22 نوفمبر 2024
قضية المعتقلين في الثورة السورية
أظهر إضراب معتقلي سجن حماة، ثم إجبار النظام على الإفراج عن بعضهم، وجعاً سورياً، قديماً وجديداً؛ فالمعتقلون السياسيون القدماء لم يُنصفوا، ولم تُعد لهم حقوقهم، ولا بد من إنصافهم في المستقبل. السجناء الجدد، والأدقّ المعتقلون الجدد، فالمعتقلون لا حقوق لهم في سورية، بينما للموجودين في السجون المدنية، باستثناء سجن صيدنايا وتدمر قبل أن يدمره تنظيم داعش حقوق، ولهم مواقيت للمحاكمات وزيارات عائلية.
قبل إضراب السجناء، بدأت حملات فيسبوكية تسلط الضوء على المعتقلين. وقبل ذلك، طُرحت قضية المعتقلين ضمن الشروط الإنسانية للبدء بالتفاوض في جنيف. المشكلة في هذه القضية ندرة الصفقات التي عقدها النظام مع المعارضة، أو مع الفصائل المسلحة للمبادلة بالمعتقلين. أما الصفقات التي تمت فكانت بوساطات دولية وإقليمية، سواء عبر إيران أو قطر أو تركيا. تتأسس هذه المشكلة على أن النظام لا يعطي أية قيمة للمواطنين السوريين، المعارضين والموالين، أي فليمت الجميع، ما دامت السلطة مهددة بالزوال.
تنوف أعداد المعتقلين في سجون النظام عن الثلائمئة ألف؛ وتفيد وثائق بأن الذين الذين استشهدوا منهم تجاوزوا المائة ألف. ميتتهم أشنع ما يمكن للإنسان أن يقرأ أو يتصور خياله، وظل الاعتقال موضوعاً يثير كل أشكال الوجع والألم والفقد والتعب، ويسبب المرض الدائم والموت، وهذا يسري على العقود الستة المنصرمة. بعد العام 2011، صار هذا الموضوع لابتزاز أسر المعتقلين، ونهب أموالهم، وكثير منها يذهب هباءً بسبب الكذب وبيع الأوهام لذوي المعتقلين من صيادي عواطف المتعبين، وعادة يكونون مرتبطين أمنياً. أوقف العالم المتقدم عدّ شهداء الثورة السورية منذ أكثر من عامين، وكذلك لم يهتم لوضع المعتقلين السوريين أبداً. ما يفضح ذلك أن أغلبية الوثائق المسربة عن المعتقلين، والشهداء منهم وأساليب التعذيب، كلها موجودة في دروج المنظمات الدولية، ولدى هيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولكن، لا أخا لك يا أخي السوري الثائر.
يترافق حديث الاعتقال مع حديث الاستشهاد والألم. يندر في الثورة السورية أن عائلةً لم تنكب بمعتقل أو أكثر، أو تكرار الاعتقال أكثر من مرة للشخص نفسه. كان الاعتقال فاتحة موقف النظام من الشعب، وبعدها كان الموت والدمار والحصار والتعذيب والتهجير وسواها، وذلك كله لم ينتهِ بعد.
ظلت الحملات الخاصة بالمعتقلين ومآسيهم ضعيفة، وغير منسقة، ومجالاً للاختلاف بين المنظمات الحقوقية السورية والناشطين. وتتحمل المعارضة بكل تنويعاتها، ولا سيما المكرسة، الوزر الأكبر عن التخفف من طرح هذه القضية؛ فهي لم تهتم بقضايا الثوار بجدية كبيرة، وأصدرت بياناتٍ عديمة القيمة، سواء عن المدن المنكوبة أو الشهداء أو الاعتقال! وكأنها قضايا هامشية أمام المسائل السياسية؛ وفي السياسة كانت رؤاهم لا تخرج عن استجداء الدول الإقليمية والدولية لإطاحة النظام، وعدم تفعيل العلاقة مع الشعوب أو المنظمات الفاعلة في تحشيد الرأي العام من أجل الثورة. كان الموقف الأخير لوفد التفاوض جيداً، فهو وضع مسألة المعتقلين وفك الحصار وإيصال المساعدات قبل أي تفاوضٍ بالمسائل السياسية. عكس ذلك بقية الوفود، كوفود حميميم وموسكو والقاهرة، فهم لا يولون اهتماماً لهذه القضايا، وينطلقون من شروط النظام. أي المباشرة فوراً في التفاوض، وضمن منظور النظام، حكومة موسعة، أو مسائل أخرى، لكنها لا تتجاوز هذا البعد.
