أثار إقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إرسال فريق خبراء دوليين للتحقيق بالانتهاكات في اليمن، جدلاً في الأوساط اليمنية، بين من نظر إلى القرار باعتباره انتصاراً لحملة مطالبات المنظمات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بعد سنوات من العراقيل التي واجهتها، وبين من اعتبره نجاحاً للدبلوماسية العربية (السعودية وحليفاتها)، والتي نجحت في إدخال تعديلات على مشروع القرار، لكنها فشلت عموماً في إحباط مشروع إرسال محققين لأول مرة، منذ تصاعد الحرب قبل نحو ثلاث سنوات.
ووصفت مصادر حقوقية يمنية مطلعة قريبة من أروقة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لـ"العربي الجديد"، صدور القرار بأنه مثّل اختراقاً مهماً في طريق تحويل دعوات التحقيق بالانتهاكات لحقوق الإنسان، إلى قرار بإرسال خبراء دوليين للتحقيق لأول مرة، معتبرة أن مشروع القرار، الذي تم إقراره في ختام الدورة الـ36 للمجلس، وعلى الرغم من التعديلات التي تم إدخالها، إلا أنها لم تقلل من أهمية الخطوة، التي انتصرت لكم هائل من المطالبات الحقوقية.
وكان لافتاً خلال اليومين الماضيين، أن الحكومة اليمنية الشرعية التي وقفت (سابقاً) بقوة لرفض مختلف دعوات تشكيل لجنة تحقيق دولية، وحشدت ومعها التحالف العربي المواقف والتبريرات لرفض تلك الدعوات، خرجت فور إقرار المشروع، بتأييدها الفوري، وصّورت القرار بصيغته الأخيرة، التي صدرت يوم الجمعة الماضي، بأنه "انتصار للدبلوماسية اليمنية والدبلوماسية العربية"، وفقاً لتصريحات وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي، الذي اعتبر أيضاً أن القرار يدعم "اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان"، الحكومية، مع "توفير خبراء دوليين وإقليميين"، بدعمها. فهل كان القرار بالفعل، انتصاراً للمعسكر الرافض للجنة الدولية أم العكس؟ أو أن الطرفين حققا الحد الأدنى من رغباتهما من خلال الصيغة الأخيرة للقرار؟
وفقاً لوثائق القرارات الثلاثة المقدّمة، بتشكيل لجنة تحقيق دولية (تقدّمت به هولندا)، وبدعم اللجنة الوطنية للتحقيق (تقدّمت به مصر عن المجموعة العربية)، ثم صيغة مشروع القرار التوافقي الأخير الذي تم إقراره، كان واضحاً أنه خلاصة دمج المشروعين السابقين، ومن خلاله استطاع كل طرف تحقيق ما يلي:
بالنسبة لعنوان وثيقة مشروع القرار الأساسية، اعتُمد في القرار، العنوان المقدّم من مصر الذي كان متضمناً دعم اللجنة الحكومية اليمنية (المدعومة من التحالف)، ويحمل عنوان "المساعدة التقنية وبناء القدرات في اليمن". وفي هذا الصدد، يقول أنصار الرأي المعارض للجنة الدولية، إن الجهود الدبلوماسية العربية، نجحت بجعل القرار "تحت البند العاشر" (مساعدة تقنية)، وليس البند الثاني، كما كان حاصلاً في مشروع "لجنة تحقيق دولية".
اقــرأ أيضاً
وفرضت الصيغة العربية، عدداً من بنودها التي كانت في المشروع السابق، لتدخل في القرار المتوافق عليه. ومن أبرز البنود في هذا المجال، البند الخامس الذي يدعو "جميع الأطراف في اليمن إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2216، الذي سيسهم في تحسين حالة حقوق الإنسان"، وبالتالي ترى الشرعية والتحالف أن الصيغة الأخيرة، تلتزم بالقرار الذي تعتبره الشرعية "شرطاً للحل"، وغطاءً للتدخل بقيادة السعودية في البلاد. وهناك عدد من البنود الأخرى، تذكر الحكومة اليمنية والتزاماتها، على نحو يعزز دعم أو وجود "الحكومة الشرعية" المعترف بها دولياً.
