07 نوفمبر 2024
في نقاش وثيقة ديمقراطيين سوريين
أصدَرَ مثقفون وباحثون وسياسيون سوريون، قبل أيام، وثيقةً فكرية سياسية (https://geroun.net/archives/121285)، يريدون من خلالها التأسيس الفكري والانطلاقة السياسية لـ"مشروع وطني جديد"، ويهدفون منه التأسيس لجمهورية جديدة، تليق بكل تضحيات السوريين، وتنسجم مع تاريخهم التعدّدي ومستقبلهم "الديمقراطي"؛ فالديمقراطية هي الأساس في الجامعة السورية الجديدة، وهي الجماعة الوطنية بامتياز.
تتصدّى الوثيقة لقضايا كثيرة؛ فسورية تمرّ بمرحلة ثورية، وقد طال أمدها، ويكاد النظام يعود إلى الحياة بعد موت أكيد، والثورة تنهزم بشكل كامل، وبالأحرى انهزمت، وصار لا بد من
تجديدها بآلياتٍ مختلفة وبرؤية مختلفة، وهي قضية الوثيقة الأساسية. وتؤكد الوثيقة أنه لا يمكن الوصول إلى سورية مستقرة، من دون أن تتحقق مطالب الثورة، ولنقل بعض أهدافها المعلنة في العام 2011، وهي لا تُختصر في إسقاط النظام، بل في تحقيق جملة أهداف تعدّدها الوثيقة: الحرية والكرامة والديمقراطية والمواطنة وإنهاء الاستبداد.
تشتمل الوثيقة على انتقادات جيدة للقوى السياسية المعارضة ورؤيتها للسياسة، فترى أن وظيفة هذه "المعارضة" تتحدّد بمنع قيام بديل سياسي معارض لتمثيل الثورة. ويطاول النقد أيضا الفصائل المسلحة، وترى أنها أصبحت تعيق تشكيل جيش وطني بديل. وتجزم الوثيقة بأن استقرار سورية يعتمد على حلّ دولي، طرفاه روسيا وحلفاؤها وأميركا وحلفاؤها، لكن ذلك غير ممكن قبل زوال القيادات الأولى للنظام، سياسيًا وأمنيًا، واستبدالهم بقياداتٍ منه، لم يكونوا والغين في القتل والتدمير، وهذه الإزالة شرط ضروري للبدء بالاستقرار والانتقال إلى السلم الأهلي.
ما لا أراه صحيحًا في الوثيقة، وقد بُنيت عليه، يتحدّد بعدة قضايا:
أولًا، بشأن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية: هناك عدة تعاريف في الوثيقة، منها "رهان مجتمعي"، وثورة من أجل "الحرية والكرامة، ومحاربة الفساد، ومن أجل الديمقراطية". وتنتمي كل هذه التعريفات إلى رؤية المعارضة قبل الثورة، أي لم تلحظ الوثيقة الواقع بكلّيّته ما قبل لحظة الثورة. الثورة كما أرى حدثت ضمن شروط عربية، وشروط داخلية تكثّفت، لكنها تمّت في لحظةٍ تاريخيةٍ محدّدة، وهي شروط تعميم الليبرالية الجديدة؛ فالطبقة الوسطى باتت مهدّدة بالانهيار، بينما انهارت الطبقات الدنيا خصوصا في الأرياف، وتخلت الدولة عن تقديم الدعم والمكتسبات الاجتماعية، سيما ما يتعلق بمجانية التعليم والطبابة، وتزايدت أسعار المواد الأساسية والضرائب على المفقرين..؛ فكانت الثورات. لا يمكن حصر الثورة في سورية أو البلدان العربية بالجانب السياسي، وأنّها ردٌّ على الاستبداد ومن أجل الحرية. ألم يكن الاستبداد جاثمًا في سورية منذ سبعينيات القرن الماضي مع تأسيس دولة "الحركة التصحيحية"؟، فلماذا لم تحدث الثورة، وكذلك لماذا أخذ الاحتجاج السياسي، والمرتبط بالعسكري، في الثمانينيات الصبغة الإسلامية، ثم ألم تكن هناك معارضة ديمقراطية وماركسية، وأودعت السجون ولم تتحقق الثورة؟ ثورة 2011 هي ابنة شرط تاريخي جديد، وتهدف إلى إيقاف السياسات الليبرالية أولًا، وطبعًا هي تريد الوصول إلى الحريات والحقوق السياسية، وتغيير السلطة، بل وإسقاطها.
