قبيل انعقاد جلسة محكمة، اليوم الاثنين، في مجمع المحاكم بمدينة رام الله، لعدد من القضاة الذين تقدموا بطعون ضد انتدابهم من عملهم في المحاكم إلى "مؤسسات الدولة"، كانت الشرطة الفلسطينية تحيط بالمكان، وقد نصبت حواجزها العسكرية ومنعت القضاة والمحامين من دخول المحكمة، ليبلغوا بقرار تأجيل المحكمة إلى موعد آخر، من خلال ضابط في الشرطة الفلسطينية.
وتزامنت جلسة المحكمة، اليوم الاثنين، مع تظاهرة ومؤتمر صحافي للمطالبة باستقالة مجلس القضاء الأعلى الانتقالي الذي عينه الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل نحو 14 شهراً، ومنعهم من دخول المحكمة ومنع الصحافيين من التصوير، ما اضطر القضاة ونقابة المحامين ومؤسسات المجتمع المدني الداعية إلى التظاهرة إلى إقامة مؤتمرهم الصحافي أمام الحواجز الأمنية.
وقبيل المؤتمر الصحافي، جرى سجال بين القاضي أحمد الأشقر والشرطة حول هوية من فرض التعليمات بمنعهم، لكن الشرطة الفلسطينية لم تصرّح بذلك، ورفضت إدخال القضاة، فيما أكد له مسؤول في مركز الإعلام القضائي في أثناء السجال أن حضور الأمن ليس له علاقة بمجلس القضاء، وليس بطلب منه.
القضاة ومؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين دعوا إلى حل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وتشكيل مجلس قضاء أعلى دائم
القضاة ومؤسسات المجتمع المدني ونقابة المحامين دعوا في بيان لهم، خلال مؤتمر صحافي، إلى حل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وتشكيل مجلس قضاء أعلى دائم، وفقاً لقانون السلطة رقم 1 لسنة 2002، وضرورة سحب وإلغاء قرارات المجلس الانتقالي المخالفة للقانون بانتداب القضاة.
وأكدوا رفض تعديل قانون السلطة القضائية أو الالتفاف عليه بسنّ تشريعات للتقاعد القسري للقضاة، وتصويب قرارات المجلس الانتقالي بحرمان القضاة من الترقية تعسفاً ولغايات انتقامية، ومحاسبة كل المتورطين في انتهاك استقلال القضاة والنيل من هيبة القضاة وحقوقهم المشروعة، وأيضاً رفع يد المجلس الانتقالي وأساليبه في "تهديد القضاة وإساءة استعمال السلطة بحقهم ووقف سياسة الترهيب والترغيب".
بدوره، قال أمين سرّ جمعية نادي القضاة الفلسطينيين فاتح حمارشة، لـ"العربي الجديد"، على هامش التظاهرة: "كنا متوجهين اليوم، لحضور جلسة محاكمة للطعن في قرارات انتداب عدد من القضاة لمؤسسات الدولة العامة، لكن عند قدومنا صباح اليوم، فوجئنا بمنع قوات الأمن للقضاة الطاعنين وللمحامين من دخول المحكمة، التي حولت إلى ثكنة عسكرية"، متهماً رئيس المجلس الأعلى الانتقالي، عيسى أبو شرار، بأن المنع حصل بأمر منه، وأنه استقوى بالأمن منتهكاً حقوقاً دستورية، ومنع القضاة من حقهم في التقاضي وحضور جلسة المحكمة التي كانت مقررة اليوم.
وأضاف: "لقد أُبلِغنا من خلال عقيد في الشرطة بأن المحكمة لم تُعقَد لعدم اكتمال النصاب القانوني، وهذا يعني أن الإبلاغ جرى بقرار عسكري في عهد أبو شرار".
