01 نوفمبر 2024
في فهم الكبرياء
"هل وصلت حياتك إلى نتيجة؟ إذاً لن تعرف أبدا الكبرياء" (إميل سيوران، "المياه كلها بلون الغرق"). أفكر دائما بمعنى الكبرياء. وأحكي هنا عن الكبرياء الشخصي العاطفي، المتعلق بالمشاعر والأحاسيس، الكبرياء الفردي الخاص بكل منا، لا الجمعي المشترك مع كثيرين.
أفكر بالتالي: كيف يمكن لأحدنا أن يحمي كبرياءه من التواري أو الاختفاء أو المحو، ما دمنا على قيد الحياة؟ وعلى قيد الحياة لا تعني من يتنفس ويأكل ويشرب ويعمل ويتناسل. هي تعني هنا، بالتحديد، من يعيش حياته ليدخل في اختبارات وتجارب تساعده على اكتشاف جوهر الحياة ومعناها، وعلى فهم ماهيته كائنا بشريا معقدا ومرتبطا بسلالات طويلة ومختلفة ومتداخلة، جعلت منه هذا الكائن التائه بين وعيه وإدراكه، وبين غرائزه والطبقات المتراكمة من اللاوعي لديه.
وغني عن القول إن فهم جوهر الحياة يتطلب الدخول بالتجربة إلى حدها الأقصى، ملامستها من الخارج فقط أو دخولها بحذر يكفيان لفهم السطح أو القشرة الخارجية، وهو الفهم الأكثر سهولةً، وهو السائد بالعموم، ومعه لا شيء سيخدش الكبرياء، كمن يلعب بالطين بقفّازين سميكين، لن تتسخ يداه حتما، لكنهما لن تشعرا بملمس الطين الحي، ولن تنتقل حرارتهما إليه. الدخول في اختبار حقيقي يعني أن تترك نفسك في العراء، تتعرّض لكل أنواع الرياح، ستسقط وستشعر بالبرد والخوف والوحشة، وقد تضحك وتتنمر، وقد تشعر أنك تذوب من فرط الحب أو الغيرة أو الخذلان. ستعيش المتنافضات كلها. وقد يراك الآخرون مفصوما ومضطربا. وستصاب بخسارات متلاحقة. وستبكي لأقل الأسباب، وتشعر بأنك أكثر هشاشةً من ورقة شجر خريفية، لكنك ستعرف أن تقف مجددا من دون أن تشعر بالندم، خسرت الكثير؟ لابأس، ستعطيك الحياة تعويضها، إذ إنك عرفت كيف تخترق صلابتها حين أحببتها بكل ما لديك من مشاعر. الحياة تحب من يحبها ويفتش فيها عن الجوهر.
في وسط ذلك، عليك أن تحب حياتك على ما هي عليه، وتحب تناقضاتك كلها، قلقك الدائم، سكينتك المباغتة، أحبب كسلك ونشاطك، واحبب هواجسك وخوفك، أحبب حالات جنونك أو ما تظنه حكمة أحيانا. أحبب أوهامك عن الحب وعن السعادة، فهما ليسا أكثر من وهم نحتاجه كي نعيش. أحبب حقيقة حزنك ووحدتك ووحشتك وخذلانك وخيباتك. أحبب كيف تستمتع بأشياء بسيطة، بالطبخ مثلا، أو كيف تستمتع بالرقص وبالغناء، حتى لو صوتك ليس خارقا. وكيف تستمتع باحتساء ما تحب من المشروبات. أحبب أسئلتك حول ما يبقيك شابا، واحبب هلعك من فكرة الشيخوخة والعجز ثم الموت. أحبب ذاتك إذا كنت مبدعا، واحبب أن يعجب الآخرون بما تبدعه، ولا تعتبره كثيرا عليك، هذا أقل ما تعطيه لك الحياة.
أحبب أن يكرهك بعضهم، دع لكراهيتهم لك أن تمدك بالقوة، هم يكرهونك إذا هم يفكرون بك. أنت موجود بقوة إذاً. أحبب جنسك. إن كنت امرأة أحبّي أنوثتك، هي نعمة من الحياة. وإن كنت رجلا، أحبب رجولتك، وحافظ عليها من التشوهات، كي لا يتشوه العالم. أحبب قوتك، وأحبب حتى أقصى حالات ضعفك. أحبب أنك أنجبت مولودا إلى الحياة، فالخلق هو الإحساس بالتجدّد، أحبب نزقك وغضبك وقلة ثقتك بنفسك أحيانا، أحبب لحظات غرورك أيضا. أحبب أنك لست معنيا أحيانا بخراب العالم، ولست معنيا بأي انتماء، ولست معنيا بالقضايا الكبرى. أحبب أنك مهتم بالتفاصيل الصغيرة جدا التي لا تهم أحدا، لكنها تشكل حياتك. أحبب أنك تكره كل ما سبق أحيانا، أنك قد تفكر بحياتك بطريقة أخرى. أحبب أي شيء وكل شيء. أحبب بشغف، الحب بشغف هو جوهر الحياة.
هل تبحث عن الكبرياء وسط هذا كله؟ ربما ستقول: لن يبقى من كبريائي شيء، إن دخلت في تجارب الحياة القاسية. ستجردني قسوة الحياة منه، سأفقد مع فقدانه جزءا كبيرا من توازني، ولن أصل إلى نتيجةٍ تجيب عن سؤال الحياة. سأقول لك: لا شيء سيجيبك عن سؤالك هذا سوى الموت. مع الموت نفقد كل شيء، أول ما نفقده هو الكبرياء، طالما نحن نعيش ونختبر وندخل في التجربة الصعبة، سنكتشف كم نحمل من قيمة لكبريائنا الشخصي، الإنساني والعاطفي، كم ستصقله التجربة، وكم وجوده مرتبط بقدرتنا على العيش.