في سورية المعقّمة من أي تعبير سياسي كان يستحيل الذهاب نحو رؤية اقتصادية للثورة، مناهضة لليبرالية الجديدة، بل لم يتم التفصيل بطرح الحريات والحقوق السياسية إلا بالتدريج، ومع تطور الثورة ذاتها. ويشكل رفض تيارات من المعارضة توضيح ذلك، واختصار الأمر بإسقاط النظام، انقلابًا على الثورة، واعتمادًا على الخارج، كما أوضحت الوثيقة.
ثانيًا: تحمّل الوثيقة المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مسؤولية كبيرة في تفشيل الثورة، وهذا صحيح، وتنتقل بعدها إلى تحميل الحركات الإسلامية المتطرّفة (جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية) مسؤولية كبيرة في تشويه الثورة، وهذا صحيح. ما كان يفترض أن تصوّب الوثيقة عليه هو دور القوى التي شكّلت المجلس والائتلاف، فهي من قاد الثورة في سنواتها الأولى، وهي من لم تسع إلى تطوير (وضبط) الثورة وقواها، ورفضت كل الانتقادات التي حاولت تصويب رؤيتها! ضمن هذه القوى، لعب الإخوان المسلمون دورًا مركزيًا في إفشال المعارضة، وبالدرجة الثانية قوى إعلان دمشق، وهذا يجب توضيحه، ليتم تحميل المسؤولية عن تغييب المشروع الوطني الديمقراطي، وغياب حركة موحدة لفصائل الجيش الحر، وكذلك إقامة علاقاتٍ متينةً مع دول إقليمية، وليس عبر المجلس الوطني و"الائتلاف" مرجعية وحيدة للعمل السياسي المعارض، ومنذ 2011.
ثالثًا: لم تقطع الوثيقة في الموقف من الأكراد، فتارة يكون الحديث عن وطن سوري للجميع، ويكون لكل أصحاب الأديان والقوميات الحقوق نفسها، ولكن على الأرض السورية. وحين يتم الحديث عن حق تقرير المصير، يتم تخصيص فقرة عن الأكراد، وأن للأكراد الحق باختيار مستقبلهم كما يشاؤون، وهنا يغيب الاشتراط على الأرض السورية. يجب إزالة هذا التناقض بشكل كامل؛ فسورية دولة للجميع، وكل مشاريع القوميات يجب ألا تتعدى الوطنية السورية الجامعة، كما ترغب الوثيقة. طبعًا هذا لا يعني في أي حال أن سورية أصبحت وطنًا قوميًا للسوريين، فهذا غير صحيح بالكامل، حيث لمستُ أن الوثيقة تكاد تماهي بين الوطني والقومي.
تتحدّث الوثيقة عن "نقص الاندماج" في الهوية الوطنية، وأن النظام استغل ذلك، وباعد بين السوريين على أساس الطوائف والأديان والقوميات؛ لكن الوثيقة ترى أن الأسلمة ليست سوى قشرة أُلصقت بالسوريين، أي يمكن إزالتها بسهولة ما دامت قشرة! لا أتفق مع الوثيقة بشأن نقص الاندماج، فهذا يعني أن الماضي القديم، وحينما كان البشر يُعرّفون أنفسهم بالأديان والطوائف، هي السبب والمشكلة، وقد استثمر فيها النظام وأفسد الثورة، وبالتالي يتحمّل الماضي المسؤولية الأساسية، وهي حجةٌ يمكن للنظام نفسه استخدامها بالقول: إن الشعب فيه نقص في
الهوية، وبالتالي ليس من خيار إلا الاستبداد لردم هذا النقص وتحقيق الاندماج؟
