متى كانت المرة الأخيرة التي سمعت فيها نكتة حقيقية أضحكتك، وفي الوقت عينه أعطتك فكرة مختلفة أو مغزى من أيّ نوع؟ يندر مثل ذلك اليوم بحسب كثيرين، ولو أنّ غيرهم ينكر ذلك.
لعلّ برامج التنكيت التلفزيونية التي انتشرت قبل فترة على عدد من الشاشات اللبنانية خصوصاً، تمثل التأبين الأخير للنكتة في العالم العربي برأي الفريق الأول. فروح النكتة نفسها تندر في بيئتنا الراهنة دفعة واحدة. معظم النكات المنتشرة سخيف لا يصل حتى إلى مستوى التسمية. أما النكات الأكثر رواجاً فتغرق في الإسفاف اللفظي والإيحاءات الجنسية واللغة الإباحية الصريحة في كثير من الأحيان. تلك الإباحية تستغلها بالذات تلك البرامج، خصوصاً إذا كان نجم ما -نجمة على وجه التحديد- هو من يدلي بالنكتة.
أما النكتة السياسية والاجتماعية فتغيب تقريباً. وحين تظهر فهي تكرار ممجوج تتبدل شخصياته بتبدّل الزمن والدول والشخصيات والمسؤولين. فنكتة عن قائد أو زعيم ما، يبقى مضمونها كما هو مع تبديل اسم القائد والزعيم لا غير. نكتة لا تسرق ضحكة، أو حتى ابتسامة، من سامعها إلاّ بالكاد.
يخبر بعض العارفين أنّ مواطني بعض الدول العربية الكبرى في ستينات وسبعينات القرن الماضي خصوصاً، كانوا ذوي سرعة بديهة محترفة في إطلاق النكتة بحسب الموقف أمامهم. تلك النكتة الصادرة عن ألم وفقر وخيبة وهزيمة أحلام خصوصاً، والتي تحاول أن تضغط كلّ ذلك بمختلف تجلياته في فقرة بلاغية قصيرة، قد لا تتجاوز سطراً واحداً، أو حواراً مقتضباً، فتصنع منه قوة قادرة على الإضحاك وتقديم النقد ولو بعد مرور أجيال عليها.
حديثاً، تمكن اللبنانيون في سنوات التسعينات ومرحلة الوعود الاقتصادية، واستبعاد الكثير من الفئات لصالح فئات أخرى، من صنع نكاتهم المميزة. لكنّ تلك النكات غرقت في التمييز المذهبي والاستعلاء على كلّ من عداهم خارجياً وداخلياً. بلدان عربية أخرى استهدفت نكاتها أهل مدينة ما أو إقليم ما وانجرّت بالتالي بعيداً عن النقد السياسي - الاجتماعي.
مع كلّ ذلك، لا يجوز أن نطلق حكماً نهائياً في أنّ النكات الأصيلة لم تعد موجودة، أو أنّها لم تعد تضحِك، أو حتى فقدت دورها. فالبعض يقول إنّ الصور والرسومات والإدراجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثل البديل الحقيقي للنكات.. وأيقونات الضحك المتنوعة في التعليقات تشهد على ذلك. والبعض يؤكد أنّ تلك النكتة التي لم يضحك غيره عليها تضحكه. فالأمور تخضع للنسبية الاجتماعية في النهاية، وربما تجده يرويها مراراً وتكراراً ويضحك عليها وحده من دون أن ينتبه لعدم اهتزاز شفاه من يروي لهم نكتته. بل ربما لا ينتبه إلى تعليقهم: "قديمة وبائخة".
اقرأ أيضاً: يوم أم جمال العالمي