لكن هناك محللين يرون أن هذه القرارات تكتيكية وليست استراتيجية، والهدف منها هو منح شروط مفاوضات أفضل للقيادة الفلسطينية، عبر الضغط على حكومة الاحتلال والإدارة الأميركية لإنهاء الجمود في العملية السلمية. ويرى هؤلاء أن تنفيذ هذه القرارات يحتاج إلى تبنيها من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيسها محمود عباس، حتى تصبح قيد التنفيذ وليست مجرد قرارات من المجلس المركزي، فضلاً عن أن هناك حاجة قصوى للرقابة على تنفيذها من الفصائل الفلسطينية والشارع معاً.
اقرأ أيضاً: التنسيق الأمني والمدني: سرطان في الضفة الغربية
ولا يخفي مفوض العلاقات الخارجية في حركة "فتح" وعضو لجنتها المركزية، نبيل شعث، "أن الفلسطينيين باتوا يتوقعون الأسوأ من حكومة الاحتلال بعد قرارات المجلس المركزي". ويقول شعث في تصريحات لـ"العربي الجديد" "دخلنا في هذه المعركة رداً على ما تفعله حكومة الاحتلال بنا، ونتوقع الأسوأ من الإسرائيليين، مع التأكيد أننا لم نبادر بأنفسنا لهذه المعركة التي فرضها الاحتلال علينا".
ويوضح مفوض العلاقات الخارجية في حركة "فتح" أن الرئيس الفلسطيني في جولته في أوروبا أخيراً كان واضحاً عندما أخبر الأوروبيين أنه لم يعد هناك بديل أمام القيادة الفلسطينية سوى قطع العلاقة مع إسرائيل، لأن الأخيرة تصرّ على علاقة من جانب واحد بات ثمنها باهظاً بالنسبة للفلسطينيين، في ظل عدم التزام إسرائيل بجميع الاتفاقيات الموقعة معها". وحسب شعث، فإنه "بات هناك التزام فلسطيني من جانب واحد وهو مكلف، ولا يوجد لدينا مقابل، وليس من المعقول أن نبقى ننفذه وحدنا".
ومن المتوقع أن يبدأ عباس وشعث جولة أوروبية وعربية، للحصول على دعم للسلطة الفلسطينية لتفادي أي سيناريو سيئ من قبل الاحتلال قد تحمله الأيام المقبلة.
وحول بدء القيادة الفلسطينية بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، يؤكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، لـ"العربي الجديد" أن "هذه القرارات بدأت بشكل فوري تخرج لحيز التنفيذ، وهي قرارات ملزمة". ويضيف "يترتب على القرارات فعلياً عدم وجود تنسيق أمني على الأرض، وهذا ما حصل منذ اليوم، لأن التنسيق مع الاحتلال قد انتهى". وفيما إذا كانت السلطة الفلسطينية جاهزة لأي رد فعل إسرائيلي، يتساءل أبو يوسف "ما الذي سيفعلونه أكثر من ذلك"، قبل أن يشير إلى أن "السلطة مستعدة لأية احتمالات".
من جهتها، تلفت القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خالدة جرار، لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لم يتم الحديث عن توقيت تنفيذ قرارات المجلس المركزي". وتوضح أنه "على الرغم من ذلك، فإن القرارات نافذة وملزمة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية بمكوناتها".
وتشدد جرار على أن "هناك حاجة شديدة إلى الرقابة على تنفيذ قرارات المجلس المركزي. فحسب القانون، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هي المكلفة بمراقبة تنفيذ قرارات المجلس، وهناك حاجة اليوم إلى رقابة شعبية يمارسها الشارع الفلسطيني لضمان تنفيذ ما صدر من قرارات".
أما الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسام الصالحي، فيرى أن "الآلية التنفيذية للقرارات مرتبطة باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وأفترض أنه بأسرع وقت ستصبح نافذة".
