05 نوفمبر 2024
قاموسُ كلماتٍ وجنون
هنالك أوّلاً حكاية وضع قاموس أكسفورد الإنكليزي الشهير الذي ما زال يُعتبر أحد أكبر الإنجازات الثقافية العالمية، وقد ابتُدئ في تأليفه عام 1857، حين لم يكن للّغة الإنكليزية بعد أيّ معجمٍ جدير بهذا الاسم، لينتهي، بعد سبعين عاماً، إذ تضافرت جهود آلاف المتطوّعين لشرح كل كلمة، وتدعيمها بأمثلة وردت في أهم الأعمال الأدبية الإنكليزية، مع تبيان مختلف معانيها ومرادفاتها. وهنالك ثانياً قصّة الرواية التي صدرت عام 1998 بعنوان "جراح كراثورن: حكاية القتل والجنون وحبّ الكلمات"، التي يروي فيها المؤلف سايمون وينشستر، وهو كاتب وصحافي إذاعي بريطاني عُرف بأعماله التي تروي الرحلات والمغامرات، حكاية تأليف هذا القاموس الذي تطلّب وضعُه عدّة محاولاتٍ، قام بها آلاف المتطوعين، من دون أن يتمكّنوا من الاستمرار، أو من تحقيق إنجاز نوعيّ، إلى أن قرّر البروفيسور جيمس مورّاي، واضع القواعد الأولى لكتابة القاموس ومحرّرها، الاضطلاع بهذه المهمّة. أما ثالثا وأخيرا، فهناك الفيلم الأميركي، "البروفيسور والمجنون"، الذي عرض هذا العام بعد مرور عشرين عاما على حيازة الممثل ميل جيبسون حقوق الكتاب، والإضافات "الدرامية" التي ارتأى كتّاب السيناريو إضافتها، لكي تأتي مشوّقة للمشاهد العادي.
البروفيسور هو جيمس مورّاي (ميل جيبسون)، المدرّس والمصرفي الذي تولّى تحرير القاموس، وقد تمكّن من إقناع جماعة أكسفورد بمقدرته على تنفيذ هذه "المهمة المستحيلة" على حدّ قولهم، على الرغم من عدم نيْله أية شهادة جامعية، إذ اضطر إلى ترك الدراسة في الرابعة عشرة من عمره، بسبب فقر عائلته. لكنّ الرجل كان مولعا بالقراءة فتثقف بجهده، وأتقن عددا من اللغات القديمة، وامتهن أعمالا، من بينها التعليم والعمل مصرفيا في لندن.
بيد أن مورّاي سيتيقّن من استحالة إتمامه المهمّة، حين يباشر تحرير القاموس، بعد أن دعا الجميع إلى المشاركة فيه، إلى حين بدأت مساهمات الدكتور وليم ماينر تصل إليه عبر البريد، شارحةً آلاف الكلمات وسادّةً مئات الثغرات التي كان يعجز هو ومساعدوه عن ملئها... بقي الرجلان يتراسلان أكثر من عشرين عاما، من دون أن يلتقيا إطلاقاً، فكان مورّاي يكرّر دعواته إلى زيارته، فيما يعتذر الثاني عن تلبية الدعوات لهذا السبب أو ذاك، إلى أن قرّر محرّرُ القاموس التوجّه لزيارة صديقه، مباشرة بعد الاحتفال بصدور الجزء الأول من القاموس بحضور الملكة، واعتذاره أيضاً عن المشاركة.
عند بلوغه مدينة برودمور، يجد البروفيسور أن العنوان يشير إلى مستشفى كراوثورن، حيث يُعاد تأهيل القتلة المجانين، فيظنّ أن وليم هو حتماً مدير المستشفى، أو أنه موظف فيه. لكن المدير سيطلعه على الحقيقة المفاجئة. كان ماينر طبيباً جرّاحاً ومسؤولاً في الجيش الأميركي، وهو مسجونٌ في مستشفى الأمراض العقلية منذ أكثر من 37 عاماً، إثر ارتكابه جريمة قتل بحق رجل بريء صادفه في الطريق، تحت تأثير جنونه وهلوساته ورهابه من أيرلنديين يلاحقونه ليقتلوه. من غرفته في السجن، كان الطبيب، خرّيج جامعة ييل العريقة، متقن اللغات وقارئ الكتب القديمة، يعمل على جمع الكلمات وشروحاتها بطريقة منظّمة ومنهجية، ليثري القاموس بشكل كبير، وينسج علاقة استثنائية مع البروفيسور. على الرغم من هول المفاجأة، استمرت اللقاءات بين الرجلين سنوات طويلة، انتهت بتدخّل البروفيسور لدى الحكومة البريطانية، ليتمّ الإفراج عن صديقه، وإعادته إلى موطنه أميركا ليتعالج هناك.
