انتهى الجدل الذي ساد البرلمان الإيراني خلال الفترة الماضية، بتصويت غالبية النواب، أمس الثلاثاء، على قانون "حفظ المنجزات النووية"، إذ وافق 213 نائباً من أصل 244 حضروا الجلسة العلنية التي عقدت أمس على البنود التفصيلية للقانون، والذي يهدف إلى دعم الوفد المفاوض وتعزيز موقفه ومنع تقديم تنازلات على طاولة الحوار مع الغرب، كما قال النواب المحافظون بغالبيتهم.
صاغت لجنة الأمن القومي، التابعة للبرلمان الإيراني، القانون الذي ينص بنده الأول على ضرورة إلغاء كل العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي بشكل كامل وفوري في اليوم الأول من تطبيق الاتفاق النووي المفترض الإعلان عنه مطلع يوليو/ تموز المقبل.
كذلك ينص بنده الثاني على السماح بالتفتيش المتعارف عليه دولياً للمنشآت النووية مع منع الدخول لأي من المنشآت والمواقع العسكرية الإيرانية أو حصول الغرب على أي وثائق أو السماح لهم بموجب الاتفاق بمقابلة أي من علماء البلاد النوويين. وينصّ البند الأخير على ضرورة عدم قبول أي شروط قد توقف البحث والتحقيق العلمي والنووي.
هذه البنود الثلاثة ألحقت بملاحظتين أضيفتا إلى الصيغة النهائية للقانون الذي تم إقراره، تنص الأولى على ضرورة تقديم الوفد المفاوض لكل تفاصيل المفاوضات النووية وتفاصيل الاتفاق بشفافية أمام النواب. أما الملاحظة الثانية فتنصّ على أن يقدم وزير الخارجية الإيراني، والذي يترأس الوفد المفاوض، تقريراً للبرلمان مرة كل ستة أشهر، يتابع فيه تفاصيل تطبيق الاتفاق ليؤكد التزام كل الأطراف بتعهداتها.
اقرأ أيضاً: استطلاع: صورة إيران في العالم.. عموماً سلبية
القانون الجديد جاء كخطوة احترازية قبل التوصل لاتفاق نووي، في وقت يعارض فيه عدد كبير من المحافظين المتواجدين في البرلمان وفي مؤسسات إيرانية أخرى طريقة سير المفاوضات. ويتخوف كثير منهم قبول الوفد المفاوض لدخول المفتشين الدوليين إلى بعض المواقع العسكرية الإيرانية.
وهنا تبرز النقطة الخلافية الأساسية، إذ إن اتفاق الإطار المعلن عنه من مدينة لوزان السويسرية في شهر أبريل/نيسان الماضي ينصّ على أنّ توقع إيران البروتوكول الإضافي من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية كجزء من الاتفاق النووي النهائي. يسمح هذا البروتوكول بتفتيش مباغت وفجائي للمنشآت النووية. كما يسمح بدخول منظّم ومشروط لبعض المواقع الأخرى، قد تكون منها مواقع عسكرية خصوصاً.
الموقف مما ينص عليه البروتوكول الإضافي، جاء بكل وضوح على لسان المفاوضين النوويين الإيرانيين، والذين يرفضون هم أيضاً التفتيش العشوائي للمراكز الحساسة الإيرانية، ولكنهم يدركون أن الدخول في البروتوكول قد يسمح بدخول مفتشين إلى أحد المواقع بعد تعيين موعد محدّد.
هذه النقطة قد تؤثر على طاولة الحوار بين إيران ومجموعة دول "5+1"، لكن قد يتم تجاوزها وتأجيل التفاوض حولها، لا سيما أنها تتعلق بشكل خاص بالتقارير التي قدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق، والتي نقلت تشكيكاً بإجراء تجارب تحاكي تفجيرات نووية في مواقع عسكرية إيرانية. إلا أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، قال في وقت سابق إن حل هذه النقطة غير ضروري حتى تاريخ 30 يونيو/حزيران الحالي، أي تاريخ انتهاء المفاوضات المحدّد. وهو الأمر ذاته الذي جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والذي اعتبر أنه من المهم ضمان تقييد نشاط إيران النووي مستقبلاً لا التدقيق على ما جرى في الماضي، مشيراً أيضاً إلى أن واشنطن على علم بكل تفاصيل البرنامج النووي الإيراني.
تعكس هذه التصريحات سعي جميع الأطراف إلى توقيع اتفاق نهائي مع إيران على الرغم من كل العقبات التي تعترض مسار المحادثات النووية. لكن قانون البرلمان الإيراني يفرض بالفعل عقبات هو الآخر، لا سيما أنّ البروتوكول الإضافي يجب أن يمرر عبر النواب وفق الدستور.
قد تكون الغاية من إقرار القانون، كما نقل رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، تعزيز موقف الوفد المفاوض على طاولة الحوار، ومنع تجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها اللجنة العليا للأمن القومي التي تشرف على ملف البلاد النووي. لكن البعض في الحكومة يرى في الأمر صراعاً سياسياً داخلياً بين المعتدلين والمتشددين.
هذا الأمر برز في تصريحات مستشار الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية، مجيد أنصاري، والذي اعترض علناً على القانون في قاعة البرلمان. كما اعتبر أنصاري، في حديث لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، أن القانون يخالف المادة 176 من الدستور الإيراني، والتي تنص على أن اللجنة العليا للأمن القومي هي التي تشرف على المفاوضات النووية، مشيراً إلى تدخل البرلمان في أمور من غير صلاحياته.
كذلك أكد مستشار الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية أنّ هذا القانون من شأنه أن يعقّد عمل المفاوضين الإيرانيين لا مساعدتهم، مذكراً بأنّ اللجنة العليا تعمل تحت إشراف المرشد الإيراني، علي خامنئي، والذي دعم المفاوضين وأشاد بعملهم ووثق بقدراتهم، بحسب تعبيره.
وعلى الرغم من وجود صراع سياسي بين مراكز صنع القرار في إيران، لكن يدرك الجميع أنّ إيران تسعى بجدية لتوقيع هذا الاتفاق، بما يصبّ لصالحها في النهاية ويلغي العقوبات الاقتصادية عليها بشكل رئيسي.
وفي السياق، اعتبر رئيس تحرير القسم السياسي لصحيفة إيران الحكومية، داوود محمدي، أنه على الرغم من هذه الصعوبات، إلا أنّ رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، لن يسمح بأن يؤثر الخلاف على طاولة الحوار وسيقوم بإجراء التنسيق اللازم بين البرلمان واللجنة العليا للأمن القومي، بما يصبّ لصالح الاتفاق في النهاية.
وأوضح داوودي، لـ"العربي الجديد" أنّ تعديل لاريجاني للملاحظتين الملحقتين بالقانون وعدم وجود مادة في الصيغة النهائية تنص صراحة على ضرورة تمرير الاتفاق النووي على النواب، على الرغم من أن بعضهم يتحدث عن أن الدستور ينص على تمرير كل الاتفاقيات على المجلس، أمر يشير إلى أن الاتفاق لن يخضع لهذه العثرات، وسيكون اتفاقاً تدعمه اللجنة العليا التي يشرف عليها خامنئي وسيوافق عليه الكل.
اقرأ أيضاً: قانون إيراني يزيد تعقيدات الاتفاق النووي