وحول المخاوف من عدم تطبيق القرارات، يعتبر الصالحي في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن مجرد اتخاذ القرار هو الأهم، أي أن السلطة التنفيذية ومنظمة التحرير قررت وقف العمل بالتزامات السلطة نحو إسرائيل، أي أن جوهر القرارات يقوم على كسر التزامات السلطة نحو الاحتلال من جهة، ومن جهة ثانية تلبي مطلب الشارع الفلسطيني". كما يلفت الصالحي إلى أن "القرار اتخذ من أعلى هيئة سياسية فلسطينية، ولا يوجد أي مرجعية أخرى للمصادقة فوق هذا القرار. ولكن الأطراف الأخرى في منظمة التحرير والسلطة عليها أن تنفذ هذا القرار، لأن المجلس المركزي يُعتبر أعلى مرجع لمنظمة التحرير، وهي الجهة التي أبرمت الاتفاقيات مع إسرائيل".
وينفى الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني أن "يكون القرار تكتيكاً حتى تحصل القيادة الفلسطينية على شروط مفاوضات أفضل مع إسرائيل". ويشدد على أنه "لو لم يكن هناك استعداد لأخذ هذا القرار ربما لم يؤخذ من الأساس، لكن تم إقراره بالإجماع واختيارياً من قبل جميع القوى السياسية وبقناعة تامة، والقناعة به هي الرقيب الأول على تطبيقه".
وكانت مصادر قد أكدت لـ"العربي الجديد" أنه لولا دعم حركة "فتح"، سواء في الاقتراحات أو في صياغة البيان الختامي، ووضعها ثقلاً كبيراً لإنجاز البيان كما صدر متضمناً وقف التنسيق الأمني، لتعثر هذا القرار، على الرغم من إصرار بقية الفصائل الفلسطينية عليه.
ووفقاً للمصادر، فإن "دعم حركة فتح، وتحديداً صائب عريقات ومحمد اشتية، للقرار المتعلق بوقف التنسيق الأمني بشكل كبير جداً، أدى لإنجاح وصوله للبيان الختامي".
وفي السياق، يوضح الصالحي أنّ "قرارات المجلس المركزي تعكس رغبة جماعية فلسطينية لتغيير التزامات السلطة نحو إسرائيل، وتغيير شكل العلاقة القائمة بين السلطة وإسرائيل وإعادتها إلى الواقع الطبيعي، أن هناك شعباً ودولة محتلين من قبل إسرائيل، من دون أي تجميل للعلاقة، لذلك إما أن تنتهي هذه العلاقة باستقلال وطني وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني، أو لا يمكن أن تستمر السلطة في ظل احتلال".
لكن الخبير في الشؤون الإسرائيلية، علاء الريماوي، يرى أن ما جاء في البيان الختامي للمجلس المركزي "مجرد توصيات"، لافتاً إلى أنه "حتى تصبح فعلًا على الأرض يجب أن تقطع ثلاثة أشواط بثلاثة مستويات؛ أولاً قرار لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى يتبنى التوصية، إعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وثالثاً جعل القرار موقع تنفيذ".
ويعتبر الريماوي "أن الخطوة تكتيكية أكثر منها استراتيجية، لأن مسوغات القرار حسب المجلس المركزي تم ربطها بحجز أموال المقاصة والأفق السياسي".
وحسب الريماوي، "فإن السلطة الفلسطينية رمت هذه الكرة الملتهبة في حضن إسرائيل قبل الانتخابات، وفي حضن الإدارة الأميركية التي أظهرت بطئاً شديداً في السنتين الماضيتين، لإنهاء جمود عملية السلام، ولا سيما بعد فشل مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكل تحركاته في المنطقة التي لم تفض إلى أي نتيجة".
ويشير الريماوي إلى أن "التنسيق الأمني بات أعمق من مجرد قرار لإنهائه، وبنيته متجذرة بسبب ارتباطه بكينونة السلطة ووجودها، وعلاقتها مع الاحتلال القائمة على زاوية أساسية وهي التنسيق الأمني، والأهم أن لدينا الآن كيانات تربت على التنسيق الأمني، وهذه لن ينجح أي قرار بإطاحتها".
اقرأ أيضاً: "المركزي الفلسطيني" يقرر وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال