قضاء يداعب ثعالبه
هي وسيلة العسكر في تلويث الرموز، بسبب وبدونه، مثلما وضع العسكر بطلاً مصرياً حارب الإسرائيليين، وأوصلوه إلى قاعة المحكمة في جوال خيش، طرفه خشنة للإذلال وقتل الرمز في شوال أمام محكمة، أو أمام لسان راقصة، مثل سما المصري، أو مثلما تفتق ذهن سمكرية إحياء القوانين والأقفاص، فكان محمد مرسي أول من وضعوه في قفص زجاجي. أيضاً محاولة لإخراس الخصم ومشاهدته حائراً، تشويه الرمز في قفص، وجعله أضحوكة أول مرة أمام الناس، حتى وإن كان منتخباً وفائزاً، أو محاولة قاضي المرشد، محمد بديع، (الدكتور الجامعي)، بكل الطرق، ألا يلتفت للناس، على الرغم من أن الرجل جاوز السبعين، وفي بدلة الإعدام.
على الطرف الآخر، تسجل ريهام سعيد كل ضحكات وهمسات ودموع وآهات وتشنجات وتسبيلات (نخنوخ)، وهو في القفص، وكأنه نجم سينمائي سيُزف إلى عروسه، عكس معاملة قاضي بديع الخشنة الآمرة الفظة. وفي النهاية، يقول له القاضي مواسياً ومشجعاً وملاطفاً نخنوخه: يا ابني، هذا حكم أول، وهناك نقض أمام محاكم أخرى، فلا تحزن.
المذيع أحمد موسى سبّ العالم من شرقه إلى غربه، ولم نره في قفص، ومع كل نقض لحكم، براءة جاهزة، وبدلة جديدة يغيظ بها المشاهدين والعوازل، مثل عكاشة وريهام سعيد ومجدي الجلاد وإبراهيم عيسى وفاطمة ناعوت، وفي حالتها، هي الأخرى (قضية ازدراء أديان)، سنجد ألفي بوكيه من الورد من كنائس قرطبة والفاتيكان في يوم براءتها.
أما (طارق النهري) الذي حمل المسدس جهاراً نهاراً، وهو يضرب إنساناً في قلب ميدان التحرير والدماء تغرقه، فقد انهالت عليه الأدوار والمسلسلات، وحازم عبدالعظيم مع فتواته أمام مكتب الإرشاد في المقطم، كان يقسّم الأدوار على بلطجية (جبهة الإنقاذ) الذين حرقوا شاباً حرقاً، ومزّقوا جسد رجل أربعيني بالمطاوي، وكان هو نفسه، أيضاً، يضرب بالطوب. ومصوّر عياناً بياناً، فقد صار نجماً فضائياً ومبرمجاً عضوياً وحركياً للشباب في إدارة عبد الفتاح السيسي التي لم يدخلها شاب.
لو وصلنا إلى علاء وجمال، لا نكاد نعرف، هل هذا هو القاضي، وهو يتلجلج أمامهما وهما في القفص؟ هل هما اللذان في القفص أم القاضي، عكس محمد البلتاجي الذي يقال له: (اسكت يا بلتاجي)، وعكس زوجته التي قاومت السلطات في السجن، فنالها حكم بستة شهور، (وقذاف الدم) الذي رفع في وجه الشرطة فوهات ثلاثة مدافع صغيرة سبع ساعات، وقفلت السلطات شارعين حول مسكنه، تجنباً لمخاطر الطلقات، فالرجل، أبداً، لم يقاوم أي سلطات، بل كان يأكل آيس كريم في الزمالك، وأخذه البوليس على غِرّة من أمره، وكسروا خاطره، فأنصفه القضاء الذي لا غبار عليه.
ونتذكّر عبدالله، أصغر أبناء الرئيس المنتخب الشرعي، محمد مرسي، سُجن سنة لأمر سيجارتين، وحسين سالم الذي تفاوضه الدولة منذ سنوات، ولم تصل إلى شيء معه، هو الحر، وجمال وعلاء، وقد تركا المصاحف في مكانها، في القفص في كامل الأناقة والهندام، والمحكمة الدستورية تحكم لأمهما بميراث زوجات الرؤساء كاملاً، ومحمد مرسي الذي حصل على الدكتوراه في الثمانينيات، يفصَل من عمله، وهنا نقول (لسوزان) كما قال الشاعر، مروان بن أبي حفصة للخيزران: يا خيزران هناك ثم هناك/ إن العباد يسوسهم ابناك.
فماذا لو شلنا كلمة (العباد) من الشطر الثاني للبيت، فصار هكذا: يا خيزران هناك ثم هناك/ إن القضاة يسوسهم ابناك. هل نكون اجترحنا (كسراً)، أم أسأنا الأدب في أمر (زحّافة)؟ الله أعلم، وعموماً ننتظر حكم النقض.