اختتم منتدى "عودة المقاتلين الأجانب" أعماله، مساء الأربعاء، في العاصمة القطرية الدوحة، بإعداد تقرير يُرفع إلى مجلس الأمن الدولي عن توصياته، والتحديات التي تواجه المقاتلين العائدين إلى بلادهم، والذين يشكلون هاجساً لعدد من الدول العربية والغربية.
وانعقد المؤتمر على مدار يومين، وشارك فيه خبراء في مكافحة الإرهاب ومختصون ومسؤولو استخبارات من 30 دولة، لبحث مواضيع مكافحة التطرف، ومساعدة المجتمعات في التعامل مع تحديات الإرهاب، وعودة المقاتلين من الحروب.
وأكد البيان الختامي للمنتدى على "ضرورة وضع برامج للتعامل مع العائدين من ساحات القتال تحول دون التحاقهم بمناطق الحروب والنزاعات مرة أخرى، وتوفير البيئة المواتية لتأهيلهم وتعليمهم ودمجهم في المجتمع، وإيجاد فرص عمل مناسبة لهم".
وعرض نائب رئيس الوزراء، وزير شؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية، خلال مشاركته في المنتدى، بشكل موجز، التجربة القطرية في تأهيل المقاتلين الذين عادوا من أفغانستان بعد انتهاء الحرب هناك.
وقال بهذا الصدد إنّه "لا بد من إعادة إدماج هؤلاء، وهذا ما فعلناه مع العائدين القطريين من أفغانستان، حيث جرى تطوير التشريعات والقوانين لإعادة استيعاب هؤلاء في المجتمع بدل إقصائهم، كما فعلت بعض الدول".
وكان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد لفت بدوره، خلال مشاركته في المنتدى، بيومه الأول، إلى تقارير الأمم المتحدة "التي تشير إلى أنّ العوامل المشتركة بين المقاتلين الأجانب سواء كانوا من منطقة الشرق الأوسط أو آسيا أو أوروبا، معظمهم من الشباب الذين يفتقدون أيديولوجية الفكر الصحيح، وينتمون إلى طوائف مضطهدة أو معزولة اقتصاديًا، ويفتقرون إلى الفرص المعيشية والتعليم، ولديهم فرص عمل ضعيفة".
وقال إنّ "المقاتلين الأجانب في سورية والعراق، على سبيل المثال، ينتمون وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، إلى أكثر من مائة دولة، وإنّ التصدي للتهديد الذي يشكّله المقاتلون الإرهابيون الأجانب يتطلب معالجة شاملة للأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الإرهاب، وفي مقدمتها السياسات القمعية والطائفية والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية".
وشدد على ضرورة "العمل على مكافحة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية بدافع التطرف أو التعصب، ومنع نشر الفكر المتطرف والعمل على تصحيحه، وتعزيز التسامح السياسي والديني والتنمية الاقتصادية، والاهتمام بفئة الشباب، وتكريس التلاحم الاجتماعي وعدم الإقصاء، وإنهاء النزاعات المسلحة وتسويتها، وحرمان الجماعات الإرهابية من القدرة على ترسيخ أقدامها وإيجاد ملاذات آمنة، وتيسير إعادة الإدماج والتأهيل".
وأضاف "لا شك أنّ عملية تأهيل المقاتلين العائدين وإعادة إدماجهم في المجتمع تتطلب مقاربة شاملة تعمل على تصحيح الأفكار المغلوطة حول مفاهيم العنف والتطرف والإرهاب، ومعالجة الأسباب السياسية والاجتماعية وغيرها".
وتطرّق وزير الخارجية القطري إلى "تطوير دولة قطر المستمر لتشريعاتها الوطنية وكياناتها المؤسسية المعنية بالإرهاب، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، والشراكة الفاعلة لدولة قطر في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب".
وأشار إلى "قيام قطر بتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم مبادرات التنمية التعليمية والاقتصادية، وبناء مجتمعات أكثر مرونة لمكافحة الإرهاب والتطرف"، لافتاً إلى دعم قطر لمبادرة "التعليم فوق الجميع، التي عملت حتى الآن على تعليم 10 ملايين طفل في جميع أنحاء العالم، من المتأثرين بالصراعات والكوارث".