في المقابل، فإن جوهر القرار في الأصل، هو التحقيق الدولي بالانتهاكات، الذي كان ضمن مشروع قرار هولندا وعدد من الدول الأخرى. وعلى الرغم من محاولة الحكومة الشرعية تصوير التعديلات التي أدخلتها، والقرار الذي صدر، بأنه انتصار لها، إلا أن أهم ما جاء فيه، الانتصار بطريقة أو بأخرى لمطالب التحقيق الدولي. ومن أبرز التعديلات تحويل مطلب تشكيل "لجنة تحقيق دولية"، إلى "إنشاء فريق من الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين ذوي المعرفة بقانون حقوق الإنسان".
أما على صعيد محتوى الفقرات الخاصة بالفريق/اللجنة، فلم يطرأ تغيير جوهري، إذ يسند القرار إليها "رصد الحالة المتعلقة بحقوق الإنسان والإبلاغ عنها وإجراء دراسة شاملة لجميع الانتهاكات والاعتداءات المزعومة لحقوق الإنسان الدولية وغيرها من ميادين القانون الدولي المناسبة والتي ارتكبتها جميع أطراف النزاع منذ سبتمبر/أيلول 2014، بما في ذلك الأبعاد الجنسية المحتملة لهذه الانتهاكات، وتحديد الحقائق والظروف المحيطة بالانتهاكات والاعتداءات المزعومة، وتحديد هوية المسؤولين عنها، حيثما أمكن ذلك". كما نصّ القرار على "تقديم (اللجنة) توصيات عامة بشأن تحسين احترام حقوق الإنسان وحمايتها، وتقديم التوجيه بشأن الوصول إلى العدالة والمساءلة والمصالحة والشفاء، حسب الاقتضاء؛ والعمل مع السلطات اليمنية وجميع أصحاب المصلحة، ولا سيما وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، والحضور الميداني للمفوضية السامية في اليمن، وسلطات دول الخليج، وجامعة الدول العربية، بغية تبادل الآراء وتقديم الدعم للجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات في اليمن".
ومن الواضح أن أبرز تعديل في هذه الفقرات، تغيير "لجنة تحقيق"، إلى "خبراء دوليين"، واستبدال "إجراء تحقيقات" بـ"بإجراء دراسة"، وعلى نحو ذلك من التعديلات التي لا تلغي الجوهر الأساسي في المشروع، وبالتالي فإن الحديث عن "انتصار للدبلوماسية العربية" المناهضة للتحقيق الدولي، يعتبر "وهماً" بنظر بعض المعلقين، الأمر الذي يتعزز بالتفسير الذي قدّمته الحكومة لخطوة "الخبراء"، بأنهم لمساندة "اللجنة الوطنية".
وبصورة إجمالية، فإن اليمن يجد نفسه للمرة الأولى أمام فريق تحقيق/رصد دولي معني بالانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مع الأخذ بالاعتبار، التفسيرات التي تأخذها النصوص الخاصة بمهام "الخبراء" وصلاحيات وصولهم إلى المعلومات. ويبقى أن الفترة المقبلة وعمل الفريق، هما الأساس الذي سيحدد ما إذا كانت المنظمات الدولية التي قادت حملة لإجراء "تحقيق مستقل"، قد حققت خطوة مهمة، بينما التطبيق والتفسير اللاحق للنصوص سيكون هو المعيار في نهاية المطاف.
اقــرأ أيضاً
ووصفت مصادر حقوقية يمنية مطلعة قريبة من أروقة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لـ"العربي الجديد"، صدور القرار بأنه مثّل اختراقاً مهماً في طريق تحويل دعوات التحقيق بالانتهاكات لحقوق الإنسان، إلى قرار بإرسال خبراء دوليين للتحقيق لأول مرة، معتبرة أن مشروع القرار، الذي تم إقراره في ختام الدورة الـ36 للمجلس، وعلى الرغم من التعديلات التي تم إدخالها، إلا أنها لم تقلل من أهمية الخطوة، التي انتصرت لكم هائل من المطالبات الحقوقية.
