08 نوفمبر 2024
في وحدة دمائنا ومصابنا وعدونا
إن أردتَ دليلاً يضاف إلى أدلة تردّينا أخلاقياً كأمة توصف بـ"العربية"، فما عليك إلا أن تتابع النقاش الذي يجري، كثيرا، بين بعض الفلسطينيين وبعض السوريين، ومن حولهم، بشأن أي الجرحين أولوية لنا اليوم، وأيهما أكثر غوراً. نقاش تشتم فيه رائحة العفونة والعنصرية، وفوق ذلك الغباء، فأصحاب هذا اللامنطق يفترضون أن جراحاتنا منعزلٌ بعضها عن بعض. إنهم يمارسون حرفة تمزيق الجسد العربي فوق تمزّقه، ويفرّقون بين أعداء هذه الأمة على أساس هويتهم، لا صنيعهم. والأدهى أنهم يفترضون أن التعاطف إن أغدق على طرفٍ مظلومٍ، فإنه ينتقص من التعاطف مع طرفٍ آخر مظلوم كذلك. حتى الضحايا نفرّق بينهم على أرضية موطنهم وجنسياتهم! أيّ سقوطٍ بعد هذا، وأي عار يجللنا، كعرب تائهين سائبين!
ما يجري في سورية اليوم، وكذلك في العراق، وليبيا، واليمن، وفلسطين.. إلخ، كلها عوارض أزمة أمة فاقدة للوزن والغاية. أمة بلا مشروع ولا رؤية، وبالتالي، لا ينظر لها أحد في هذا العالم باحترام. نحن جسدٌ ضعيفٌ مهلهلٌ ومنخور، وبالتالي، فإنه أصبح مرتعاً لكل الفيروسات القاتلة، سواء أكانت "عربية" أم أجنبية. ولا فرق هنا بين جريمةٍ يرتكبها طاغية عربي باسم الدكتاتورية، أم دولة إقليمية باسم الطائفية، أم قوة أجنبية باسم الاحتلال والسيطرة. لا فرق، فالدماء المسفوكة كلها دماؤنا، وكل روح تزهق بفعل العدوان، المحلي أم الأجنبي، هي روح بريئة.
في حلب أو في الموصل اليوم، مثلاً، تجد قائماً تحالفاً مربع الأضلاع مدنّس على دمائنا، وهم لا يجتمعون إلا علينا. تجد قوىً أجنبية، كأميركا وروسيا وإسرائيل، مع أخرى إقليمية طائفية، إيران تحديداً ووكلائها، متحالفة مع أنظمة عربية مجرمة، وتعينهم، بشكل غير مباشر، على تأدية مهمتهم تيارات عنف متشددة تُحْسَبُ علينا. ولمن لم يستوعب الدرس بعد، فليتابع التقارير عن دعم نظام الانقلاب في مصر نظام بشار الأسد في سورية ومليشيات خليفة حفتر في ليبيا. نظام عبد الفتاح السيسي ما هو إلا واحد من أنظمة عربية كثيرة تدعم أنظمة عربية أخرى مجرمة في سحق شعوبها، ذلك أنهم، في المحصلة، في مركب واحد، مهما اختلفت أجنداتهم وولاءاتهم.
في خضم هذه الفوضى التي يتفرق فيها الفرقاء على كل شيء، ولا يلتئم شملهم إلا علينا، تجد
إسرائيل قاسماً مشتركا في استنزاف المنطقة وإنهاكها، فهي طرفٌ أساسٌ في حلف العدوان على أمتنا. تدرك إسرائيل أنها كيانٌ غير طبيعي في سياق المنطقة وفضائها، وهي تعلم أنه لا يمكن لها أن تستمر في الحياة، إن تعافى هذا الجسد الممزّق واستعاد صحته وعافيته. ولذلك، كانت إسرائيل هي محامي الدفاع عن الانقلاب في مصر، والذي لم يتردّد في ردِّ جميلها عليه بمضاعفة حصار قطاع غزة وخنقه أكثر، وفي العبث بالقضية الفلسطينية وإنهاكها لإرغام أهلها على التسليم بالشروط الإسرائيلية. إنه نظام السيسي الذي يتحالف مع إسرائيل في فلسطين المحتلة، ويتحالف مع روسيا وإيران في سورية، ويخذل السعودية والحكومة الشرعية في اليمن. ولكن إسرائيل التي تدعم نظام السيسي لا تدعمه لتقوية مصر، بل لإضعافها وإجهاضها، فقوة نظام طغيان تعني ضعف الدولة. ولذلك، ليست عبثا المحاولات الإسرائيلية المستمرة لحصار مصر أفريقياً.
إسرائيل هي مبضع التمزيق الأساس في المنطقة، فعلتها في العراق من قبل، ولا زالت، ويداها ليستا نظيفتين في سورية، كما يتوهم بعض السوريين المنكوبين بنظامهم. المشكلة أنه، في
الوقت الذي يتجند فيه بعض قليل من المعارضين السوريين لتبرئة ساحة إسرائيل في سورية، فإن النظام يدرك أهمية إسرائيل في تثبيت المعادلة الداخلية أو تغييرها، فتراه حاول مغازلتها مرارا، واليوم، تقوم روسيا بدور الوسيط بينهما. ولا يتردّد مسؤولون كثيرون في الدولة العبرية بالقول إن سورية تحت نظام الأسد الضعيف أفضل لإسرائيل. وحتى ذلك الحديث عن اقتراب الخطر الإيراني من حدودها مبالغٌ فيه، فسورية اليوم تحت الوصاية الروسية، وهم أنفسهم من سهّل غير مرة للطيران الحربي الإسرائيلي قصف مليشيات حزب الله فيها، ليفهم أن زعم حسن نصر الله أن الطريق إلى القدس يمر عبر مدن وبلدات سورية لن يتحقق يوماً. أبعد من ذلك، تضغط إسرائيل منذ أشهر على الولايات المتحدة، للإقرار بقانونية ضمها مرتفعات الجولان المحتل، على أساس أنه لم تعد ثمة سلطة شرعية وطنية قائمة في سورية اليوم.
