منذ الصغر، وأنا أعاني من تأتأةٍ شديدة في الكلام، إمّا أمطُّ فيها بعض الحروف، أو أكرُّر بعض الحروف. قرّرت أن أتجاهل التأتأة كإعاقة كلاميَّة، وألا أفكّر بتجاوزها أثناء الحديث، فهذا أمرٌ مستحيل، بل أحوّلها إلى لحظة تجميع أفكار، وصمتٍ مقصودٍ، وتحديق داخليّ بالجملة المقبلة.
قرّرت أن أستفيد من التأتأة لتحسين الكلام. أعجَب دوماً بالجملة التي أقولها بعد لحظة التأتأة. عُيِّرت بالتأتأة كثيراً في طفولتي. الخوف من الكلام والخجل من ردود الفعل، كان يجعلني أكثّف جملتي وأختصرها وأشحنها بمعانٍ كي تأتي مختصرة وسريعة وحارقة، وأحياناً أكتبها قصيرة أمامي على الدفتر، لأنّ السرد والإطالة يعنيان الوقوع الحتمي في التأتأة.
كانت التأتأة أوّل تجربة عمليّة مع استخدام اللغة. للصمت فعاليَّة رهيبة على الكلام، قرأتُ رأياً طريفاً بأنّ من "حسنات الاستبداد" في إيران، هو القمع والرقابة الشديدة المفروضة على السينما، الأمر الذي أدّى إلى ابتكار أساليب التفاف ومناورة وتأويل ومجاز لنقد الواقع السياسي والاجتماعي، وحصلنا على هذه الشحنة الشعريّة التأويلية الحساسة غير المباشرة في السينما الإيرانيَّة.
أخي الصغير يعاني من تأتأة أشدّ، تأتأة معرقلة ومثبّطة، فتراه في منتصف الحديث ينظرُ إليك، لاستحالة الإكمال، بعين حساسة رقراقة تحكي.
في مدرسة "العروبة للمتفوقين" حيث درست الشهادة الإعدادية والثانويَّة، كانت التأتأة تتضاعف في درس اللغة العربيَّة، لأني كنت أمارس اللغة العربيّة فقط في المدرسة، إذْ كانت الكرديّة لغة البيت وممنوعة في الفضاء العام.
أتقنتُ العامية العربية لاحقاً في دمشق، وبعض جملي العربية التراثية الفصيحة، في سنوات الدراسة الأولى، كانت تجعلني شخصيّة تاريخيّة خارجةً من إحدى مسلسلات نجدت أنزور.
أتذكّر مرّة في مسيرة خرجنا إليها من أجل "تجديد البَيعة" لحافظ الأسد في الطفولة، وقرّر أستاذ المدرسة أن يختارني من أجل أن أقول الشعارات بصوتٍ عال ليردّده الطلاب ورائي، تدخّلت الآنسة فوراً وقالت: "دارا عندو تأتأة ما بيقدر". وكانت هذه المرّة الأولى التي أشعر فيها بجماليّة امتلاك التأتأة.