الاستعصاءات التي حدثت في السجون السورية نادرة، وإن حدثت في المعتقلات فلا أحد يعلم
بها. انتهى استعصاء حماة باتفاق جيد بين المعتقلين وممثلي النظام ولصالح المعتقلين. سيحاول النظام الاستفادة منه إعلامياً، وترحيل المعتقلين إلى إدلب لإظهار نفسه ممثلاً لدولة تحترم حقوق السجناء، وقد يشن حملة إعلامية لتكذيب الوثائق التي قدمها الناشطون، والتي تفضح ملف الاعتقال في سورية. بعد تسليط الضوء عالمياً على قضية السجناء والمعتقلين، ووفقاً لممارسات السوريين الناشطين، تقول التجربة إن هذا الملف سيتراجع، وسيعتبرون انتصار حماة أمراً عظيماً، وكفى المسلمين شر القتال.
مشكلة ممثلي الثورة، غير غياب رؤية سياسية موحدة منذ 2011، وبقاء الأمر نفسه في السنوات التالية، هي غياب روح المؤسسات، وسيطرة الفردية وعقلية الزعيم على كل نشاطات الثورة، وقد عكس هذا تفتتاً مخيفاً في كامل تلك النشاطات، السياسية والمدنية والعسكرية والمالية، وأنتج تبعية للدول المحيطة وبروزاً للتيارات السلفية والجهادية، وكأن لها علاقة بالثورة. عكس ذلك النظام، فهو عمل بخطط منظمةٍ، ويتابع كيفية المواجهة متعدّدة المستويات، وبشكل ممنهج ومن دون أي استهتار، أو ارتخاء؛ وهو يستعين بخبرات إيران وروسيا وحزب الله في خوض صراعه ضد الشعب.
نريد القول إن ما ذهب إليه وفد التفاوض صحيح، فملف المعتقلين شرط فوق تفاوضي، أو إنساني، ويجب تنفيذه قبل بدء المفاوضات المباشرة بين وفدي النظام والمعارضة، لكن موضوع الاعتقال يجب أن يتفعل ضمن إطار دولي وإقليمي، وحتى داخلي، والضغط على الفصائل العسكرية لاقتراح صفقات مستمرة من أجل الإفراج عن المعتقلين من الجانبين. ومحاولة استغلال بعض الفصائل قضية استعصاء حماة وعرض صفقات للتبادل لا تتعدّى ما قلناه عن التخبط والعشوائية والفوضى في التعامل مع كل قضايا الثورة؛ فالمبادرات يجب أن تطلق من دون توقف بخصوص ذلك، وأن تتشكل مؤسسات لهذه المسائل.
يمكن اختصار الثورة السورية بقضية المعتقلين، فهم جسدها الأساسي، سواء الذين استشهدوا أو الذين ما زالوا رهن الاعتقال، أو الذين أصبحوا لاجئين أو في دول محيطة بسورية أو ما زالوا في مناطق النظام أو الفصائل. النقطة المركزية أمام هذه الثورة الآن، وبخصوص هذه القضية، أو ملف الشروط الإنسانية أو السياسية، تكمن في إيجاد مؤسسات ثوريةٍ وقادرةٍ على إبداء مقترحات مستمرة، وضمن خطط منهجية ومنظمة. وسيحافظ هذا الشرط على راهنية هذه القضايا، ويبقيها قضية يومية أمام العالم، واستغلال كل المنابر والمؤسسات العالمية من أجل طرحها.