يرى نظام الطغيان العربي في القوى الأجنبية، وفي مقدمتها أميركا وروسيا، وإيران وإسرائيل، مع تفاوتٍ في المقاربات والأطراف، حلفاء. كما أن تلك الأطراف الأجنبية ترى في أنظمة الطغيان العربي، وجماعات التشدّد الهوجاء أحصنة طروادة للتسلل إلى عمقنا، وتدمير مناعتنا جميعا. ولمن سيقول إن وضع إيران في خانةٍ واحدةٍ مع إسرائيل فيه تعسّف، فإن الرد عليه يكون بتذكيره بما ترتكبه إيران من جرائم في سورية والعراق، وابتزازها المقاومة الفلسطينية في غزة، جرّاء رفضها دعم عدوانها في ذَيْنِكَ البلدين، وغيرهما.
باختصار، نكبتنا في حلب والموصل اليوم، لا تفرقان ولا تقلان عن نكبتنا في غزة أو صنعاء أو بنغازي أو القاهرة، إلخ. وكل من يحاول أن يحدث شرخا بينهما، وأن يعلي من شأن قدسية دماءٍ على أخرى، فإنما هو متواطئ فيها. دمنا واحد، ومصابنا واحد، وعدونا واحد، ومصيرنا واحد. هذا قدرنا شئنا أم أبينا.
ما يجري في سورية اليوم، وكذلك في العراق، وليبيا، واليمن، وفلسطين.. إلخ، كلها عوارض أزمة أمة فاقدة للوزن والغاية. أمة بلا مشروع ولا رؤية، وبالتالي، لا ينظر لها أحد في هذا العالم باحترام. نحن جسدٌ ضعيفٌ مهلهلٌ ومنخور، وبالتالي، فإنه أصبح مرتعاً لكل الفيروسات القاتلة، سواء أكانت "عربية" أم أجنبية. ولا فرق هنا بين جريمةٍ يرتكبها طاغية عربي باسم الدكتاتورية، أم دولة إقليمية باسم الطائفية، أم قوة أجنبية باسم الاحتلال والسيطرة. لا فرق، فالدماء المسفوكة كلها دماؤنا، وكل روح تزهق بفعل العدوان، المحلي أم الأجنبي، هي روح بريئة.
في حلب أو في الموصل اليوم، مثلاً، تجد قائماً تحالفاً مربع الأضلاع مدنّس على دمائنا، وهم لا يجتمعون إلا علينا. تجد قوىً أجنبية، كأميركا وروسيا وإسرائيل، مع أخرى إقليمية طائفية، إيران تحديداً ووكلائها، متحالفة مع أنظمة عربية مجرمة، وتعينهم، بشكل غير مباشر، على تأدية مهمتهم تيارات عنف متشددة تُحْسَبُ علينا. ولمن لم يستوعب الدرس بعد، فليتابع التقارير عن دعم نظام الانقلاب في مصر نظام بشار الأسد في سورية ومليشيات خليفة حفتر في ليبيا. نظام عبد الفتاح السيسي ما هو إلا واحد من أنظمة عربية كثيرة تدعم أنظمة عربية أخرى مجرمة في سحق شعوبها، ذلك أنهم، في المحصلة، في مركب واحد، مهما اختلفت أجنداتهم وولاءاتهم.
في خضم هذه الفوضى التي يتفرق فيها الفرقاء على كل شيء، ولا يلتئم شملهم إلا علينا، تجد
إسرائيل هي مبضع التمزيق الأساس في المنطقة، فعلتها في العراق من قبل، ولا زالت، ويداها ليستا نظيفتين في سورية، كما يتوهم بعض السوريين المنكوبين بنظامهم. المشكلة أنه، في
يرى نظام الطغيان العربي في القوى الأجنبية، وفي مقدمتها أميركا وروسيا، وإيران وإسرائيل، مع تفاوتٍ في المقاربات والأطراف، حلفاء. كما أن تلك الأطراف الأجنبية ترى في أنظمة الطغيان العربي، وجماعات التشدّد الهوجاء أحصنة طروادة للتسلل إلى عمقنا، وتدمير مناعتنا جميعا. ولمن سيقول إن وضع إيران في خانةٍ واحدةٍ مع إسرائيل فيه تعسّف، فإن الرد عليه يكون بتذكيره بما ترتكبه إيران من جرائم في سورية والعراق، وابتزازها المقاومة الفلسطينية في غزة، جرّاء رفضها دعم عدوانها في ذَيْنِكَ البلدين، وغيرهما.
باختصار، نكبتنا في حلب والموصل اليوم، لا تفرقان ولا تقلان عن نكبتنا في غزة أو صنعاء أو بنغازي أو القاهرة، إلخ. وكل من يحاول أن يحدث شرخا بينهما، وأن يعلي من شأن قدسية دماءٍ على أخرى، فإنما هو متواطئ فيها. دمنا واحد، ومصابنا واحد، وعدونا واحد، ومصيرنا واحد. هذا قدرنا شئنا أم أبينا.