لا تزال تداعيات جريمة قرصنة "وكالة الأنباء القطرية" (قنا) تلقي بظلالها الثقيلة على منطقة الخليج العربي، حيث امتدت آثار هذه الجريمة، لتضرب النسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة. واستخدمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر جريمة القرصنة لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، في 5 يونيو/حزيران عام 2017، وفرض حصار جوي وبري وبحري عليها لا يزال مستمراً.
تعرضت "وكالة الأنباء القطرية" للقرصنة فجر الرابع والعشرين من مايو/ أيار عام 2017، حين بُثّت تصريحات مفبركة لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، خلال تخريجه دفعة جديدة من أفراد الخدمة المدنية. وأصدر مكتب الاتصال الحكومي، بعد ساعات من القرصنة، بياناً نفى فيه ما نُشر، إلا أن العملية تزامنت مع حملة إعلامية شرسة من قنوات دول الحصار لتشويه سمعة قطر.
وكشفت وزارة الداخلية القطرية، في 20 يوليو/ تموز عام 2017، أن التحقيق بشأن جريمة قرصنة موقع "قنا" بيّن أن عنوانين للإنترنت في دولة الإمارات استخدما لتنفيذ عملية الاختراق، وأضافت الوزارة أن الأدلة الفنية للجريمة أحيلت إلى النائب العام الذي بدأ إجراءات التقاضي لمعاقبة المخترقين. كما بيّنت الوزارة أن القرصنة استخدمت فيها تقنيات وأساليب مبتكرة، باستغلال ثغرة إلكترونية على موقع الوكالة، مشيرةً إلى أن عملية تثبيت ملف الاختراق للموقع الإلكتروني لوكالة "قنا" والحسابات التابعة لها على مواقع التواصل الاجتماعي جرت في إبريل/ نيسان عام 2017، واستغل لاحقاً في نشر الأخبار المفبركة.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية القطرية إن مخترق "قنا" استعد للهجمة مسبقاً، وفرض سيطرته بالكامل على النظام، وسرق مضمون حسابات المستخدمين، وإن نتائج التحقيق تشير إلى أن "المجرم قبل نشر الأخبار الكاذبة، تواصل عبر (سكايب) مع أشخاص لهم عناوين (آي بي) مسجلة في بعض دول الحصار"، وأكد أنه توصل إلى أرقام هواتف استخدمت لإجراء عملية الاختراق.
ونقلت قناة "أن بي سي" الأميركية، في يوليو/ تموز عام 2017، عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم صحة التقارير عن قرصنة الإمارات لوكالة الأنباء القطرية. وقالت القناة، نقلاً عن مسؤول أميركي استخباراتي، إن واشنطن ترى أن الإمارات مسؤولة عن قرصنة الوكالة، وإنها استخدمت متعاقدين خاصين لتنفيذ العملية. وأبلغ مسؤولون أميركيون قناة "أن بي سي" أن فبركة المعلومات عن قطر تهدف للإضرار بعلاقاتها مع واشنطن. وشارك محققون من "مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية" و"الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" البريطانية في تحديد مصدر القرصنة التي تعرضت لها "وكالة الأنباء القطرية".
وكانت "وكالة الأنباء القطرية" وكلت مكتب "كارتر ــ رك" للمحاماة البريطاني، بتقديم شكوى رسمية لدى هيئة البث البريطانية ضد قناتي "العربية" الإخبارية و"سكاي نيوز عربية"، لبثهما تصريحات مفبركة ليس لها أساس من الصحة نُسبت إلى أمير قطر عقب تعرض موقعها للقرصنة.
وكان النائب العام القطري علي بن فطيس المري كشف، في أغسطس/ آب عام 2017، عن إيقاف خمسة أشخاص في تركيا، لهم صلة بعملية اختراق "وكالة الأنباء القطرية". وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير العدل التركي عبد الحميد غول، في أنقرة، إنه وفي إطار التعاون بين دولة قطر والجمهورية التركية في مجال مكافحة الهجمات والجرائم الإلكترونية، أوقفت السلطات التركية خمسة أشخاص متورطين في جريمة اختراق موقع "وكالة الأنباء القطرية"، وبث تصريحات مغلوطة منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
ولاحقاً، قال النائب العام القطري، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن "النيابة القطرية حققت مع المتهمين الخمسة الذين لا يزالون موقوفين لدى السلطات التركية، وإن بلاده ستسجل دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية في جريمة القرصنة الإلكترونية، وفي قضايا التعويضات للقطاعين العام والخاص التي تبلغ نحو 3 آلاف قضية".
