قائد الجيش الجزائري: نرفض إقحام المؤسسة العسكرية بمتاهات سياسية

26 يوليو 2018
قايد صالح طالب بإبعاد الجيش عن الشأن السياسي(العربي الجديد)
+ الخط -
رد قائد أركان الجيش الجزائري على دعوات وجهتها أطراف سياسية إلى المؤسسة العسكرية لرعاية توافق سياسي، ومرحلة انتقالية في البلاد، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة العام المقبل 2019، في حين سارعت حركة "مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر)، للرد.

وقال قائد الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، في حفل أقيم لتكريم طلبة المدارس العسكرية: "لقد أصبح غريبًا وغير معقول مع اقتراب كل موعد واستحقاق انتخابي، وعوض أن يتم الاهتمام بالعمل على كسب ثقة الشعب الجزائري من خلال الاهتمام بانشغالاته الملحة بعمق، أن نرى بعض الأشخاص وبعض الأطراف يبتعدون عن صلب الحنكة السياسية"، بسبب دعوة الجيش إلى المشاركة في الشأن السياسي.

وكان قايد صالح يرد على مبادرات أطلقتها فعاليات وقوى سياسية تستدعي الجيش للمشاركة في ما تعتبره هذه الأطراف صياغة توافقات سياسية لمرحلة انتقالية، كان آخرها المبادرة التي تطرحها حركة "مجتمع السلم" التي تتضمّن لعب الجيش دور الراعي لتوافق سياسي وطني يبدأ بالانتخابات الرئاسية العام المقبل، والاتفاق على مرشح رئاسي ورئيس حكومة وخطوات سياسية أخرى.



وقال قائد الجيش الجزائري: "في هذا الشأن، لقد سبقت لي الإشارة والتوضيح بإلحاح شديد في العديد من المناسبات أن الجيش هو جيش يعرف حدود وبل نقاط مهامه الدستورية، التي لا تسمح بأي حال من الأحوال بإدخاله وإقحامه في متاهات سياسية لا ناقة له فيها ولا جمل".

في المقابل، أكد بيان صدر عن حركة "مجتمع السلم" أن الأخيرة "لا تشعر بتاتاً بأنها معنية بهذا الرد، لأنها لم تدع لتدخل الجيش، بل تحدثت عن أن دور المؤسسة العسكرية في التوافق الوطني هو المساهمة في ضمان حماية التوافق إذا حصل بين الجزائريين، وهو التوجه الذي ضمّنته الحركة نصًا وروحًا في العديد من المبادرات السياسية السابقة كلما شعرت بضرورة اجتماع وتوافق الجزائريين منذ نشأتها".

واتهمت الحركة بعض الأطراف بالانخراط في الجدل السياسي حول دور الجيش، معتبرة أن "بعض المتفاعلين الحزبيين والسياسيين هم الذين دخلوا في المناكفة الحزبية حول قضية دور الجيش".

كذلك، أعلنت "مجتمع السلم" أنها "تؤيد هذا التصريح"، واعتبرته "توجهًا حضاريًا يحقق المصلحة الوطنية، ونأمل أن يكون قطيعة نهائية عملية مع ممارسات مراحل سابقة كان التدخل فيها واضحًا ومعلومًا يعرف الجميع تفاصيله، وصرّح به علانية بعض قادة أحزاب الموالاة مرات عدة".

وعبّرت الحركة عن أملها في أن "تتوقف بعد هذا التصريح المزايدات باسم المؤسسة العسكرية، وألا يُقحم الجيش فعلًا في خطاب المناكفات السياسية بين الأحزاب والشخصيات، وألا يضع أحد في الساحة السياسية والإعلامية نفسه ناطقًا باسمه".


وفي حين لم يسمّ المسؤول العسكري الجزائري الأطراف التي يتهمها بالتدبير لإثارة الفوضى في البلاد، إلا أنّ المراقبين يعتبرون أن أكثر من طرف معني برسائل قائد الجيش، بينها أطراف في السلطة والكارتل المالي وجهات سياسية.

ورأى مراقبون في هذه التصريحات أنها دعم من الجيش لبوتفليقة، ولأي خيار سياسي يقرره بشأن الاستمرار في الحكم بمناسبة الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع العام المقبل 2019.

وقال المحلل السياسي عبد السلام عليلي: "إن تصريحات قائد الجيش هي تجديد لمواقف داعمة للرئيس بوتفليقة، ومحاولة صد أية محاولات سياسية أو تحركات من قبل أطراف داخل السلطة نفسها بشأن الخيارات المقررة في 2019، والانقلاب على سلطة الرئيس بوتفليقة باستغلال الفراغ والغموض القائم".


وفي شهر فبراير/ شباط 2017، كان قائد أركان الجيش نفسه قد طالب القوى السياسية بإبعاد الجيش عن أي سجال سياسي، كما ذكر في شهر مايو/ أيار 2017، عشية الانتخابات البرلمانية، أن الجيش لا علاقة له بالشأن السياسي والانتخابات.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رد الجيش على دعوات لشخصيات سياسية معروفة، بينها وزير الخارجية الأسبق، طالب الإبراهيمي، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس، والناشط الحقوقي علي يحيى عبد النور، طالبت الجيش باتخاذ موقف إيجابي اتجاه مبادرات التغيير السياسي التي تطرحها قوى المعارضة.

وحذّر قائد أركان الجيش أطرافًا عديدة قال إنها "تحاول فرض وصايتها على الجيش والتحدث باسمه"، في إشارة منه إلى الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني"، جمال ولد عباس، الذي تحدث قبل يومين على لسان الجيش بشأن رفض الأخير الابتعاد عن التدخل في الشأن السياسي.

وأضاف "ليعلم الجميع أنه لا وصاية على الجيش، وهو يتلقى توجيهاته السامية من لدن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصفته رئيسًا للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة".



وتحاول قيادة الجيش الجزائري، في الفترة الأخيرة، إعطاء الانطباع بالابتعاد عن أي فعل سياسي، وابتعادها عن التدخل في رسم المسارات أو اختيار الرؤساء والحكومات كما كان في العقود الماضية، والقطيعة مع ممارسات المؤسسة العسكرية سابقًا، حيث كانت الطرف الأبرز في تحديد الخيارات وتسمية الرؤساء في سنوات 1963 مع الرئيس أحمد بن بلة، وفي انقلاب العقيد هواري بومدين عام 1965، ثم اختيار خليفته الشاذلي بن جديد عام 1979، ودفعه للاستقالة في يناير/ كانون الثاني 1992، واختيار رؤساء المرحلة الدامية تواليًا؛ محمد بوضياف وعلي كافي وليامين زروال، وصولاً إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة عام 1999.

واللافت أن بوتفليقة، ومنذ اعتلائه سدة الحكم، عمل على إبعاد الجيش عن صناعة القرار السياسي، عبر تفكيك الأذرع التي كان يتدخل عبرها الجيش في إدارة الشأن السياسي للبلاد، ونجح فعلًا في إبعاد رموز وصقور الجيش والاستخبارات، وأبرزهم قائد جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، الملقب بتوفيق، في سبتمبر/ أيلول 2015.