أعرب الاتحاد الأوروبي عن أسفه العميق لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، المعروف بخطة العمل المشتركة الشاملة.
وتعد خطة العمل المشتركة الشاملة، التي تم إقرارها بالإجماع بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، عنصراً أساسياً في نظام محاربة الانتشار النووي العالمي، وخاصة بالنسبة لأمن المنطقة. وقد عبر الاتحاد الأوروبي عن أنه مصمم على العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ عليها.
وقال الاتحاد الأوروبي، في بيان صدر صباح الأربعاء، إنه "طالما استمرت إيران في تنفيذ التزاماتها النووية، كما فعلت حتى الآن وتأكد ذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عشرة تقارير متتالية، فإن الاتحاد الأوروبي سيظل ملتزماً بالتنفيذ الكامل والفعال للاتفاقية النووية". واعتبر أن رفع العقوبات النووية ذات الصلة جزء أساسي من الاتفاق.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أكد مراراً أن رفع العقوبات له تأثير إيجابي على العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران. لذا شدد على التزامه بضمان استمرار ذلك.
وكانت منسقة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد، فيديريكا موغيريني، قد أكدت حال الإعلان عن القرار الأميركي، أنه "في حال قيام الولايات المتحدة بإعادة النظر في موقفها، فإننا سنرحب به بشكل إيجابي. فالولايات المتحدة تظل أقرب شريك وصديق لنا، وسنواصل العمل معًا في العديد من المجالات الأخرى". مشيرة إلى أن "الاتفاق النووي ليس اتفاقا ثنائيا، ولا يمكن لبلد واحد أن ينسحب منه من جانب واحد، فقد تم التصديق عليه بالإجماع بواسطة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو عنصر أساسي في سياسة عدم الانتشار النووي. والاتفاق أكثر أهمية، لأنه يشكل سابقة نرى تأثيرها المشجع في فكرة نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. كما أن الاتفاق النووي مع إيران أمر حاسم لأمن المنطقة وأوروبا والعالم".
ويعد الاتفاق النووي مع إيران تتويجا لـ12 سنة من الدبلوماسية، التي عملت باسم المجتمع الدولي بأكمله. وبحسب الأوروبيين، فالاتفاقية تعمل وتفي بغرضها المتعلق بضمان عدم قيام إيران بتطوير أسلحة نووية.
وعبرت فيديريكا موغيريني عن قلقها بشكل خاص من الإعلان عن عقوبات جديدة، وقالت إنها سوف تستشير جميع الشركاء في الساعات والأيام القادمة لتقييم آثارها، لأن "الاتحاد الأوروبي مصمم على العمل لحماية أمنه ومصالحه الاقتصادية".
ويفسر الموقف الأوروبي، فيليب رينييه، الخبير في الشؤون الأوروبية، قائلا لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن الأوروبيين قلقون من عواقب عودة العقوبات على شركاتهم النشطة حاليا في إيران أو حتى في الولايات المتحدة نفسها"، مضيفا "ستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة لهذا الخطر. وسيفرض ذلك على الأوروبيين إعادة تنشيط الإجراءات التي من شأنها تحصين الشركات الأوروبية من التأثيرات الخارجية للقرارات الأميركية، والتي سبق أن تمت الاستعانة بها في التسعينيات".
كما قالت إما مارشيغاليا، رئيسة بيزنيس أوروب، التي تمثل الشركات الأوروبية، لـ"العربي الجديد": "في هذه اللحظة، ليس من السهل تحديد التأثير الاقتصادي المحتمل لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران على الأنشطة التجارية الأوروبية. وبصفتنا ممثلين عن الشركات الأوروبية من جميع الأحجام، نحتاج إلى وضوح قانوني ونعتمد على دعم مؤسسات الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء لمساعدة الشركات في التعامل مع وضع عدم اليقين الحالي وعواقبه السلبية".
ما سبق دفع بمنسقة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي إلى توجيه رسالة إلى المواطنين والقادة الإيرانيين بألا يتركوا أي أحد يفكك هذه الاتفاقية، وذلك لأنها "واحدة من أعظم الإنجازات التي حققتها الدبلوماسية على الإطلاق، وقد أنشأناها معاً. إنه دليل على أن الحلول المتكافئة ممكنة، من خلال الحوار والالتزام والمثابرة. وهذا دليل على أنه يمكن العثور على أرضية مشتركة حتى عند اختلاف المواقف والاهتمامات. هذا الاحترام يمكن أن يكون لغة عالمية"، على حد تعبير موغيريني.
نظرة إلى المستقبل
الأزمة الجديدة والخطيرة في العلاقات عبر ضفتي الأطلسي أدرجت، من قبل رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، على جدول أعمال زعماء الاتحاد الأوروبي، إذ سيلتقي القادة الأوروبيون الثمانية والعشرون في قمة، يوم الأربعاء المقبل، في بلغاريا، رسميا، لعقد قمة مع دول غرب البلقان. لكن الملف النووي الإيراني سيخيم بدون شك على كل أطوار الاجتماع.
وفي انتظار نتائج القمة التي يجب أن تقرر أيضا في طلبات فرنسا بإدخال إصلاحات على الاتفاق مع إيران، يشدد الكثير من المسؤولين الأوروبيين على أنه يمكن تأجيل تأثير القرار الأميركي لربح الوقت، وإعطاء الجهود الدبلوماسية فرصة.
وكما يفسر فيليب رينييه، "بموجب الاتفاقية، يمكن للطرف الذي يرى أن طرفًا آخر لم يعد يفي بالتزاماته، أن يحرك آلية لتسوية المنازعات خلال 45 يومًا. وينبغي لهذه الهيئة، التي يمكن أن تجتمع على المستوى الوزاري، أن تعطي رأيها".
وقد لمّح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالفعل إلى أن هذا الخيار يمكن تفعيله من قبل طهران، مضيفا "بعد أن دافع الأوروبيون عن الاتفاق النووي منذ فترة طويلة، برز نوع من التغير في الموقف الرسمي، خاصة في ما يتعلق بمخاوف الرئيس الأميركي من التهديد الإيراني الباليستي ومشاركة طهران في العديد من النزاعات في المنطقة. فهناك نوع من التوافق على ضرورة حل هذا الملف. ولكن يجب حل هذه المخاوف بشكل منفصل عن الاتفاق النووي، كما يصر الأوروبيون، وربما بدون الولايات المتحدة. لذا تسعى فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشكل جماعي إلى التوصل لاتفاق أوسع، كما يشدد على ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
وكانت دراسة حديثة أعدها مركز "مجموعة الأزمات الدولية" بعنوان "كيف يمكن لأوروبا أن تنقذ الاتفاق النووي الإيراني"، قد أشارت إلى أنه يمكن للأوروبيين أن يقدموا خطة طارئة للإيرانيين تحتوي على "حزمة من التدابير الاقتصادية مع عناصر على المدى القصير والمتوسط". ويجب أن تؤكد هذه الحزمة على اهتمام الشركات الأوروبية بالسوق الإيراني وتسمح، على سبيل المثال، بتبادل صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا مقابل استيراد السلع الأوروبية. كما يمكن للأوروبيين أن يقترحوا على طهران "تقوية تعاونهم في المجال النووي للاستخدام المدني (الطاقة، الرعاية الصحية...)"، وذلك لتعزيز العلاقات معها وحثها على التعاون الفعال في المجالات الأخرى، كمساهمتها في الأزمات في المنطقة وملف الأسلحة الباليستية.