اعتمد فيلم "البروفيسور والمجنون" القصة الحقيقية الرائعة بخيوطها الرئيسة. ولكن، وكما هي الحال مع السينما الأميركية، كان لا بدّ من رشّة ملح ورشّة دراما، فجُعلت للطبيب المجنون الذي تبرّع بمعاش تقاعده للأرملة المسكينة وأيتامها السبعة علاقة معها، وصلت إلى تعليمه إياها القراءة ووقوعه في غرامها، ووقوعها في غرامه، وحُوّلت زوجة البروفيسور إلى ملهمة ومساعدة. لكنه نسي أن يجعل معظم الشخصيات تكبر، فيما الوقت يمرّ، المجنونُ وحده يشيخ، والقاموس يتشكّل...
ومعناه، رجاءً لا تشاهدوا الفيلم إلا إذا كان محفّزاً لقراءة الكتاب.
بيد أن مورّاي سيتيقّن من استحالة إتمامه المهمّة، حين يباشر تحرير القاموس، بعد أن دعا الجميع إلى المشاركة فيه، إلى حين بدأت مساهمات الدكتور وليم ماينر تصل إليه عبر البريد، شارحةً آلاف الكلمات وسادّةً مئات الثغرات التي كان يعجز هو ومساعدوه عن ملئها... بقي الرجلان يتراسلان أكثر من عشرين عاما، من دون أن يلتقيا إطلاقاً، فكان مورّاي يكرّر دعواته إلى زيارته، فيما يعتذر الثاني عن تلبية الدعوات لهذا السبب أو ذاك، إلى أن قرّر محرّرُ القاموس التوجّه لزيارة صديقه، مباشرة بعد الاحتفال بصدور الجزء الأول من القاموس بحضور الملكة، واعتذاره أيضاً عن المشاركة.
عند بلوغه مدينة برودمور، يجد البروفيسور أن العنوان يشير إلى مستشفى كراوثورن، حيث يُعاد تأهيل القتلة المجانين، فيظنّ أن وليم هو حتماً مدير المستشفى، أو أنه موظف فيه. لكن المدير سيطلعه على الحقيقة المفاجئة. كان ماينر طبيباً جرّاحاً ومسؤولاً في الجيش الأميركي، وهو مسجونٌ في مستشفى الأمراض العقلية منذ أكثر من 37 عاماً، إثر ارتكابه جريمة قتل بحق رجل بريء صادفه في الطريق، تحت تأثير جنونه وهلوساته ورهابه من أيرلنديين يلاحقونه ليقتلوه. من غرفته في السجن، كان الطبيب، خرّيج جامعة ييل العريقة، متقن اللغات وقارئ الكتب القديمة، يعمل على جمع الكلمات وشروحاتها بطريقة منظّمة ومنهجية، ليثري القاموس بشكل كبير، وينسج علاقة استثنائية مع البروفيسور. على الرغم من هول المفاجأة، استمرت اللقاءات بين الرجلين سنوات طويلة، انتهت بتدخّل البروفيسور لدى الحكومة البريطانية، ليتمّ الإفراج عن صديقه، وإعادته إلى موطنه أميركا ليتعالج هناك.
اعتمد فيلم "البروفيسور والمجنون" القصة الحقيقية الرائعة بخيوطها الرئيسة. ولكن، وكما هي الحال مع السينما الأميركية، كان لا بدّ من رشّة ملح ورشّة دراما، فجُعلت للطبيب المجنون الذي تبرّع بمعاش تقاعده للأرملة المسكينة وأيتامها السبعة علاقة معها، وصلت إلى تعليمه إياها القراءة ووقوعه في غرامها، ووقوعها في غرامه، وحُوّلت زوجة البروفيسور إلى ملهمة ومساعدة. لكنه نسي أن يجعل معظم الشخصيات تكبر، فيما الوقت يمرّ، المجنونُ وحده يشيخ، والقاموس يتشكّل...
ومعناه، رجاءً لا تشاهدوا الفيلم إلا إذا كان محفّزاً لقراءة الكتاب.