هيمنت الرسالة السنوية التي وجّهها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى البرلمان الروسي، أمس الأربعاء، على عناوين الصحافة الروسية الصادرة اليوم الخميس، وسط إبرازها شقَّي الخطاب الموجهَين إلى الداخل والخارج، ليجمع بين الوعود بتحسين مستوى معيشة الروس وإصدار رسائل شديدة اللهجة للخصوم في واشنطن.
وعلى الرغم من تأكيد بوتين نفسه، في بداية الرسالة، أنها ستتركز على القضايا الداخلية، إلا أنها لم تخلُ في نهايتها من استعراض الوضع حول انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وآخر مستجدات تطوير الأسلحة الروسية الجديدة، وحتى تلويح غير مسبوق بإمكانية توجيهها صوب الولايات المتحدة في حال نشوب تهديد.
وفي مقال بعنوان "بوتين حدد الأهداف الجديدة لسياسته النووية"، ذكرت صحيفة "فيدوموستي" أن "بوتين تحدّث في العام الماضي عن أحدث الصواريخ، وكشف عن وجهتها الآن"، في إشارة إلى خطاب العام الماضي الذي أعلن الرئيس الروسي خلاله عن اختبار صواريخ باليستية قادرة على اختراق جميع النظم الدفاعية.
ومع ذلك، أوضح الخبير العسكري قسطنطين ماكيينكو، أن روسيا لا تمتلك سوى خيارين جغرافيين لنشر صواريخ قادرة على الوصول إلى الأراضي الأميركية خلال فترة وجيزة، إما بمنصات بحرية وإما بمنطقة تشوكوتكا في شمال الشرق الأقصى الروسي، حتى يصل مداها إلى الشطر الغربي من الولايات المتحدة. وذكّر ماكيينكو بأن الاتحاد السوفييتي سبق له أن لجأ إلى كلا الخيارين في الثمانينيات، وذلك عن طريق إرسال غواصات نووية حملت صواريخ باليستية إلى السواحل الأميركية الشرقية وبدء أعمال إنشاء قاعدة صاروخية في تشوكوتكا من دون أن يتم استكمالها.
من جهته، أشار رئيس تحرير مجلة "ترسانة الوطن" العسكرية الروسية، فيكتور موراخافسكي، إلى أن أغلبية الأسلحة التي تحدّث عنها بوتين، في العام الماضي، هي أسلحة انتقامية تضمن القضاء على المعتدي مهما كانت تطورات الأحداث، مستبعدا في الوقت نفسه احتمال بدء الإنتاج المتسلسل لها. ونقلت "فيدوموستي" عن موراخوفسكي قوله: "سيتم إنتاج بضعة قطع من كل منها لتخويف العدو، وانتهى الأمر. أعتقد أنه لن يتم نشر صواريخ (أفانغارد) الباليستية العابرة للقارات على نطاق واسع، بل سيتم الاكتفاء بفرقة أو فرقتين ضمن قوات الصواريخ الاستراتيجية".
وعن الصعيد السياسي لوضع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في إطار خطاب بوتين، اعتبر الأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، فاسيلي كاشين، أن حصر الحديث عن العلاقات الروسية الأميركية في سياق الانسحاب من معاهدة الصواريخ، يدل على الانهيار الكامل للعلاقات، وفق اعتقاده.
وبدورها، وصفت صحيفة "كوميرسانت" خطاب بوتين بأنه تضمّن "عسكرة غير اعتيادية، حتى مقارنة برسالة العام الماضي، وتهديدات تجاه الولايات المتحدة لم يكن فلاديمير بوتين يسمح لنفسه بإبدائها من قبل".
من جانب آخر، تضمّن الشق الاقتصادي - الاجتماعي من رسالة بوتين تطمينات للمواطنين بشأن ارتفاع الاحتياطات الدولية الروسية التي باتت تغطي الديون الخارجية للبلاد كاملة، ووعودا بمكافحة الفقر ودعم العائلات وزيادة المواليد وتحسين أوضاع المتقاعدين، وغيرها من القضايا الداخلية الملحّة.
وفي مقال بعنوان "السلام للعالم والأموال للشعب أو أساليب جديدة لعلاج بوتين الاجتماعي"، اعتبرت المحللة السياسية الروسية، تاتيانا ستانوفايا، أن نجاح ديوان الرئاسة في إقناع بوتين بالعودة إلى الأجندة الداخلية جعل خطابه بمثابة "رد الكرملين على تراجع التأييد"، في إشارة إلى تهاوي شعبية بوتين بنسبة 20 في المائة تقريبا، على خلفية بدء إصلاح يقضي برفع سن التقاعد.
ومع ذلك، رأت كاتبة المقال، الذي نُشر بموقع مركز "كارنيغي" في موسكو، أن الرسالة جاءت "ردا سطحيا على مطالب المجتمع بالارتقاء بمستوى المعيشة"، مشيرة إلى أن "الإجراءات المعلنة ليست عودة إلى الاشتراكية أو انتقالا إلى نموذج اجتماعي اقتصادي جديد، بل هي محاولة لإخماد الاستياء بفوائض الموازنة"، على حد تعبيرها.
وكان بوتين قد وجّه، أمس، رسالته إلى البرلمان، للمرة الخامسة عشرة، إذ سبق له أن تولّى منصب رئيس روسيا خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2008، ثم شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام، قبل أن يعود إلى الكرملين مرة أخرى عام 2012.
يذكر أن استطلاعات الرأي تظهر، منذ ربيع 2018، تراجعا مستمرا لشعبية بوتين، إذ سجلت نسبة من يستحسنون أداءه تراجعا من 82 في المائة، في إبريل/نيسان الماضي، إلى 64 في المائة فقط حاليا، وفق أرقام مركز "ليفادا"، وهو نفس مستوى التأييد ما قبل ضم شبه جزيرة القرم، في مارس/آذار.