يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كُتب حول أسرار عالم الرياضة ونجومها، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بنجم التنس الإسباني، رفائيل نادال.
لم يكن لي مثل أعلى في الرياضة، ولا حتى في كرة القدم، منذ صغري كنت أحب مواطني لاعب التنس كارلوس مويا، ولكن لم أكن مهووسا به، ليس من طبعي أو ثقافتي أو تعليمي. أقرب ما يكون إلى هذا بالنسبة لي، خارج التنس، من دون شك هو تايجر وودز، ولكن هذا لا للطريقة التي يلعب بها الكرة، وإنما لعزمه وعقليته، إنه مثال ومصدر إلهام عندما ألعب التنس، وبالطبع عندما ألعب الجولف.
فعندما يكون في كامل لياقته أرى فيه ما أود أن أكون عليه، أحب هذه النظرة العازمة على الفوز التي أراها في عينيه عندما يلعب، وأكثر ما أحبه هو الطريقة التي يتعامل بها مع اللحظات الصعبة عندما يفوز أو يخسر، ربما يخفق في ضربة ويشعر بالغضب، ولكن عندما يسدد الكرة التالية يستعيد التركيز، ولا يقلق على شيء آخر سوى تسديد الكرة.
في أغلب الأحيان، عندما يكون في أفضل لحظاته، يقوم بما عليه فعله عندما يكون تحت ضغط كبير، لم يتخذ قرارا خاطئا في أغلب الحالات، والدليل على ذلك أنه لم يخسر أي بطولة عندما كان في المقدمة خلال الجولة الأخيرة، لتحقيق هذا لابد أن تكون جيدا للغاية، رغم أن هذا فقط لا يكون كافيا، لابد من أن تكون قادرا على تحديد توقيت المخاطرة أو الإحجام عنها، والاعتراف بأخطائك واستغلال الفرص التي تسنح.
يقول أصدقائي إنني أتعامل مع الرياضة بجدية شديدة، ففي الوقت الذي يلعبون فيه الجولف على سبيل المثال للتسلية، تبدو لي ممارسة أي رياضة بدون أن أبذل قصارى جهدي فيها أمرا مستحيلا، هذا يعني أنني عندما ألعب الجولف مع أصدقائي أتعامل مع الوضع كما لو كنت أواجه فيدرير في التنس. أعرف أنهم يسخرون مني لهذا، ولكن لا أنوي أن أتغير.
أقلد تايجر وودز من بداية المباراة وحتى نهايتها، بالكاد أتحدث مع منافسي، وبالتالي لا أهنئهم عندما يسددون كرة جيدة، يغضبون مني ويقولون إنني أكثر جدية مما أنا عليه في ملعب التنس، على الأقل رأوني أبتسم مرة هناك، ولكن في ملعب الجولف أبدا.
كذلك الحال في التدريبات، وهو ما تسبب لي في مشكلات عندما يشكو اللاعبون الذين أختارهم للتدرب معي خلال البطولات من أنني أتدرب بقوة كبيرة، ومبكرا للغاية، ولا أمهلهم فرصة للإحماء ويشعرون بالتعرق بعد مرور عشر دقائق من بداية المران، كانت هذه شكوى متكررة منذ بداية مسيرتي الاحترافية.
التنس هو شغفي، ولكنني أتعامل معه كمهنة، وظيفة أسعى فيها لتقديم مستوى جيد بأمانة، كما لو كانت شركة والدي أو متجر الأثاث الذي يمتلكه جدي، وكغيره من الوظائف يكون هناك جزء ثقيل الظل مهما كان المقابل المادي كبيرا، ولكنني محظوظ بالعمل في مجال أحبه، وأتقاضى عنه مبالغ كبيرة.
هذا أمر لا أنساه مطلقا، ولكن في نهاية المطاف هو عبارة عن عمل، أتعامل معه بهذه الطريقة، وإلا لم أكن سأتدرب بالقوة التي أخوض بها المران والجدية التي أخوض بها المباريات، فالتدريبات ليست حدثا ترفيهيا، عندما يأتي أفراد من عائلتي أو أصدقائي لحضورها لا أكون في حالة مزاجية تسمح بإلقاء الدعابات أو الابتسامات، يعرفون أن عليهم التزام الصمت التام خلال النقاط في التدريب كما لو كنا في ويمبلدون.
الرائع هو فريقي من المحترفين الذين يرافقونني خلال رحلاتي، والذين يجعلون الأمر لا يبدو عملا، حيث يغمرونني بصداقتهم، وإلا كنت سأعيش حياة منعزلة من مطار إلى مطار، من فندق إلى آخر، من مطاعم إلى أخرى، وكلها تبدو متشابهة، بغض النظر عن المكان الذي أكون فيه.
ولكني أعرف، بخبرتي الكبيرة، أنني إذا بذلت مجهودا في التدريبات، رغم أنني لا أشعر برغبة في ذلك، ففي المقابل سأفوز بمباريات لا أخوضها بأفضل حالاتي. وهكذا تحسم الألقاب، وهذا هو الفارق بين لاعب كبير وآخر جيد، السر يكمن في مستوى الاستعداد.