العشرات من تلاميذ المدارس في البلدة القديمة، خاصة مدرسة الأيتام الإسلامية الكائنة في عقبة التكية، ينتظرون في طوابير المرور عبر حواجز جنود الاحتلال العسكرية التي أقيمت على مداخل البلدة القديمة، خاصة باب العامود، وفي محاور الطرق بالبلدة القديمة من القدس. وكانت أعداد أخرى من التلاميذ تخضع لتفتيشات مهينة وسوء معاملة من جنود الاحتلال تراوحت ما بين إرغامهم على الجلوس قرفصاء، والعبث بحقائبهم المدرسية.
بينما كان تجار يتجادلون مع جنود الاحتلال الذين تعمّدوا الوقوف أمام أبواب المحلات بصورة استفزازية، وحين توجه بعض التجار للجنود للابتعاد عن أبواب محلاتهم، كان رد الجنود بعدم إعارة التجار أي اهتمام والتسمّر في أماكنهم.
يقول أحد التجار، ويُدعى نادر الهشلمون، لـ"العربي الجديد": "حتى في أعيادهم ندفع ثمن عنجهيتهم وغطرستهم، ما لنا وأعيادهم، إنهم يتصرفون بعنف كمن فقد صوابه، لا أدري ما ذنبنا كتجار نُرغم على إغلاق محلاتنا، كل هذا من أجل أن يحتفلوا بعيدهم". ثم يتساءل قائلا: "عن أي غفران يتحدثون، وهم كل يوم يقتلون ويهدمون وينكلون بالنساء والأطفال ويدنسون المقدسات".
وليس بعيدا عن شارع الواد المفضي إلى المسجد الأقصى، وإلى عقبة التكية في البلدة القديمة، كان عشرات من الجنود وعناصر المخابرات يحاصرون مدرسة دار الأيتام الإسلامية، ثم ما لبثوا أن اقتحموها واعتقلوا مدير التربية والتعليم في القدس، سمير جبريل، واقتادوه وطالبين إلى مركز لشرطة الاحتلال قريب من المسجد الأقصى، بحجة رشق حجارة وزجاجات فارغة على أفراد دورية تتموضع قرب طريق يؤدي إلى الأقصى.
واستهجن مواطن آخر، هو محمد الياسيني، تنكيل جنود الاحتلال بتلاميذ المدارس، بينما كان يصطحب اثنين من أبنائه إلى مدرسة الأيتام الإسلامية، وقال: "إجراءات للتنكيل فقط، لا تساهم إلا في زيادة الغضب والكراهية لهم، إنهم يتعاملون معنا بقوة البطش، وهذا لن يحقق لهم الأمن أبدا".
وسبق ذلك، اعتقال قوات الاحتلال الخاصة شابا من داخل باب الأقصى يُدعى مفيد غيث، من مخيم شعفاط شمالي القدس، كان قد غافل الجنود على إحدى البوابات وتمكن من الدخول إلى باحات المسجد الأقصى، قبل أن يُكتشف أمره ويتم اعتقاله.
بينما احتجز الجنود عشرات البطاقات الشخصية لكبار السن من المصلين الفلسطينيين الذين تمكنوا من الوصول للأقصى، بالتزامن مع اقتحام 156 مستوطناً باحات المسجد، في الجولة الأولى من الاقتحامات والتي انتهت عند الساعة الحادية عشرة (توقيت محلي)، وفق ما أكده لـ"العربي الجديد"، مكتب الأحوال التابع لإدارة الأوقاف الإسلامية.
أما في بلدة الرام شمالي القدس المحتلة، حيث عائلة الشهيد مصباح أبو صبيح، منفذ عملية القدس الأخيرة، فقد واصلت قوات الاحتلال التنكيل بالعائلة، وطاول العائلة المزيد من العقوبات، كان آخرها إغلاق عدد من المحال التجارية مملوكة لها، والاعتداء على النسوة، ومطالبة العائلة بتسليم والد الشهيد وشقيقيه لقوات الاحتلال. وداهمت قوات كبيرة ديوان آل السلايمة وحطمت محتوياته بعد أن تطوعت العائلة باستضافة عزاء الشهيد، إثر منع الاحتلال العائلة من إقامة بيت عزاء للشهيد في الرام وسلوان بالقدس المحتلة.
مع ذلك، تؤكد عائلة الشهيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أحدا من أفرادها لن يسلم نفسه قبل انتهاء عزاء الشهيد، والأمر ينطبق على والد الشهيد الذي لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز بطاقته الشخصية.
وكانت قوات الاحتلال دفعت بأعداد كبيرة من جنودها إلى المدينة المقدسة منذ الليلة الماضية، في وقت يتوقع أن يتدفق إليها عشرات آلاف المستوطنين ليلا، بالتزامن مع بدء الاحتفالات اليهودية بعيد "الغفران"، يسبقه إغلاق معظم الطرق والشوارع الرئيسية، وتتوقف فيه حركة المركبات ووسائط النقل الإسرائيلية. وتُمنع مركبات الفلسطينيين من الانتقال إلى الشطر الغربي من المدينة المقدسة اعتبارا من بعد عصر اليوم الثلاثاء، وتشدد الإجراءات على حركة الانتقال غدا حتى فجر الخميس.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات الإسرائيلية - كما هو الحال في كل عام بهذه المناسبة - إلى تعطيل حياة المقدسيين، حيث تغلق العديد من المدارس في البلدة القديمة ومحيطها بسبب عدم تمكن المواطنين من الحركة، في وقت يقوم فيه متطرفون يهود برشق المركبات المارة بالحجارة والاعتداء على المواطنين الفلسطينيين.