حمارشة، الذي انتدب لمؤسسات الدولة أخيراً، بعد عمله في القضاء بالمحاكم الفلسطينية لمدة 8 سنوات، اعتبر أن قرارات الانتداب والإحالة على التقاعد وجميع قرارات مجلس القضاء الانتقالي خلفيتها تصفية حسابات من رئيس مجلس القضاء الانتقالي وأصحاب نفوذ، وأن ذلك عبرت عنه نقابة المحامين ونادي القضاة ومؤسسات المجتمع المدني.
وتابع: "هناك بعض الجهات النافذة طلبت من أبو شرار التخلص من بعض القضاة وإزاحتهم عن كرسي القضاء بأي طريقة متاحة، حيث تمت هذه القرارات قبيل التمديد للمجلس الانتقالي بفترة وجيزة، إذ إن هذه القرارات قدمت قرابين لغايات التمديد".
وأشار حمارشة إلى أن الانتداب مخالف للقانون، وصدر عن الرئيس محمود عباس، وهو غير مختص، فيما اتهم حمارشة المجلس الانتقالي بالاستقواء بالسلطة التنفيذية لتمرير ملف تصفية الحسابات الموجود داخل القضاء الفلسطيني.
من جهته، قال نقيب المحامين جواد عبيدات، لـ"العربي الجديد": "بعد مرور عام على تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي مع عدم لمس أي نهوض بمنظومة العدالة وبالسلطة القضائية، فإن ذلك يتطلب من المجلس الاستقالة، وطالبنا الرئيس محمود عباس بعدم التمديد له، إلا أن هناك آراء مستشارين للرئيس بمنح هذا المجلس فرصة أخرى لمدة ستة أشهر".
وأشار عبيدات إلى وجود تدهور ملموس في أداء مجلس القضاء الانتقالي من خلال عمل المحامين داخل المحاكم، وأن القضاء هبط بطريقة واضحة، وهو ما أدى إلى وجود عدم ثقة من المواطن الفلسطيني في القضاء، فيما أكد عبيدات رداً على سؤال عما إذا كان المجلس الانتقالي قد عمق سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء، أن ذلك ما حصل فعلاً، وهو ما صرّح به أبو شرار أيضاً، حسب عبيدات.
في هذه الأثناء، ذكر مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، في بيان له، أن التنسيب إلى الرئيس محمود عباس لانتداب عشرين قاضياً حصل بإجماع أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، من دون اعتراضٍ أو تحفظٍ من أيّ منهم، ما ينفي المزاعم حول وجود اعتبارات شخصية وراء قرار الندب.
وأضاف البيان أن "الندب كان مبرراً، ولدى مجلس القضاء الأعلى الانتقالي من الأوراق والمستندات ما يستدعي ندب السادة القضاة إلى العمل خارج السلطة القضائية".
من جانب آخر، أكد المجلس أن وجود قوات الأمن أمام مقر مجلس القضاء الأعلى جاء من دون تدخل من المجلس، ولكنه بناءً على الإعلانات الصادرة عن المحتجين، حيث تحركت قوات الأمن من تلقاء نفسها، وقد منعت سيارات القضاة العاملين من الدخول إلى مبنى المجلس.
من جهتها، اعتبرت مؤسسة الحق الفلسطينية في بيان لها، أن "ما جرى يشكل اعتداءً صارخاً على مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات، ويهدم قيم النزاهة والشفافية كأساس للحكم، ويندرج في إطار حالة الصراع الدائر في القضاء، ما انعكس سلباً على ثقة المواطنين في القضاء، وساهم في استمرار حالة التصدع القائمة أساساً في السلطة القضائية، بما يتطلب وقفة جادة للارتقاء بواقع القضاء الفلسطيني اليوم".
ودعت "الحق" إلى "التحقق من الجهات التي أصدرت التعليمات للأجهزة الأمنية لمنع دخول القضاة والمحامين ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى مجمع المحاكم ومساءلتها، والعمل على حماية حق كل مواطن في اللجوء لقاضيه الطبيعي وتمكينه من الوصول إلى قاعات المحاكم كأساس للوصول للعدالة المنشودة".