وفقاً لوثائق القرارات الثلاثة المقدّمة، بتشكيل لجنة تحقيق دولية (تقدّمت به هولندا)، وبدعم اللجنة الوطنية للتحقيق (تقدّمت به مصر عن المجموعة العربية)، ثم صيغة مشروع القرار التوافقي الأخير الذي تم إقراره، كان واضحاً أنه خلاصة دمج المشروعين السابقين، ومن خلاله استطاع كل طرف تحقيق ما يلي:
بالنسبة لعنوان وثيقة مشروع القرار الأساسية، اعتُمد في القرار، العنوان المقدّم من مصر الذي كان متضمناً دعم اللجنة الحكومية اليمنية (المدعومة من التحالف)، ويحمل عنوان "المساعدة التقنية وبناء القدرات في اليمن". وفي هذا الصدد، يقول أنصار الرأي المعارض للجنة الدولية، إن الجهود الدبلوماسية العربية، نجحت بجعل القرار "تحت البند العاشر" (مساعدة تقنية)، وليس البند الثاني، كما كان حاصلاً في مشروع "لجنة تحقيق دولية".
وفرضت الصيغة العربية، عدداً من بنودها التي كانت في المشروع السابق، لتدخل في القرار المتوافق عليه. ومن أبرز البنود في هذا المجال، البند الخامس الذي يدعو "جميع الأطراف في اليمن إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2216، الذي سيسهم في تحسين حالة حقوق الإنسان"، وبالتالي ترى الشرعية والتحالف أن الصيغة الأخيرة، تلتزم بالقرار الذي تعتبره الشرعية "شرطاً للحل"، وغطاءً للتدخل بقيادة السعودية في البلاد. وهناك عدد من البنود الأخرى، تذكر الحكومة اليمنية والتزاماتها، على نحو يعزز دعم أو وجود "الحكومة الشرعية" المعترف بها دولياً.
في المقابل، فإن جوهر القرار في الأصل، هو التحقيق الدولي بالانتهاكات، الذي كان ضمن مشروع قرار هولندا وعدد من الدول الأخرى. وعلى الرغم من محاولة الحكومة الشرعية تصوير التعديلات التي أدخلتها، والقرار الذي صدر، بأنه انتصار لها، إلا أن أهم ما جاء فيه، الانتصار بطريقة أو بأخرى لمطالب التحقيق الدولي. ومن أبرز التعديلات تحويل مطلب تشكيل "لجنة تحقيق دولية"، إلى "إنشاء فريق من الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين ذوي المعرفة بقانون حقوق الإنسان".
أما على صعيد محتوى الفقرات الخاصة بالفريق/اللجنة، فلم يطرأ تغيير جوهري، إذ يسند القرار إليها "رصد الحالة المتعلقة بحقوق الإنسان والإبلاغ عنها وإجراء دراسة شاملة لجميع الانتهاكات والاعتداءات المزعومة لحقوق الإنسان الدولية وغيرها من ميادين القانون الدولي المناسبة والتي ارتكبتها جميع أطراف النزاع منذ سبتمبر/أيلول 2014، بما في ذلك الأبعاد الجنسية المحتملة لهذه الانتهاكات، وتحديد الحقائق والظروف المحيطة بالانتهاكات والاعتداءات المزعومة، وتحديد هوية المسؤولين عنها، حيثما أمكن ذلك". كما نصّ القرار على "تقديم (اللجنة) توصيات عامة بشأن تحسين احترام حقوق الإنسان وحمايتها، وتقديم التوجيه بشأن الوصول إلى العدالة والمساءلة والمصالحة والشفاء، حسب الاقتضاء؛ والعمل مع السلطات اليمنية وجميع أصحاب المصلحة، ولا سيما وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، والحضور الميداني للمفوضية السامية في اليمن، وسلطات دول الخليج، وجامعة الدول العربية، بغية تبادل الآراء وتقديم الدعم للجهود الوطنية والإقليمية والدولية لتعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات في اليمن".
وبصورة إجمالية، فإن اليمن يجد نفسه للمرة الأولى أمام فريق تحقيق/رصد دولي معني بالانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مع الأخذ بالاعتبار، التفسيرات التي تأخذها النصوص الخاصة بمهام "الخبراء" وصلاحيات وصولهم إلى المعلومات. ويبقى أن الفترة المقبلة وعمل الفريق، هما الأساس الذي سيحدد ما إذا كانت المنظمات الدولية التي قادت حملة لإجراء "تحقيق مستقل"، قد حققت خطوة مهمة، بينما التطبيق والتفسير اللاحق للنصوص سيكون هو المعيار في نهاية المطاف.