وفي إطار تشجيع التمكين الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أشار إلى أنّ قطر تدعم مؤسسة "صلتك" التي قدمت حتى الآن مليون فرصة عمل للشباب في 16 دولة منذ 2008، وتسعى لتوفير مليوني وظيفة بحلول عام 2020.
مراجعة القوانين
وكان رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، اللواء عبدالعزيز الأنصاري، قد أشار، خلال مشاركته بالمنتدى، إلى أنّ "دولة قطر قامت بمراجعة قوانينها ذات الصلة في إطار مكافحة الإرهاب وتطويرها، حيث أوجدت نظام التعيين والتسمية المحلية، وهو يعني أنّ كل من يتم إدراج اسمه محلياً في قائمة الإرهاب لديه فترة 60 يوماً ليتقدّم بشكوى يطالب فيها برفع اسمه من القائمة، وإن قررت المحكمة بعدم ذلك، يكون القرار قضائياً".
وأوضح أنّ "لقطر نظامها الخاص في ما يعنى بنظام الإدراج، واللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في قطر اتخذت إجراءات لتحديد وتسمية الأشخاص المعنيين محلياً، حيث إنّ أي معلومات تأتي في أي وقت، يتم تحليلها من خلال منظوماتنا المالية، للتأكد من أنّ هذا الشخص لم يقم بعملية تمويل غير قانونية".
وتابع "ومن هذه الناحية، سوف نخطر النائب العام في قطر بأنّ هذا الشخص أو ذاك ليست لديه أنشطة مالية غير قانونية، ولا يمكن إدراج اسمه في القائمة"، لافتاً إلى أنّ "ظاهرة عودة المقاتلين ومكافحة الإرهاب قد فرضت نفسها، لا سيما بعد هزيمة تنظيم الدولة في سورية والعراق".
5000 مقاتل أجنبي
وشدد مشاركون في المنتدى على أهمية تركيز الحكومات على جودة الأبحاث، ودقة البيانات حول ظاهرة الإرهاب والمقاتلين العائدين، ولا سيما أنّ هناك "تسييساً" لمفهوم الإرهاب، وعدم تعاون بين الدول في مكافحة الظاهرة لأسباب سياسية، مشيرين في هذا الإطار إلى استهداف بعض الدول لمنظمات المجتمع المدني والمدوّنين والصحافيين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب".
ووفق المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف، فإنّ هناك حوالي 5 آلاف من المقاتلين الأجانب، منهم 1500 عادوا لبلادهم، و1200 قتلوا، و600 مستقرون في مناطق المنظمات الإرهابية، ومنهم من ذهب إلى مناطق نزاعات أخرى، من الصعب معرفة ما إذا كانوا قد قتلوا أم لا.
وبحسب الإحصاءات التي قدّمها دي كيرشوف، فإنّ هناك 2066 امرأة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، والتي شهدت ولادة 1000 طفل، مشيراً إلى أنّ التنظيم لا يتردد في قتل الهاربين، ومنهم من ينجو باللجوء إلى تركيا أو غرب البلقان.
بدورها، تحدثت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب فينوالا أولين، عن سيادة القانون وحقوق الإنسان، مشيرة إلى قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالبند السابع.
ورأت أنّ هناك 5 تحديات بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لا سيما فشل الأطر التنفيذية في تحديد التهديدات والانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان، وتحديات أخرى تتعلّق بالتجاوزات التي تقوم بها الحكومات وتتعلّق بحقوق الإنسان، فضلاً عن جمع المعلومات والأدلة، وعجز القوانين وإساءة التشريعات التي تصدر تجاه هؤلاء العائدين.
وأكدت أنّ "التشريعات الوطنية وحدها لا تكفي في مجابهة الإرهاب"، مشددة على "ضرورة وضع تعريف محدد للإرهاب والالتزام به على المستوى الدولي"، معتبرة أنّ "اللغة المستخدمة في تضييق نطاق التعريف، تمكّن الدول من مواجهة هذا الكم الهائل من التحديات".