في سورية، لا يمكن نقاش نقص الاندماج بسبب الماضي، بل يجب دراسته عبر سياسات النظامين، الحالي والسابق، وقبل الخمسينيات وبعدها. قصدت أن سياسات الدولة السورية كانت تتقصد إبقاء البنية القديمة، وتعيد إنتاجها بما يتناسب معها. كان هذا الأمر يتم عبر آلية تشكيل نظام الحكم، وكذلك عبر آليات الإنتاج الزراعية والتجارية الأساسية، وبدرجة أقل الصناعية. وبالتالي، لم يتم تبني سياسات عامة للدولة، بما يكرس بنية اجتماعية جديدة، وتقوم وفق مبدأ المواطنة، وهذا أدى إلى إعادة إنتاج البنية الاجتماعية القديمة، وبما يتناسب مع تلك السياسات. تتكلم الوثيقة عن نقص الاندماج، ثم عن أن الأسلمة مجرد قشرة طارئة، ومرة ثالثة تتكلم عن روابط وطنية اغتنت بالتنوعيْن، الديني والقومي، أليس في هذا القول تناقض؟ تفسير ذلك يكون عبر القول إن الأسلمة والطائفية مرتبطتان بسياسات الحكم، وليست قضية قديمة، وأيضًا لا يمكن، بعد تعقّد الوضع السوري، اعتبار الأسلمة قشرة، بل الحقيقة أن الأسلمة والطائفية أصبحتا قضيتين تتطلبان جدية كبيرة لتجاوز بعدهما السياسي. ما انتقدته هنا لا يعني أنني أوافق أن الصراع كان طائفيًا أو أصبح كذلك، أو أن الأسلمة أصبحت أساسية، بل أقصد أن هناك مشكلات طائفية تراكمت، وتتطلب حلولًا متعدّدة، ليتم تجاوزها.
رابعًا: ما زالت الوثيقة تعوّل على القرارات الدولية التي أكدت ضرورة تشكيل نظام جديد، يكون شراكةً من النظام والمعارضة، وتبني رؤيتها للحل وللمرحلة الانتقالية وفقًا لها. والسؤال: هل بعد مؤتمرات أستانة وسوتشي، وتغيّر الأولويات الدولية و"التصالح" الإقليمي والدولي مع النظام، يمكن الاعتماد على هذه القرارات في انتقال سورية نحو الديمقراطية؟
أصابت الوثيقة في ضرورة إيلاء المسألة النظرية أهمية كبرى لفهم الوضع السوري، وفي ضرورة تشكيل تجمعات وطنية ديمقراطية من السوريين، وأينما كانوا؛ وهذا سيطرح آلياتٍ جديدةً للعمل السياسي السوري، باعتبار سورية أصبحت محتلة ونظامها تابعًا.
في كل الأحوال، يؤمل أن تثير الورقة نقاشًا واسعًا، وهذا أيضاً مما لا أراه سيتحقق، نظرًا إلى الانقسامات السورية الشديدة، والتي لم تدفعهم، حتى اللحظة، إلى وعي كارثية الوضع. وربما يتطلب وضعنا المأساوي هذا وقتًا إضافيًا، لتشكيل حركة وطنية ديمقراطية، تساهم في نقل سورية نحو واقع جديد، وبما يحقق مصالح كل السوريين.
تشتمل الوثيقة على انتقادات جيدة للقوى السياسية المعارضة ورؤيتها للسياسة، فترى أن وظيفة هذه "المعارضة" تتحدّد بمنع قيام بديل سياسي معارض لتمثيل الثورة. ويطاول النقد أيضا الفصائل المسلحة، وترى أنها أصبحت تعيق تشكيل جيش وطني بديل. وتجزم الوثيقة بأن استقرار سورية يعتمد على حلّ دولي، طرفاه روسيا وحلفاؤها وأميركا وحلفاؤها، لكن ذلك غير ممكن قبل زوال القيادات الأولى للنظام، سياسيًا وأمنيًا، واستبدالهم بقياداتٍ منه، لم يكونوا والغين في القتل والتدمير، وهذه الإزالة شرط ضروري للبدء بالاستقرار والانتقال إلى السلم الأهلي.
