية، فانهارت هذه القمة، ثم جاءت تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن ضرورة رفع الحصار عن اليمن، وضرورة التروي السعودي تجاه اليمن ولبنان وقطر.
في محاولة لربط ملامح تداعي البيت الخليجي مع السياق الإقليمي والدولي، تحسن الإشارة إلى أن القمم العربية المتعاقبة لم تستطع أن تؤسس لعمل عربي مشترك، بل أدت إلى انكشاف التباين في الأولويات العربية وتضاربها في أحيان كثيرة، فجامعة الدول العربية التي تأسست في 1945، بمجموع مساحة يجعلها الثانية عالمياً بعد روسيا ومجموع سكان يبلغ نحو 350 مليون إنسان هو الرابع عالمياً بعد الصين، الهند والاتحاد الأوروبي، لم تفلح في التأسيس لعمل عربي مشترك بالحد الأدنى، أو في الاستجابة لتطلعات شعوبها على المستوى القطري على أقل تقدير.
تأتي أزمة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل نتيجة لهذا الخراب الكبير على مستوى العمل العربي المشترك، منذ فشل العرب في إخراج العراق من الكويت في أغسـطس/ آب 1990، والذي دشن مسار فشل العرب في حل خلافاتهم، وفتح مسار التدخلات الغربية في المنطقة.
في السياق نفسه، أدى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ورفض دول كثيرة في الاتحاد التعاطي مع الرؤية الألمانية في موضوع اللاجئين، وتعاظم حضور اليمين الأوروبي المعادي لتجربة الاتحاد، إلى إحداث شروخ وشكوك بشأن نجاح هذه التجربة الرائدة على المستوى الدولي. كما أدت الرسائل الغاضبة والغامضة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن حلف شمال الأطلسي ومدى فعاليته، والتي حاول لاحقاً تداركها، إلى فتح باب التساؤل والنقاش بشأن متانة هذا الحلف، ووضوح أهدافه، في ظل الاختراق الروسي الكبير لأهم دول الحلف، وهي تركيا التي أعلنت نيتها نصب السلاح الروسي إس 400 على أراضيها في مقابل إعلان دول
عديدة انسحابها من قاعدة إنجيلريك التركية. وأدى الفيتو الروسي المتعاقب والمشترك بشأن الأزمة السورية إلى إصابة مجلس الأمن الدولي، بوصفه أرفع مؤسسة دولية بحالة من الإرباك والشكوك بشأن مدى فعاليتها، ليأتي القرار الأميركي في موضوع القدس ليفتح مسار تداعي المنظومة الدولية التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وفي مقابل هذا التداعي في المنظومات الدولية والإقليمية والعربية، تصعد إلى المسرح الدولي منظمات جديدة، في مقدمتها منظمة شنغهاي، والتي تفتح أفقاً أمام العملاق الصيني عبر رؤية الطريق والحزام وكذلك اتحاد الدول المستقلة (CIS)، وهي منظمة دولية أورو- آسيوية من 11 جمهورية سوفياتية سابقة.
وسط هذا التداعي الكبير لمؤسسات دولية وإقليمية تأسست إبان حقبة نظام القطبين، وتبلور ملامح نظام دولي متعدد الأقطاب، هل يجد العرب أنفسهم أمام فرصة سانحة لإنتاج مقاربات ومؤسسات جديدة، تستفيد من تجارب الماضي، وتفتح الأفق أمام الإمكانات العربية على المستويات، الاقتصادية والتجارية والسياسية؟.
وكان مجلس التعاون يعد أنجح نموذج في العمل العربي المشترك، بوصفه منظمة إقليمية سياسية واقتصادية عربية مكونة من ست دول أعضاء، تطل على الخليج العربي، السعودية وعُمان والإمارات والكويت وقطر والبحرين، منذ مايو/ أيار 1981. وأعلنت العربية السعودية، في قمة مجلس التعاون في الرياض في 2011، طموحها تحويل المجلس إلى اتحاد، حيث طرح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مبادرة لتحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي بعملة واحدة وهيئة اقتصادية وتنموية واحدة، إلا أن الواقع اليوم ينذر بتداعياتٍ تعاكس تلك الرغبة، وقد تؤدي إلى انهيار هذه المؤسسة. وخرجت قمة الكويت الخليجية أخيراً، بعد أن سبقتها أجواء إيجابية لجهة مشاركة القادة الخليجيين فيها، ما كان سيفتح الأفق إلى حلحلة الخلافات، بشكل باهت، بعد التمثيل المتدني جداً من العربية السعودية والبحرين والإمارات.
