"أنتِ ضحيّة نظرة نمطيّة رأسمالية سوقيّة، أقنعتك أنّك قادرة على تغيير أحوالك بنفسك، بعيداً عن تغيير النظام وإسقاط المتحكّمين بكِ وبآخرين. بالتالي، حمّلت نفسك المسؤولية، وقد توهمت قسراً من المنظومة، أنّه في حال وجدت حلولاً لمشاكلك، ربّما تصير حياتك أفضل. في هذه الحالة، تصيرين مجرّد عنصر صغير جداً ضمن مشاكل الرأسماليّة. يعني في حال استطعتِ حل مشاكلك بنفسك، وهذا أمر نادر جداً، فلن تفكري إلّا في نفسك. لن تتمكنّي من التفكير بغير نفسك، ولن تكوني قادرة على التفكير بغيرك. على العكس، ستحملينهم المسؤولية بسبب وضعهم. وفي الوقت نفسه، كلّما ركزتِ على نفسك، تغافلتِ عن التعاون الأفقي مع آخرين في طبقتك نفسها لإسقاط النظام الرأسمالي وتحقيق المساواة بين البشر، الذي هو الحلّ لكلّ المشاكل، شرط أن يكون هناك نظام إنساني حقيقي، وليس أن يسرق النظام الشيوعي مشاعر الناس ويخنق أحلامها".
هكذا بدأ الحديث مع صديق وزميل عن أهميّة علم النفس، وإن كنّا في حاجة إليه حقاً. يؤمن بعضهم أن الأنظمة والمجتمع والبيئة مسؤولة عن تكويننا ومشاكلنا، من دون أن يكون لهذا دخل بالنفس والوعي واللاوعي. بل إنّ هذا العلم مجرّد وسيلة للهرب. وآخرون يفصلون بين ما نعانيه كأشخاص نتيجة عوامل كثيرة، وبين تأثير تقاعس الأنظمة عن تأمين حقوقنا البديهية. الحقّ في السكن على سبيل المثال يصير عبئاً على الطبقة المتوسّطة وما دون، وهذا وحده كفيل بتحقيق المعاناة.
وإن كان لدى كثيرين المعاناة نفسها، لكن تختلف طريقة تعاملهم مع المشكلة، وهذا بطبيعة الحال نتيجة تداعيات ما عاشوه اجتماعيّاً، وتداخله مع النفس. ولا يمكن رؤية النتيجة بأمّ العين. الخوف من الموت لن يحلّه مجتمع إنساني مثالي، حتّى أن بعض الدراسات أثبتت أنّ الأمر قد يتعلّق بالجينات. وقبل ذلك، عدم القدرة على مواجهة المشاكل، والشعور بوهن دائم بسببها.
مهما كان المجتمع إنسانيّاً، ولو بلغ الذروة، سيبقى هناك ما يُتعب الإنسان، ولهذا علاقة بما في نفسه، وما يخزّنه في وعيه ولاوعيه، وفي علاقاته مع الناس وتأثيرها عليه، وخيبات الأمل وغيرها. بعيداً عن أدوارنا ومبادراتنا وطموحاتنا في هذه الحياة، ثمّة "مستقبلات" تتولّى تخزين ما نتلقّاه فيها، سواء أكانت إنسانية أم لا.
ربّما أكون ضحيّة أمور كثيرة، منها النظام الرأسمالي، الذين لا يعطينا مجالاً للاسترخاء، خصوصاً إذا كنّا ننتمي إلى الطبقة التي اعتاد أن يدوسها ويمضي. لكنّ ثمة آخرين، مثلنا، أكثر قدرة على الاسترخاء أو التكيّف ريثما يحققون التغيير. وهذا ما يدفعني إلى نفض نفسي وحالي. لا يسعني انتظار الإنسانية.
اقــرأ أيضاً
هكذا بدأ الحديث مع صديق وزميل عن أهميّة علم النفس، وإن كنّا في حاجة إليه حقاً. يؤمن بعضهم أن الأنظمة والمجتمع والبيئة مسؤولة عن تكويننا ومشاكلنا، من دون أن يكون لهذا دخل بالنفس والوعي واللاوعي. بل إنّ هذا العلم مجرّد وسيلة للهرب. وآخرون يفصلون بين ما نعانيه كأشخاص نتيجة عوامل كثيرة، وبين تأثير تقاعس الأنظمة عن تأمين حقوقنا البديهية. الحقّ في السكن على سبيل المثال يصير عبئاً على الطبقة المتوسّطة وما دون، وهذا وحده كفيل بتحقيق المعاناة.
وإن كان لدى كثيرين المعاناة نفسها، لكن تختلف طريقة تعاملهم مع المشكلة، وهذا بطبيعة الحال نتيجة تداعيات ما عاشوه اجتماعيّاً، وتداخله مع النفس. ولا يمكن رؤية النتيجة بأمّ العين. الخوف من الموت لن يحلّه مجتمع إنساني مثالي، حتّى أن بعض الدراسات أثبتت أنّ الأمر قد يتعلّق بالجينات. وقبل ذلك، عدم القدرة على مواجهة المشاكل، والشعور بوهن دائم بسببها.
مهما كان المجتمع إنسانيّاً، ولو بلغ الذروة، سيبقى هناك ما يُتعب الإنسان، ولهذا علاقة بما في نفسه، وما يخزّنه في وعيه ولاوعيه، وفي علاقاته مع الناس وتأثيرها عليه، وخيبات الأمل وغيرها. بعيداً عن أدوارنا ومبادراتنا وطموحاتنا في هذه الحياة، ثمّة "مستقبلات" تتولّى تخزين ما نتلقّاه فيها، سواء أكانت إنسانية أم لا.
ربّما أكون ضحيّة أمور كثيرة، منها النظام الرأسمالي، الذين لا يعطينا مجالاً للاسترخاء، خصوصاً إذا كنّا ننتمي إلى الطبقة التي اعتاد أن يدوسها ويمضي. لكنّ ثمة آخرين، مثلنا، أكثر قدرة على الاسترخاء أو التكيّف ريثما يحققون التغيير. وهذا ما يدفعني إلى نفض نفسي وحالي. لا يسعني انتظار الإنسانية.