ما لا أراه صحيحًا في الوثيقة، وقد بُنيت عليه، يتحدّد بعدة قضايا:
أولًا، بشأن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية: هناك عدة تعاريف في الوثيقة، منها "رهان مجتمعي"، وثورة من أجل "الحرية والكرامة، ومحاربة الفساد، ومن أجل الديمقراطية". وتنتمي كل هذه التعريفات إلى رؤية المعارضة قبل الثورة، أي لم تلحظ الوثيقة الواقع بكلّيّته ما قبل لحظة الثورة. الثورة كما أرى حدثت ضمن شروط عربية، وشروط داخلية تكثّفت، لكنها تمّت في لحظةٍ تاريخيةٍ محدّدة، وهي شروط تعميم الليبرالية الجديدة؛ فالطبقة الوسطى باتت مهدّدة بالانهيار، بينما انهارت الطبقات الدنيا خصوصا في الأرياف، وتخلت الدولة عن تقديم الدعم والمكتسبات الاجتماعية، سيما ما يتعلق بمجانية التعليم والطبابة، وتزايدت أسعار المواد الأساسية والضرائب على المفقرين..؛ فكانت الثورات. لا يمكن حصر الثورة في سورية أو البلدان العربية بالجانب السياسي، وأنّها ردٌّ على الاستبداد ومن أجل الحرية. ألم يكن الاستبداد جاثمًا في سورية منذ سبعينيات القرن الماضي مع تأسيس دولة "الحركة التصحيحية"؟، فلماذا لم تحدث الثورة، وكذلك لماذا أخذ الاحتجاج السياسي، والمرتبط بالعسكري، في الثمانينيات الصبغة الإسلامية، ثم ألم تكن هناك معارضة ديمقراطية وماركسية، وأودعت السجون ولم تتحقق الثورة؟ ثورة 2011 هي ابنة شرط تاريخي جديد، وتهدف إلى إيقاف السياسات الليبرالية أولًا، وطبعًا هي تريد الوصول إلى الحريات والحقوق السياسية، وتغيير السلطة، بل وإسقاطها.
في سورية المعقّمة من أي تعبير سياسي كان يستحيل الذهاب نحو رؤية اقتصادية للثورة، مناهضة لليبرالية الجديدة، بل لم يتم التفصيل بطرح الحريات والحقوق السياسية إلا بالتدريج، ومع تطور الثورة ذاتها. ويشكل رفض تيارات من المعارضة توضيح ذلك، واختصار الأمر بإسقاط النظام، انقلابًا على الثورة، واعتمادًا على الخارج، كما أوضحت الوثيقة.
ثانيًا: تحمّل الوثيقة المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مسؤولية كبيرة في تفشيل الثورة، وهذا صحيح، وتنتقل بعدها إلى تحميل الحركات الإسلامية المتطرّفة (جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية) مسؤولية كبيرة في تشويه الثورة، وهذا صحيح. ما كان يفترض أن تصوّب الوثيقة عليه هو دور القوى التي شكّلت المجلس والائتلاف، فهي من قاد الثورة في سنواتها الأولى، وهي من لم تسع إلى تطوير (وضبط) الثورة وقواها، ورفضت كل الانتقادات التي حاولت تصويب رؤيتها! ضمن هذه القوى، لعب الإخوان المسلمون دورًا مركزيًا في إفشال المعارضة، وبالدرجة الثانية قوى إعلان دمشق، وهذا يجب توضيحه، ليتم تحميل المسؤولية عن تغييب المشروع الوطني الديمقراطي، وغياب حركة موحدة لفصائل الجيش الحر، وكذلك إقامة علاقاتٍ متينةً مع دول إقليمية، وليس عبر المجلس الوطني و"الائتلاف" مرجعية وحيدة للعمل السياسي المعارض، ومنذ 2011.
ثالثًا: لم تقطع الوثيقة في الموقف من الأكراد، فتارة يكون الحديث عن وطن سوري للجميع، ويكون لكل أصحاب الأديان والقوميات الحقوق نفسها، ولكن على الأرض السورية. وحين يتم الحديث عن حق تقرير المصير، يتم تخصيص فقرة عن الأكراد، وأن للأكراد الحق باختيار مستقبلهم كما يشاؤون، وهنا يغيب الاشتراط على الأرض السورية. يجب إزالة هذا التناقض بشكل كامل؛ فسورية دولة للجميع، وكل مشاريع القوميات يجب ألا تتعدى الوطنية السورية الجامعة، كما ترغب الوثيقة. طبعًا هذا لا يعني في أي حال أن سورية أصبحت وطنًا قوميًا للسوريين، فهذا غير صحيح بالكامل، حيث لمستُ أن الوثيقة تكاد تماهي بين الوطني والقومي.