وفي محاولة لرصد أسباب التفاؤل التي سبقت (القمة)، ثم الغياب الكبير عنها، يجدر رصد الهزات التي طاولت المنطقة قبيل انعقاد القمة، وفي مقدمتها عودة رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، عن استقالته بعد ضغوط دولية وإقليمية لتجنيب لبنان مآلات الصراع الإقليمي، واغتيال الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الذي كان يحمل مشروع عودة اليمن إلى حضنه العربي، حسب بيان سعودي رحّب بانشقاق صالح عن الحوثيين، غير أنه كانت لليمنيين كلمة أخرى، ما أدى إلى إخفاقٍ آخر في الملف اليمني، يضاف إلى الإخفاق في لبنان، ما عنى أن قمة الكويت جاءت في أجواء على غير ما تشتهي بعض العواصم الخليجية، فانهارت هذه القمة، ثم جاءت تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن ضرورة رفع الحصار عن اليمن، وضرورة التروي السعودي تجاه اليمن ولبنان وقطر.
في محاولة لربط ملامح تداعي البيت الخليجي مع السياق الإقليمي والدولي، تحسن الإشارة إلى أن القمم العربية المتعاقبة لم تستطع أن تؤسس لعمل عربي مشترك، بل أدت إلى انكشاف التباين في الأولويات العربية وتضاربها في أحيان كثيرة، فجامعة الدول العربية التي تأسست في 1945، بمجموع مساحة يجعلها الثانية عالمياً بعد روسيا ومجموع سكان يبلغ نحو 350 مليون إنسان هو الرابع عالمياً بعد الصين، الهند والاتحاد الأوروبي، لم تفلح في التأسيس لعمل عربي مشترك بالحد الأدنى، أو في الاستجابة لتطلعات شعوبها على المستوى القطري على أقل تقدير.
تأتي أزمة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل نتيجة لهذا الخراب الكبير على مستوى العمل العربي المشترك، منذ فشل العرب في إخراج العراق من الكويت في أغسـطس/ آب 1990، والذي دشن مسار فشل العرب في حل خلافاتهم، وفتح مسار التدخلات الغربية في المنطقة.
في السياق نفسه، أدى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ورفض دول كثيرة في الاتحاد التعاطي مع الرؤية الألمانية في موضوع اللاجئين، وتعاظم حضور اليمين الأوروبي المعادي لتجربة الاتحاد، إلى إحداث شروخ وشكوك بشأن نجاح هذه التجربة الرائدة على المستوى الدولي. كما أدت الرسائل الغاضبة والغامضة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن حلف شمال الأطلسي ومدى فعاليته، والتي حاول لاحقاً تداركها، إلى فتح باب التساؤل والنقاش بشأن متانة هذا الحلف، ووضوح أهدافه، في ظل الاختراق الروسي الكبير لأهم دول الحلف، وهي تركيا التي أعلنت نيتها نصب السلاح الروسي إس 400 على أراضيها في مقابل إعلان دول
وفي مقابل هذا التداعي في المنظومات الدولية والإقليمية والعربية، تصعد إلى المسرح الدولي منظمات جديدة، في مقدمتها منظمة شنغهاي، والتي تفتح أفقاً أمام العملاق الصيني عبر رؤية الطريق والحزام وكذلك اتحاد الدول المستقلة (CIS)، وهي منظمة دولية أورو- آسيوية من 11 جمهورية سوفياتية سابقة.
وسط هذا التداعي الكبير لمؤسسات دولية وإقليمية تأسست إبان حقبة نظام القطبين، وتبلور ملامح نظام دولي متعدد الأقطاب، هل يجد العرب أنفسهم أمام فرصة سانحة لإنتاج مقاربات ومؤسسات جديدة، تستفيد من تجارب الماضي، وتفتح الأفق أمام الإمكانات العربية على المستويات، الاقتصادية والتجارية والسياسية؟.
مقالات أخرى
30 أكتوبر 2020
31 اغسطس 2020
13 اغسطس 2020