في صناعة المعرض الافتراضي: من يعرض ومن يتلقى؟

03 اغسطس 2020
"أركيولوجيا الإشاعة"، أكرم زعتري/ لبنان
+ الخط -

تكتسب المعارض المصممة بلغات تكنولوجيا المعلومات والتي غمرت شبكات العالم الافتراضي منذ بدء أزمة كوفيد-19، أهمية متزايدة؛ فاجأ الفيروس المتاحف وأراشيف المحفوظات والمكتبات وصالات العرض والمؤسسات الثقافية في العالم، وانتبه كثير منها في عالمنا العربي على وجه الخصوص إلى أنه لم يكن مستعداً للحظة مثل هذه. تدخلت هذه الحالة في ثقافة التلقي وأدواته وفي آليات العرض وما نرى وما لا نرى من العمل الفني.

لكن ورغم كثرة الفعاليات والبرامج الافتراضية، فإن نسبة الإقبال عليها ما زالت محل شك، فلو سألنا بشكل عشوائي عشرة أشخاص مهتمين بالفنون البصرية حول عدد المعارض التي دخلوها افتراضياً منذ بدء وباء كورونا فأغلب الظن أن النسبة لن تكون كبيرة.

أكرم زعتري - القسم الثقافي
أكرم زعتري في معرض له

"العربي الجديد" استطلعت آراء مجموعة من الفنانين البصريين والقيمين حول تجربة العرض والتلقي الافتراضيين وحول فترة الحجر المنزلي، والتي يقول عنها الفنان اللبناني أكرم زعتري: "شخصياً قضيت فترة الحجر في الرسم والقراءة وفي توضيب بعض أرشيفي والتحضير لكتاب جديد".

يضيف "الحجر فرصة كل إنسان للتركيز وإعادة قراءة الأشياء من حوله بعيداً عن فوضى الحياة وايقاعها السريع، بما فيه العمل والسفر المتكرر واللهو بشكل عام. لا اعتقد أن الحجر يخصّ الفن المعاصر بالذات بأية امتيازات مقارنة بالفنون الأخرى كالرسم مثلاً أو الشعر، وهي فنون لا تتطلب أية تقنيات حديثة لممارستها ولا تحتاج حتى إلى كهرباء أو شاحن أو أي شكل من الصيانة". 

يتابع: "بودي إيضاح موضوع مهم تفادياً للخلط بين التطوّر التقني - وبخاصة تقنيات الاتصال والبث - وبين إنتاج الفن المعاصر الذي يستخدم هذه التقنيات كالأفلام والفيديو وغيرها من الفنون"، متابعاً: "لا شك أن تطور وسائل الاتصال وحده جعل الحجر أقل وطأةً على المحجور لأننا قادرون على التواصل مع الغير بقدر ما نريد، كذلك نحن قادرون بالرغم من الحجر على زيارة بعض المتاحف والمكتبات العامة والاطلاع على محفوظاتها عن مسافة بما يتضمن الكتب والأعمال الفنية". 

ويؤكد: "أنا شخصياً متمسك بشروط العرض وبالاختبار الجسدي للمعارض - أفضّل حضور المعارض فعلياً لأن تصميم المساحة جزء لا يتجزأ من العمل. ولكني في الوقت نفسه أعي تماماً أنه في بعض الأوقات يكون التلقي عن بعد أفضل بكثير من الحضور جسدياً في مكان المعرض، مثلاً أفضل مشاهدة الأفلام في صالة السينما المجهزة والواسعة - هل يمكن للتلفزيون أو لمنصات طلب الأفلام منافسة صالة السينما من حيث نوعية العرض؟ أبداً، ولكن المنافسة قائمة من حيث توقيت العرض وسهولة الوصول إليه في المنصات الإلكترونية".

يختتم زعتري بالقول: "ليس لدي مانع من تحويل عمل من أعمالي ليتلاءم مع التلقي عن بعد بشرط أن أكون طرفاً في تصميم كيفية التلقي، ويمكن أن أصمم معرضاً افتراضياً بشرط أن أكون شريكاً في تصميم المنبر أو المنصة التي تعرض العمل". 

هادي برعي
هادي برعي في معرض له

من جهته، يقول الفنان المصري هادي برعي لـ "العربي الجديد": "لا شك أن المعرض الافتراضي يفقد عاملاً مهماً من عملية التواصل بين المتلقي والعمل الفني. فالفنان عادة لديه تصور حول البيئة الجديدة التي سيعرض فيها عمله عند نقله من الأستوديو؛ الإضاءة ولون الحوائط وأبعادها عن بعضها كل هذا المحيط يبني الفنان فكرة عنه وتصوراً قبل نقل العمل، وهذا يختلف في النحت مثلاً، حيث يتوقع الفنان أن المتلقي سيدور حول القطعة الفنية، لذلك يدرس حتى مساقط الضوء على العمل الفني نفسه من عدة زوايا".