تتحدّث الوثيقة عن "نقص الاندماج" في الهوية الوطنية، وأن النظام استغل ذلك، وباعد بين السوريين على أساس الطوائف والأديان والقوميات؛ لكن الوثيقة ترى أن الأسلمة ليست سوى قشرة أُلصقت بالسوريين، أي يمكن إزالتها بسهولة ما دامت قشرة! لا أتفق مع الوثيقة بشأن نقص الاندماج، فهذا يعني أن الماضي القديم، وحينما كان البشر يُعرّفون أنفسهم بالأديان والطوائف، هي السبب والمشكلة، وقد استثمر فيها النظام وأفسد الثورة، وبالتالي يتحمّل الماضي المسؤولية الأساسية، وهي حجةٌ يمكن للنظام نفسه استخدامها بالقول: إن الشعب فيه نقص في
في سورية، لا يمكن نقاش نقص الاندماج بسبب الماضي، بل يجب دراسته عبر سياسات النظامين، الحالي والسابق، وقبل الخمسينيات وبعدها. قصدت أن سياسات الدولة السورية كانت تتقصد إبقاء البنية القديمة، وتعيد إنتاجها بما يتناسب معها. كان هذا الأمر يتم عبر آلية تشكيل نظام الحكم، وكذلك عبر آليات الإنتاج الزراعية والتجارية الأساسية، وبدرجة أقل الصناعية. وبالتالي، لم يتم تبني سياسات عامة للدولة، بما يكرس بنية اجتماعية جديدة، وتقوم وفق مبدأ المواطنة، وهذا أدى إلى إعادة إنتاج البنية الاجتماعية القديمة، وبما يتناسب مع تلك السياسات. تتكلم الوثيقة عن نقص الاندماج، ثم عن أن الأسلمة مجرد قشرة طارئة، ومرة ثالثة تتكلم عن روابط وطنية اغتنت بالتنوعيْن، الديني والقومي، أليس في هذا القول تناقض؟ تفسير ذلك يكون عبر القول إن الأسلمة والطائفية مرتبطتان بسياسات الحكم، وليست قضية قديمة، وأيضًا لا يمكن، بعد تعقّد الوضع السوري، اعتبار الأسلمة قشرة، بل الحقيقة أن الأسلمة والطائفية أصبحتا قضيتين تتطلبان جدية كبيرة لتجاوز بعدهما السياسي. ما انتقدته هنا لا يعني أنني أوافق أن الصراع كان طائفيًا أو أصبح كذلك، أو أن الأسلمة أصبحت أساسية، بل أقصد أن هناك مشكلات طائفية تراكمت، وتتطلب حلولًا متعدّدة، ليتم تجاوزها.
رابعًا: ما زالت الوثيقة تعوّل على القرارات الدولية التي أكدت ضرورة تشكيل نظام جديد، يكون شراكةً من النظام والمعارضة، وتبني رؤيتها للحل وللمرحلة الانتقالية وفقًا لها. والسؤال: هل بعد مؤتمرات أستانة وسوتشي، وتغيّر الأولويات الدولية و"التصالح" الإقليمي والدولي مع النظام، يمكن الاعتماد على هذه القرارات في انتقال سورية نحو الديمقراطية؟
أصابت الوثيقة في ضرورة إيلاء المسألة النظرية أهمية كبرى لفهم الوضع السوري، وفي ضرورة تشكيل تجمعات وطنية ديمقراطية من السوريين، وأينما كانوا؛ وهذا سيطرح آلياتٍ جديدةً للعمل السياسي السوري، باعتبار سورية أصبحت محتلة ونظامها تابعًا.
في كل الأحوال، يؤمل أن تثير الورقة نقاشًا واسعًا، وهذا أيضاً مما لا أراه سيتحقق، نظرًا إلى الانقسامات السورية الشديدة، والتي لم تدفعهم، حتى اللحظة، إلى وعي كارثية الوضع. وربما يتطلب وضعنا المأساوي هذا وقتًا إضافيًا، لتشكيل حركة وطنية ديمقراطية، تساهم في نقل سورية نحو واقع جديد، وبما يحقق مصالح كل السوريين.