لم يكن يوم 27 فبراير/شباط 2011، يوماً عادياً في تاريخ سوريا الحديث، إذ شهد هذا اليوم اعتقال أجهزة الأمن السوريّة 18 طالباً من مدرسة "الأربعين" الابتدائية في مدينة درعا (100 كيلومتر جنوب دمشق). جاء اعتقال الفتية على خلفية كتابتهم على سور المدرسة، عبارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"إجاك الدور يا دكتور"، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، وذلك في محاكاة للشعارات التي رفعتها انتفاضات تونس ومصر وليبيا في سياق ثورات "الربيع العربي".
الأجهزة الأمنية في المدينة، والتي يرأس أحدها، العميد عاطف نجيب، ابن خالة الأسد، اعتقلت الطلاب وقامت بتعذيبهم، واقتلعت أظافر بعضهم. لم تفلح محاولات أولياء أمور الطلبة بمقابلة رؤساء الاجهزة الأمنية بهدف الإفراج عن الطلاب، الأمر الذي دفع بالأهالي إلى الاستعانة بوجهاء المدينة للتوسط للإفراج عن الأطفال المعتقلين. وقد استطاع الوجهاء مقابلة عاطف نجيب الذي كان يرأس جهاز الأمن السياسي في المدينة، إلا أن نجيب قال لهم، بحسب رواية الوجهاء: "انسوا أولادكم واجعلوا نساءكم تحمل وتخلف لكم بدلاً عنهم، وإذا لم تستطيعوا ذلك فآتوا بهن إلينا ونحن نفعل!".
يقول الصحافي محمد العويد لـ "العربي الجديد"، وهو ابن مدينة درعا، إن العبارات التي كتبها الأطفال تكررت في أكثر من قرية وبلدة، وكان طلاء الجدران هو الحل في بعض تلك القرى، في حين كان الحل أمنيّاً في درعا البلد. من جهته، يوضح الناشط والإعلامي، مؤيد أبا زيد، أن مدير مدرسة "الأربعين" الابتدائية التي اعتقل طلابها الأطفال، قام بإبلاغ الأجهزة الأمنية خوفاً على نفسه. ويتابع أنه "بعدما أبلغ مدير المدرسة الأجهزة الأمنية، قدمت إلى المنطقة واعتقلت عدداً من الأطفال من بيوتهم، ولاحقاً تم اعتقال إخوتهم الأكبر سنا بتهمة التحريض".
يروي أحد الفتيّة المعتقلين، وهو ممن تعرضوا لعملية تقليع الأظافر، أحمد رشيدات أبا زيد، وكان عمره حين اعتقل 14 عاماً، معاناتهم في المعتقل. ويقول إنه "عندما وصلنا إلى فرع الأمن السياسي، والذي علمت باسمه بعد خروجي منه، كانت الأرجل تركلنا بجميع الاتجاهات. حشروني وبقية رفاقي في غرفة شبه مظلمة ، جميعاً كنا نبكي حتى أتى أحد السجانين، وهددنا إن استمرينا بالبكاء سوف يضعنا على الدولاب". والدولاب تسمية لإحدى أساليب التعذيب الشهيرة في المعتقلات السورية. و يتابع: "كان السجان مرعباً وقال لي سأقلع عينيك واقطع يديك ان لم تعترف، فقلت ما عندي شي، فانهال علي بالضرب بالكرباج". ويذكر أحمد، أنّ سجانيه لم يستطيعوا تعذيبه بواسطة "الدولاب"، بسبب حجم جسمه الصغير، الأمر الذي جعلهم "يربطون قدمي من خلال حبل متدلي من السقف وضربي إلى أن أغمي علي".
ويشير الصحافي العويد، إلى أن محافظ المدينة في حينها، فيصل كلثوم، وقادة الأجهزة الأمنية "كانوا على علم بجهود الوجهاء، وبقرار شبان من درعا البلد وأقاربهم في القرى المجاورة بالخروج عقب صلاة الجمعة في 18 مارس/آذار في حال عدم تلبية مطلبهم بالإفراج عن الاطفال".
رفاق أحمد تشتّتوا بين مخيمات اللجوء في الأردن، وبعضم التحق بصفوف "الجيش الحر"، ومن هؤلاء أكرم وبشير أبازيد، وكانا في سن الخامسة عشرة وقت اعتقالهما، واستشهدا في معارك ضد قوات النظام في حي الأربعين بدرعا البلد، في يوليو/تموز من العام 2012.
رفضت الأجهزة الأمنية الإفراج عن الاطفال الذين تراوحت أعمارهم بين 12 ـ 15 عاماً، بل إن بعضهم لا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم، ومن بينهم أحمد سامي أبازيد، الذي يرجح قريبه الناشط والإعلامي مؤيد أبازيد، أن يكون قد استشهد داخل المعتقل.
في 16 مارس/آذار 2011، اعتصم أهالي الأطفال، ومعهم أهالي معتقلين من محافظات أخرى، بالإضافة إلى بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان، في ساحة المرجة بالقرب وزارة الداخلية في العاصمة دمشق. إلا أن أجهزة الأمن فرقت الاعتصام، واعتقلت 12 شخصاً بينهم عدد كبير من الناشطين السياسيين المعارضين، فضلاً عن الأهالي.
شهد حي البلد في درعا، الذي يتحدر منه الأطفال، حالة غليان ترافقت مع إرهاصات الثوّرة في دمشق، ومنها تظاهرة الحريقة على خلفية اعتداء شرطي على مواطن، ومن بعدها اعتصام حديقة المدفع تضامناً مع ثورة الشعب الليبي، والذي فرقته قوات الأمن بالقوة أيضاً، لتنفجر سوريا غضباً يوم الجمعة 18 مارس/آذار 2011، معلنة بداية الثورة التي لن يكون ما قبلها كما بعدها، ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة كلها.