يتابع برعي "كل هذا يُقتطع في العرض الافتراضي للأعمال الفنية. لكن المتاحف حاولت سد الفراغ بتوفير طرق العرض ثلاثية الأبعاد، لكن لا شيء يعوض عن التفاعل الجسدي بين المتلقي والعمل الفني، مع العلم أن مبادرات المتاحف العالمية مهمة وجميلة في الوقت نفسه".

 يجد الفنان الفلسطيني هاني زعرب العرض الافتراضي "في جله أمراً محبطاً، وخاصة للرسم والتصوير بالألوان والمواد المختلفة ولكن إذا اقتصر على أعمال الفيديو والتصوير الفوتوغرافي وفن الديجيتال فربما يكون الإحباط بمستوى أقل". ويكمل في حديثه إلى "العربي الجديد": "ربما سيكون لبعض أعمالي المساحة الافتراضية ضمن معارض تابعة لغاليري أو مؤسسة ولن أرفض ذلك طبعاً وخاصة لأعمال كانت قد عُرضتْ من قبل، ولكن لا أعتقد أنه من الممكن أن أقرر لمعرض شخصي على هذا النحو، وذلك بسبب طبيعة أعمالي البصرية الأخيرة، والمبنية بشكل أساسي على المواد المختلفة وطبقاتها على السطح، حيث لا أعتقد أن العرض الافتراضي يمكنه أن يفي بالغرض إلا إذا كان على مستوى عالٍ جداً من جودة النقل الافتراضي بكل أبعاده، وحتى لو كان كذلك، فبكل تأكيد لن يكون كالمشاهدة الحقيقية للعمل في متنفّسه الطبيعي، لهذا فالأمر محبط بالنسبة إلي".

هاني زعرب
هاني زعرب يعمل في محترفه في باريس

نسأل الفنان إن كان قد فكر في تغيير الوسيط الفني في مثل هذه الظروف والتجريب في فن الفيديو؛ فيجيب بأنه يرى أن الأمر ليس قراراً، و"إنْ لم يأت بشكله الطبيعي وضمن المعطيات الحقيقة لتطور بحثي البصري فأنا أرفضه". 

أما صالح بركات، مؤسس غاليري "أجيال" وغاليري "صالح بركات" في بيروت فيرى أن "العالم يبحث عن حلول لأزماته. العرض الافتراضي يساعد على استمرارية التواصل في زمن التباعد الاجتماعي. وسيفرض نفسه كوسيلة رئيسية للتعامل والتعاطي بين الفرقاء المختلفين وسيؤدي حتماً لتغييرات أساسية عبر فرض نفسه كعامل جديد".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن العرض الافتراضي "لن يلغي بالطبع صالة العرض وأهمية العلاقة الواقعية بين المقتني والعمل الفني، إنما سيضاف إلى مجموعة من القواعد المتعارف عليها عبر السنين لتواصل المهتمين بالنتاج الفني". 

في حين يقول الفنان المصري عبد الكريم محمد إنه "منخرط في الممارسات الأدائية، وجزء منها له علاقة بالحضور وجسدي العارض والمتلقي في مساحات معينة وتجارب تعتمد على اللقاء الواقعي. طبعاً العروض من خلال الإنترنت عاجزة عن تقديم هذه الأمور، ولا بد أن ألفت إلى أنه وفي كثير من الأحيان يخلّف العمل داخل تلك الممارسات الأدائية علاقه مع الجمهور من خلال أنه موجود أونلاين، كأن يكون العمل عبارة عن "تراك صوتي" على ساوندكلاود".

عبد الكريم محمد
عبد الكريم محمد في ورشة عمل

يكمل "عندما دُعيت إلى العرض المباشر من خلال "مدرار" الفترة الماضية، فكرت في بعض الأعمال التي ليس للمساحة والوجود الواقعي فيها أهمية أساسية ومن الممكن التنازل عنهما، لكننا أيضاً نحتاج إلى العمل معاً في اجتماعات وورش وتفاعل واقعي وحقيقي". 

يَذكر عبد الكريم أنه لا يحضر معارض افتراضية كثيرة ويعزو ذلك إلى أنه منهمك بالتحضير لما بعد الحجر: "نحن لن نستمر هكذا"، ويضيف: "لم أتصفح معارض المتاحف التي قدمت تجارب افتراضية، وشعرت أن مشاهدة صور الأعمال أسهل، غير أن هذا لا يمنع أن إتاحة أرشيف المتاحف أونلاين هي تجربة مفيدة بالتأكيد، ولكن ما زال الحضور في المتحف والسير في عمارته والخبرة الواقعية مختلفة وأكثر قيمة، على الأقل بالنسبة إلي".

 

المساهمون