قبل أيام، تداول نشطاء على مواقع التواصُل الاجتماعي في الجزائر صوراً لهدم مبنىً أثري في مدينة وادي سوف، شرق الجزائر، والتي تُعرف باسم "مدينة ألف قبّة وقبّة"؛ حيثُ أظهرت الصُّور هدمَ قبّته بشكلٍ كامل، بينما ظلّت مئذنته منتصبةً في مكانها.
ودعا الناشط الثقافي، عمّار كسّاب، في منشور على حسابه في فيسبوك، السلطات الجزائرية إلى التوقُّف عن هدم المَعلم التاريخي وإنقاذ مئذنته، مطالباً بفتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤوليات في ما حدث.
وأشار كساب إلى أنَّ المنطقة التي يوجد المعلم الأثري بها محميةٌ بموجب المرسوم رقم 11-140 المؤرّخ في الثامن والعشرين من آذار/ مارس 2011، كما قال إنه سيُبلغ "منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) بما حدث، مذكّراً، في هذا السياق، بأنَّ الجزائر صادقت على اتفاقية حماية التراث الثقافي العالمي عام 1974.
من جانبه، نشر رئيس فرع "الجمعية الوطنية السياحية كنوز الجزائر" في وادي سوف، عبد الحميد براهيمي، مقالاً في صفحة الجمعية على فيسبوك، ذكر فيه أنَّ المبنى، الذي شُيّد في وسط المدينة عام 1943، يُمثّل معلماً تاريخياً شاهداً على الفنّ المعماري المغاربي الأندلسي خلال الفترة الاستعمارية، مضيفاً أنّه شُيّد بمواد بناء محلية تكاد تختفي اليوم، وأنه جزءٌ من محطّة القطار الذي كان يصل حتى مدينة الوادي في ما مضى.
بُنَي بنمطٍ أندلسي مغاربي عام 1943 وكان محطّة للقطار
وأردف: "بدل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والحضاري واستنساخه في كلّ بقاع مدينة وادي سوف، أصدر والي الولاية منذ مدّة استفتاءً شعبياً بغرض استشارة الناس، لا أهل الاختصاص والناشطين في مجال السياحة والتراث، في مسألة هدم الصومعة من عدمه، ثمّ أبدى المجلس البلدي الحالي لبلدية الوادي مع رئيسه الجديد بالنيابة نية هدم هذه الصومعة والقبّة الملتصقة بها، بحُجّة أنها تحجب واجهة المقرّ الجديد للبلدية الخالي من أيّ جمالية وليست فيه أيّة عناصر رمزية تُحيل إلى تاريخ المدينة".
وذكر براهيمي أنَّ مدينة وادي سوف ربما هي الوحيدة في العالم التي تحتوي على صوامع مختلفة عن الصوامع المعتادة في دور العبادة كالمساجد والكنائس أو أبراج الحصون والقلاع؛ ذاكراً في هذا السياق "صومعة البلدية"، و"صومعة الولاية القديمة"، و"صومعة دار الضياف"، و"صومعة البيرو"، و"صومعة أولاد أحمد"، مضيفاً أنّ المبنى هو كلّ ما تبقّى مِن المباني التي تجمع بين الأصالة والعراقة في المدينة، وأنّه أكثر ما يشدّ انتباه السيّاح فيها.
واعتبر براهيمي في منشوره أنّ "ثقافة هدم المعالم التراثية والوجه القديم للمدينة، التي ترسخت في ذهن المسؤول المحلي، تمثّل عملية طمس لهويتها الثقافية، وبتر واستئصال لكلّ ماله علاقة بالإرث التاريخي فيها".
ويبدو أنَّ الدعوات إلى إنقاذ ما تبقّى مِن المَعلم قد أتت بنتيجة أخيراً؛ إذ ذكرت وسائل إعلامية محلية، اليوم السبت، أنَّ وزارة الثقافة تدخّلت لوقف عملية الهدم، بعد تلقّيها شكاوى رسمية من جمعية "كنوز الثقافة".
وذكرت المصادر بأنَّ وزارة الثقافة أمرت، عبر "مديرية حفظ وترميم التراث"، مدير الثقافة بالنيابة في الولاية، بالتراجع عن موافقته السابقة التي دعم بها المجلسُ البلديُّ قرار الهدم وألزمته بتوجيه مراسلة ثانية للمجلس ذاته بوقف عملية هدم الصومعة، مع التنبيه بأنها معلم تاريخي يدخل ضمن منطقة تراثية محفوظة.
ونقلت صحيفة "الخبر" الجزائرية عن إبراهيمي قوله إنّ جمعيته شكّلت ملفّ شكوى حول القضية، مدعّماً بالأدلة والبراهين والمراسيم التنفيذية المانعة لهدم المعالم التراثية المادية، وأرسلته إلى وزارة الثقافة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من أجل التدخُّل للحيلولة دون هدم الصومعة التاريخية.
وكانت جرّافةٌ قد هدمت، في السادس عشر من آب/ أغسطس الجاري، القبّة الملتصقة بالصومعة في انتظار استكمال عملية هدم المعلم الأثري لاحقاً، بهدف تحويل مكانه إلى واجهة لمقرّ البلدية الجديد.
وإذا كان تدخُّل وزارة الثقافة قد حال دون هدم ما تبقّى من المبنى، فإنَّ الحادثة تذكّر بالوضع الذي تعيشه العديد من المعالم التاريخية في الجزائر، والتي تبقى عرضةً للهدم غالباً بسبب غياب التنسيق بين وزارة الثقافة والسلطات المحلية في ولايات البلاد. تنسيقٌ ربما كان سيمنع لو توفّر مِن فقد جزءٍ كبير من المبنى.