قلق لبناني في ذكرى الحرب الأهلية
"تنذكر وما تنعاد"، بهذه العبارة، أحيا اللبنانيون الذكرى السنوية الأربعين للحرب الأهلية "المشؤومة" التي عصفت ببلدهم، عام 1975 واستمرت حتى العام 1989، على خلفية الصلاحيات والمغانم السياسية الموزّعة على الطوائف، ولم تضع هذه الحرب أوزارها، إلا بعد اتفاق النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية على إدخال تعديلات على الدستور، كان أبرزها نقل بعض صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.
يعيش لبنان، اليوم، أجواءً من الانقسام السياسي الذي يأخذ بعداً طائفياً مذهبياً، في ظل التطورات والمستجدات القائمة في المنطقة، وينذر باندلاع حرب جديدة بين اللبنانيين، تستكمل الحروب المشتعلة في سورية والعراق واليمن، وغيرها من الأقطار الملتهبة، خصوصاً وأن هذا الانقسام يتماهى مع الانقسامات القطْرية الموزّعة على الأقطار المذكورة. وأكثر ما يقلق اللبنانيين، اليوم، أن سقف الخطاب السياسي والإعلامي بين القوى المختلفة سياسياً، والمنقسمة مذهبياً وطائفياً، يرتفع ويأخذ شكلاً من أشكال الاتهامات والتخوين، فضلاً عن التموضع الحاد في مواجهة الطرف الآخر المختلِف. ويأتي ذلك كله في ظل فراغ في سدة الرئاسة، إذ مرّ على لبنان من دون انتخاب رئيس للجمهورية قرابة عشرة أشهر، من دون أن تلوح في الأفق بادرة حل سياسي، أو اتفاق إقليمي، ينهي حالة الفراغ، ويفتح الطريق أمام انتخاب رئيس للجمهورية. كما يأتي في ظل شبه شلل وزاري، إذ لا تستطيع الحكومة أن تقوم بدورها وواجبها إلا في أضيق الحدود، وبما يضمن الإجماع الكامل لوزرائها، وهذا من المستحيلات ومن الأمور الصعبة والعسيرة. وأما المجلس النيابي فهو، أيضاً، يكاد لا يقوم بالحد الأدنى من عمله، في ظل الانقسام الحاصل، وتوازن الكتل النيابية في داخله.
وفيما يتصل بالحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل، والذي تجاوز نقاط الخلاف الأساسية، من التدخل في سورية إلى المحكمة الدولية إلى السلاح في الداخل إلى قضية تخفيف التوتر والاحتقان، إلا أنه لم يحقق كثيراً من الأهداف التي وضعها لنفسه، فظل الاحتقان على حاله، بل وبات اللبنانيون يتندّرون، بعد كل جلسة حوارية تأتي بعيد عاصفة من المواقف السياسية والإعلامية، ومن أعلى رأس هرم كل طرف. وبالتالي، فإن الحوار، وإن خفّف شيئاً من التوتر والاحتقان، لم ينه هذه الحالة، ولم يقفل الباب على احتمالات انزلاق الأمور إلى أتون المجهول الذي قد يكون عودة لبنان، بعد أكثر من ربع قرن من الهدوء، إلى جنون عاصفة الحرب الأهلية.
"تنذكر وما تنعاد" عبارة ردّدها اللبنانيون في ذكرى الحرب المشؤومة، وهي تخفي قلقهم من عودة الحرب، في ظل إصرار فريق حزب الله على القتال في سورية إلى جانب النظام السوري، بل والذهاب إلى العراق، للوقوف مع قوات "الحشد الشعبي"، تحت عنوان محاربة التكفير والإرهاب، وربما استعداده للذهاب إلى اليمن، للدفاع عن جماعة الحوثي، وقد نُقل أن أحد كوادر الحزب قُتل هناك. وفي مقابل ذلك، اتهام دول الخليج، والسعودية تحديداً، بالتورط بالدم اليمني، مع ما يعنيه ذلك كله من إثارة لكل الأحقاد الطائفية والمذهبية، وتالياً إمكانية أن يشكل ذلك عود الثقاب الذي قد يشعل مساحة لبنان بحرب ضروس، قد لا تقل ضراوة عن الحروب الأخرى الدائرة في الأقطار الأخرى.
ربما شكل الوجود المسيحي في لبنان، إلى الآن، صمام أمان في حدود معينة، جنّبت لبنان أتون الحرب السورية، ومنعته من الانزلاق إلى أتون الصراعات القائمة، لاعتبارات ليس محل ذكرها هنا، لكن ذلك لا يعني أن هذا الوجود يمكن أن يبقى صامداً ومجنّباً لبنان الانزلاق إلى تلك المهاوي؛ ويحتاج الأمر إلى مزيد من التبصّر من كل الأطراف، وخصوصاً التي تريد لبنان جزءاً من نفوذ إقليمي، أو ساحة للتفاوض في ملفات كبرى، وإلا فإنه ليس في كل مرة "تسلم الجرّة"، وحتى لا تغيب عبارة "تنذكر وما تنعاد".