ما نجح فيه سجناء حماة يمكن أن يتكرّر في سجون أخرى، ويتطلب الأمر كثيراً من المتابعة والفضح الدولي لممارسات النظام، وإذا رفض النظام أية صفقات تبادلية بخصوصهم، فإنه قد يضطر إليها في حال مورست ضغوط كبيرة عليه، من أجل التقدم بهذا الملف. إذاً قضية المعتقلين لم تنتهِ، وما حصل حدث بسيط في إطار قضية كارثية؛ فالمعتقل شهيد ما لم يفرج عنه؛ هكذا يقال في سورية.
قبل إضراب السجناء، بدأت حملات فيسبوكية تسلط الضوء على المعتقلين. وقبل ذلك، طُرحت قضية المعتقلين ضمن الشروط الإنسانية للبدء بالتفاوض في جنيف. المشكلة في هذه القضية ندرة الصفقات التي عقدها النظام مع المعارضة، أو مع الفصائل المسلحة للمبادلة بالمعتقلين. أما الصفقات التي تمت فكانت بوساطات دولية وإقليمية، سواء عبر إيران أو قطر أو تركيا. تتأسس هذه المشكلة على أن النظام لا يعطي أية قيمة للمواطنين السوريين، المعارضين والموالين، أي فليمت الجميع، ما دامت السلطة مهددة بالزوال.
تنوف أعداد المعتقلين في سجون النظام عن الثلائمئة ألف؛ وتفيد وثائق بأن الذين الذين استشهدوا منهم تجاوزوا المائة ألف. ميتتهم أشنع ما يمكن للإنسان أن يقرأ أو يتصور خياله، وظل الاعتقال موضوعاً يثير كل أشكال الوجع والألم والفقد والتعب، ويسبب المرض الدائم والموت، وهذا يسري على العقود الستة المنصرمة. بعد العام 2011، صار هذا الموضوع لابتزاز أسر المعتقلين، ونهب أموالهم، وكثير منها يذهب هباءً بسبب الكذب وبيع الأوهام لذوي المعتقلين من صيادي عواطف المتعبين، وعادة يكونون مرتبطين أمنياً. أوقف العالم المتقدم عدّ شهداء الثورة السورية منذ أكثر من عامين، وكذلك لم يهتم لوضع المعتقلين السوريين أبداً. ما يفضح ذلك أن أغلبية الوثائق المسربة عن المعتقلين، والشهداء منهم وأساليب التعذيب، كلها موجودة في دروج المنظمات الدولية، ولدى هيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولكن، لا أخا لك يا أخي السوري الثائر.
يترافق حديث الاعتقال مع حديث الاستشهاد والألم. يندر في الثورة السورية أن عائلةً لم تنكب بمعتقل أو أكثر، أو تكرار الاعتقال أكثر من مرة للشخص نفسه. كان الاعتقال فاتحة موقف النظام من الشعب، وبعدها كان الموت والدمار والحصار والتعذيب والتهجير وسواها، وذلك كله لم ينتهِ بعد.
ظلت الحملات الخاصة بالمعتقلين ومآسيهم ضعيفة، وغير منسقة، ومجالاً للاختلاف بين المنظمات الحقوقية السورية والناشطين. وتتحمل المعارضة بكل تنويعاتها، ولا سيما المكرسة، الوزر الأكبر عن التخفف من طرح هذه القضية؛ فهي لم تهتم بقضايا الثوار بجدية كبيرة، وأصدرت بياناتٍ عديمة القيمة، سواء عن المدن المنكوبة أو الشهداء أو الاعتقال! وكأنها قضايا هامشية أمام المسائل السياسية؛ وفي السياسة كانت رؤاهم لا تخرج عن استجداء الدول الإقليمية والدولية لإطاحة النظام، وعدم تفعيل العلاقة مع الشعوب أو المنظمات الفاعلة في تحشيد الرأي العام من أجل الثورة. كان الموقف الأخير لوفد التفاوض جيداً، فهو وضع مسألة المعتقلين وفك الحصار وإيصال المساعدات قبل أي تفاوضٍ بالمسائل السياسية. عكس ذلك بقية الوفود، كوفود حميميم وموسكو والقاهرة، فهم لا يولون اهتماماً لهذه القضايا، وينطلقون من شروط النظام. أي المباشرة فوراً في التفاوض، وضمن منظور النظام، حكومة موسعة، أو مسائل أخرى، لكنها لا تتجاوز هذا البعد.