وأكد وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية، في تصريحات صحافية، أن الدوحة "لن تتساهل في الملاحقة القانونية للدولة المسؤولة عن قرصنة وكالة الأنباء القطرية الرسمية"، مشيراً إلى أن "هدف الدعوى القانونية ضد من قرصن الوكالة هو التعويض المالي".
وكشف برنامج "ما خفي أعظم" الذي عُرض على قناة" الجزيرة"، في شهر إبريل / نيسان عام 2018، أن وزارة سيادية سعودية كانت وراء قرصنة "وكالة الأنباء القطرية" (قنا) في 24 مايو/أيار من عام 2017، مشيراً إلى أن الخلية التي تعمل داخل الوزارة السيادية نشرت الخبر المفبرك المنسوب إلى أمير قطر.
وتمكن التحقيق الاستقصائي الذي أعدّه البرنامج من الحصول على بيانات مفصلة للأجهزة التي استخدمتها خلية القرصنة السعودية في عملية الاختراق، مبيناً أن شركة وهمية تابعة للإمارات العربية المتحدة عملت من أذربيجان، وتواصلت مع ثلاث شركات تركية تقدم خدمات في كشف الثغرات وتأمين المواقع الإلكترونية، وطلبت منها فحص قائمة مواقع منها موقع "وكالة الأنباء القطرية"، لكشف الثغرات الأمنية فيها، بهدف توفير حلول لحماية هذه المواقع. وأضافت التحقيقات أنه فور الحصول على البيانات نهاية عام 2016 أنهت الشركة الإماراتية عملها في أذربيجان، وسلمت معلومات الثغرة إلى فريق الاختراق السعودي.
وبالتزامن مع عملية الاختراق، كشف فريق تقني من "معهد قطر للحوسبة" أن دول الحصار أنشأت نحو 187 حساباً جديداً على موقع "تويتر"، خلال يوم الاختراق أو قبله بأيام، كما سبق الاختراقَ إطلاق وسوم عدة (هاشتاغ) تهاجم دولة قطر.
وأعلن النائب العام القطري، علي بن فطيس المري، أن ملف قرصنة "موقع وكالة الأنباء القطرية" (قنا) سيضاف إلى القضية المرفوعة ضد الإمارات العربية المتحدة أمام "محكمة العدل الدولية" في لاهاي، بعد الثبوت بالدليل القاطع تورّط الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وقال المري، في تصريحات صحافية خلال زيارة قام بها إلى نيويورك في سبتمبر /أيلول عام 2018، إنه تواصل مع أكبر مكاتب المحاماة في نيويورك الذي تعاقد بدوره مع شركات عالمية رائدة متخصصة في علوم الحاسب الآلي، وأثبتت بالدليل القاطع تورط السعودية والإمارات في عملية اختراق موقع الوكالة. وأشار حينها إلى أن الخطوة المقبلة الآن هي نقل ملف قضية الاختراق بالأدلة والإثباتات، وإضافته إلى مجموعة القضايا المنظورة ضد الإمارات في "محكمة العدل الدولية". ولفت النائب العام القطري إلى أن تورط دول الحصار، وبالتحديد السعودية والإمارات، في جريمة قرصنة موقع "وكالة الأنباء القطرية" اكتشف منذ الأسبوع الأول بعد العملية، عن طريق إدارة الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية القطرية.
وأضاف أنه "بعد جمع كل هذه الأدلة والمعلومات أصبحت قضية الاختراق جريمة قائمة ومثبتة وبأدلة واضحة، سواء الأدلة التي توصلت إليها دولة قطر في السابق، أو الأدلة التي تم التوصل إليها من خلال مكتب المحاماة في نيويورك، عبر الشركات المتخصصة في المجال"، وأكد أن "دولة قطر لن تدخر جهداً في اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة للدفاع عن نفسها في كل المحافل القانونية الدولية".