لم يكن المبرر الإنساني-الخيري هو أساس تفكيك مخيم كاليه للاجئين والمهاجرين الراغبين في السفر إلى بريطانيا العظمى، وإنما التغطية على الصورة السيئة التي تقدّمها خيام اللاجئين للعالَم عن فرنسا، ثم اقتراب الانتخابات الرئاسية ثم التشريعية.
والحقيقة أن ترحيل اللاجئين من كاليه إلى ملاجئ ومراكز أخرى على التراب الفرنسي لم يشمل كل من كانوا في كاليه. وآلاف اللاجئين الذين كانوا في باريس توزعوا على ضواحي العاصمة وبعضهم نقلوا إلى مدن بعيدة.
لهذا السبب شُيّد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 مخيم "بورت دي لاشابيل" الإنساني في قلب باريس، برغبة جارفة من عمدتها، آن هيدالغو، بدعم من الحكومة الفرنسية، ومُنحت إدارته لجمعية "إيماييس" الخيرية والتي أسسها القسّ الراحل بيير.
هذه الخطوة جعلت البابا يمتدح اللفتة، وهو الذي انتقد السلطات الفرنسية غير مرة، بسبب فظاظتها في التعامل مع المهاجرين والغجر.
ويتيح المركز للرجال البقاء فيه أسبوعا، قبل أن يُرسَلوا إلى "مركز دراسة وضعيتهم الإدارية" (Cesa) في مقر ولاية الأمن في باريس، حيث تؤخذ منهم البصمات، لينقلوا بعدها إلى مراكز أخرى في عموم فرنسا.
ولكن المركز الذي أرادته العمدة هيدالغو مركزا إنسانيا، أصبح آلة لانتقاء المهاجرين، فموافقة (Cesa) أصبحت ضروريّةً لحصول المهاجر على مكان في مركز استقبال، ما يسمح للسلطات بالتخلص من عدد كبير من المهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم، أو من ليس لديهم أوراق ثبوتية، أو أولئك الحالمين بالاستقرار في بريطانيا العظمى.
كما أن آليات (Cesa) تساعد على اكتشاف من تنطبق عليهم معاهدة دبلن بخصوص اللجوء، ما يبرئ ساحة فرنسا التي تسمح لها المعاهدة بإرسال هؤلاء إلى اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا.
ورغم استقبال مركز باريس أكثر من 800 شخص، وهو لا يكفي أمام تدفق المهاجرين نحو العاصمة. فإن قوات الأمن تسيّر دوريات مكثفة لمنع تثبيت خيام جديدة، واضعة أسلاكا شائكة ومواد إسمنتية كبيرة تحت جسور الميترو (محطتي جوريس وستالينغراد) لمنع المهاجرين من نصب خيامهم هناك.
لم يتوقف الصراع العلني بين جمعيات حقوقية وإغاثية، ومن بينها، "جمعية الإغاثة المسيحية" وبين بلدية كاليه، منذ الإغلاق العنيف لمخيم كاليه. وقررت الجمعية المذكورة في بداية شهر فبراير/شباط الماضي نصب حمّامات في مقراتها، يستفيد منها المهاجرون، وهو ما رفضته البلدية وأمرت بإغلاقها. لكن المحكمة الإدارية رفضت قرارات الأخيرة.
تجدر الإشارة إلى أنه رغم إغلاق كاليه فإن العديد من اللاجئين، ومنذ أسابيع عديدة، يصلون إلى عين المكان، في ظروف بالغة القسوة، جائعين ومنهكين وبعضهم لم يغتسل منذ أسابيع.
ولم يقتصر منع اللاجئين على الاغتسال وتفادي تفشي أوبئة جديدة، بل عارضت البلدية أيضا، توزيع الطعام عليهم. وهو ما أكدته، اعترافات ناتاشا بوشارت، رئيسة البلدية، بأنها تعارض "كل إجراء يتعلق بتوزيع الطعام أو وضع حمامات للاغتسال".
ويبدو أن الموقف يتناغم مع موقف وزير الداخلية برونو لورو، الذي صرح الأربعاء الماضي أثناء زيارته لمدينة كاليه، بأنه سيفعل كل ما يستطيع لمنع ظهور معسكر جديد، غير أنه رفض مجاراة من يرفض تقديم الطعام للمهاجرين.
وتتفق الجمعيات الإنسانية والإغاثية الفرنسية على أن وقوفها إلى جانب المهاجرين حيويّ وحاسم: "لأنّ توزيع الأغطية والثياب، يجنب المهاجرين الموت. كما يساهم في توفير الأمن لمواطني كاليه وتجّارها، ويجنب المدينة أي سرقات أو اعتداءات محتملة. ويتيح للجمعيات رصد أي مرض مُعدٍ، ويتيح إطلاع المهاجرين على حقوقهم حول إمكانات الاستقبال في فرنسا.
وورد ليل أمس، خبرٌ أكدت الحكومة الفرنسية فيه أن بإمكان "مهاجري غابة كاليه جميعا طلب اللجوء في فرنسا".
الجديد في الأمر أنه يتعلق برسالة موجهة من الإدارة العامة للأجانب في فرنسا إلى الجهات الأمنية، تدعوهم إلى دراسة كل طلبات اللجوء في فرنسا. وتشدد وزارة الداخلية الفرنسية على أن هذا "الإجراء استثنائي" ويتناسب مع "تعهد سياسي".
ورغم كل ذلك لا تزال فرنسا بعيدة عن استقبال الرقم الذي تعهد به الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وهو 30 ألف مهاجر.