الاستعصاءات التي حدثت في السجون السورية نادرة، وإن حدثت في المعتقلات فلا أحد يعلم
مشكلة ممثلي الثورة، غير غياب رؤية سياسية موحدة منذ 2011، وبقاء الأمر نفسه في السنوات التالية، هي غياب روح المؤسسات، وسيطرة الفردية وعقلية الزعيم على كل نشاطات الثورة، وقد عكس هذا تفتتاً مخيفاً في كامل تلك النشاطات، السياسية والمدنية والعسكرية والمالية، وأنتج تبعية للدول المحيطة وبروزاً للتيارات السلفية والجهادية، وكأن لها علاقة بالثورة. عكس ذلك النظام، فهو عمل بخطط منظمةٍ، ويتابع كيفية المواجهة متعدّدة المستويات، وبشكل ممنهج ومن دون أي استهتار، أو ارتخاء؛ وهو يستعين بخبرات إيران وروسيا وحزب الله في خوض صراعه ضد الشعب.
نريد القول إن ما ذهب إليه وفد التفاوض صحيح، فملف المعتقلين شرط فوق تفاوضي، أو إنساني، ويجب تنفيذه قبل بدء المفاوضات المباشرة بين وفدي النظام والمعارضة، لكن موضوع الاعتقال يجب أن يتفعل ضمن إطار دولي وإقليمي، وحتى داخلي، والضغط على الفصائل العسكرية لاقتراح صفقات مستمرة من أجل الإفراج عن المعتقلين من الجانبين. ومحاولة استغلال بعض الفصائل قضية استعصاء حماة وعرض صفقات للتبادل لا تتعدّى ما قلناه عن التخبط والعشوائية والفوضى في التعامل مع كل قضايا الثورة؛ فالمبادرات يجب أن تطلق من دون توقف بخصوص ذلك، وأن تتشكل مؤسسات لهذه المسائل.
يمكن اختصار الثورة السورية بقضية المعتقلين، فهم جسدها الأساسي، سواء الذين استشهدوا أو الذين ما زالوا رهن الاعتقال، أو الذين أصبحوا لاجئين أو في دول محيطة بسورية أو ما زالوا في مناطق النظام أو الفصائل. النقطة المركزية أمام هذه الثورة الآن، وبخصوص هذه القضية، أو ملف الشروط الإنسانية أو السياسية، تكمن في إيجاد مؤسسات ثوريةٍ وقادرةٍ على إبداء مقترحات مستمرة، وضمن خطط منهجية ومنظمة. وسيحافظ هذا الشرط على راهنية هذه القضايا، ويبقيها قضية يومية أمام العالم، واستغلال كل المنابر والمؤسسات العالمية من أجل طرحها.
ما نجح فيه سجناء حماة يمكن أن يتكرّر في سجون أخرى، ويتطلب الأمر كثيراً من المتابعة والفضح الدولي لممارسات النظام، وإذا رفض النظام أية صفقات تبادلية بخصوصهم، فإنه قد يضطر إليها في حال مورست ضغوط كبيرة عليه، من أجل التقدم بهذا الملف. إذاً قضية المعتقلين لم تنتهِ، وما حصل حدث بسيط في إطار قضية كارثية؛ فالمعتقل شهيد ما لم يفرج عنه؛ هكذا يقال في سورية.