أفكر بالتالي: كيف يمكن لأحدنا أن يحمي كبرياءه من التواري أو الاختفاء أو المحو، ما دمنا على قيد الحياة؟ وعلى قيد الحياة لا تعني من يتنفس ويأكل ويشرب ويعمل ويتناسل. هي تعني هنا، بالتحديد، من يعيش حياته ليدخل في اختبارات وتجارب تساعده على اكتشاف جوهر الحياة ومعناها، وعلى فهم ماهيته كائنا بشريا معقدا ومرتبطا بسلالات طويلة ومختلفة ومتداخلة، جعلت منه هذا الكائن التائه بين وعيه وإدراكه، وبين غرائزه والطبقات المتراكمة من اللاوعي لديه.
وغني عن القول إن فهم جوهر الحياة يتطلب الدخول بالتجربة إلى حدها الأقصى، ملامستها من الخارج فقط أو دخولها بحذر يكفيان لفهم السطح أو القشرة الخارجية، وهو الفهم الأكثر سهولةً، وهو السائد بالعموم، ومعه لا شيء سيخدش الكبرياء، كمن يلعب بالطين بقفّازين سميكين، لن تتسخ يداه حتما، لكنهما لن تشعرا بملمس الطين الحي، ولن تنتقل حرارتهما إليه. الدخول في اختبار حقيقي يعني أن تترك نفسك في العراء، تتعرّض لكل أنواع الرياح، ستسقط وستشعر بالبرد والخوف والوحشة، وقد تضحك وتتنمر، وقد تشعر أنك تذوب من فرط الحب أو الغيرة أو الخذلان. ستعيش المتنافضات كلها. وقد يراك الآخرون مفصوما ومضطربا. وستصاب بخسارات متلاحقة. وستبكي لأقل الأسباب، وتشعر بأنك أكثر هشاشةً من ورقة شجر خريفية، لكنك ستعرف أن تقف مجددا من دون أن تشعر بالندم، خسرت الكثير؟ لابأس، ستعطيك الحياة تعويضها، إذ إنك عرفت كيف تخترق صلابتها حين أحببتها بكل ما لديك من مشاعر. الحياة تحب من يحبها ويفتش فيها عن الجوهر.
في وسط ذلك، عليك أن تحب حياتك على ما هي عليه، وتحب تناقضاتك كلها، قلقك الدائم، سكينتك المباغتة، أحبب كسلك ونشاطك، واحبب هواجسك وخوفك، أحبب حالات جنونك أو ما تظنه حكمة أحيانا. أحبب أوهامك عن الحب وعن السعادة، فهما ليسا أكثر من وهم نحتاجه كي نعيش. أحبب حقيقة حزنك ووحدتك ووحشتك وخذلانك وخيباتك. أحبب كيف تستمتع بأشياء بسيطة، بالطبخ مثلا، أو كيف تستمتع بالرقص وبالغناء، حتى لو صوتك ليس خارقا. وكيف تستمتع باحتساء ما تحب من المشروبات. أحبب أسئلتك حول ما يبقيك شابا، واحبب هلعك من فكرة الشيخوخة والعجز ثم الموت. أحبب ذاتك إذا كنت مبدعا، واحبب أن يعجب الآخرون بما تبدعه، ولا تعتبره كثيرا عليك، هذا أقل ما تعطيه لك الحياة.
أحبب أن يكرهك بعضهم، دع لكراهيتهم لك أن تمدك بالقوة، هم يكرهونك إذا هم يفكرون بك. أنت موجود بقوة إذاً. أحبب جنسك. إن كنت امرأة أحبّي أنوثتك، هي نعمة من الحياة. وإن كنت رجلا، أحبب رجولتك، وحافظ عليها من التشوهات، كي لا يتشوه العالم. أحبب قوتك، وأحبب حتى أقصى حالات ضعفك. أحبب أنك أنجبت مولودا إلى الحياة، فالخلق هو الإحساس بالتجدّد، أحبب نزقك وغضبك وقلة ثقتك بنفسك أحيانا، أحبب لحظات غرورك أيضا. أحبب أنك لست معنيا أحيانا بخراب العالم، ولست معنيا بأي انتماء، ولست معنيا بالقضايا الكبرى. أحبب أنك مهتم بالتفاصيل الصغيرة جدا التي لا تهم أحدا، لكنها تشكل حياتك. أحبب أنك تكره كل ما سبق أحيانا، أنك قد تفكر بحياتك بطريقة أخرى. أحبب أي شيء وكل شيء. أحبب بشغف، الحب بشغف هو جوهر الحياة.
هل تبحث عن الكبرياء وسط هذا كله؟ ربما ستقول: لن يبقى من كبريائي شيء، إن دخلت في تجارب الحياة القاسية. ستجردني قسوة الحياة منه، سأفقد مع فقدانه جزءا كبيرا من توازني، ولن أصل إلى نتيجةٍ تجيب عن سؤال الحياة. سأقول لك: لا شيء سيجيبك عن سؤالك هذا سوى الموت. مع الموت نفقد كل شيء، أول ما نفقده هو الكبرياء، طالما نحن نعيش ونختبر وندخل في التجربة الصعبة، سنكتشف كم نحمل من قيمة لكبريائنا الشخصي، الإنساني والعاطفي، كم ستصقله التجربة، وكم وجوده مرتبط بقدرتنا على العيش.