تعقد اليوم الأحد القمة الخليجية الـ39 في العاصمة السعودية الرياض، وسط استمرار الانقسام الخليجي وتداعي منظومة دول "مجلس التعاون الخليجي" بفعل الحصار الذي حاول فرضه محور الرياض – أبوظبي على قطر منتصف العام الماضي. وكانت المملكة ترغب في أن تشكّل هذه القمة محطة في مساعيها لتبييض صورتها الرسمية، للخروج من أزمتها الدولية الناتجة عن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، لكن ذلك لن يحصل، لأن لا قيمة سياسية حقيقية ولا إعلامية باتت تُعطى للقمة الشكلية. وسيكون اجتماع اليوم الواحد، "قمة الحد الأدنى"، المطلوب لمنع إعلان وفاة "مجلس التعاون"، لكن ليقتصر عمله، فعلياً، على المجال العسكري من دون كل بقية أوجه التكامل التي كانت واعدة نسبياً في التكتل الإقليمي الوحيد الذي توقّع البعض النجاح النسبي له، قبل أن ينهار بفعل الرغبة السعودية بفرض هيمنتها ومعسكرها على السياسات الداخلية والخارجية لبقية الدول الخليجية، وهو ما لا يقتصر على قطر، بل أيضاً ترفضه كل من الكويت وسلطنة عمان. وكان من المفترض أن تعقد هذه القمة في عُمان وفق الترتيب الخليجي، لكن مسقط قرّرت الاستغناء عن عقدها وتسليمها للرياض، في محاولة منها لتجنّب الفشل الذي منيت به قمة الكويت الـ38 العام الماضي، بعد قرار دول الحصار مقاطعتها وتخريبها، رغم دعوة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لقادتها.
وتهدف هذه القمة التي تعقد بوساطة أمير الكويت، وهو يعتبر الأب الروحي لفكرة المجلس أوائل ثمانينيات القرن الماضي، إلى محاولة الإبقاء على وجود منظومة "مجلس التعاون الخليجي" فقط، من دون النظر إلى التوصّل لأي نتائج سياسية أو اقتصادية أخرى. ومن المنتظر أن تعقد هذه القمة ليوم واحد فقط كما حدث في قمة الكويت الشكلية العام الماضي.
وكان الأمين العام لدول "مجلس التعاون الخليجي"، عبد اللطيف الزياني، قد سلّم دعوة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لحضور القمة الخليجية. لكن هذه الدعوة كانت مجرد جزء من البروتوكول الضروري لـ"مجلس التعاون الخليجي" نفسه، إذ إنّ القيادة القطرية ترفض حضور أي اجتماع داخل أراضي دول الحصار، ما لم تقم هذه الدول بالتراجع عن حصارها على دولة قطر. كذلك، جاءت خطوة السلطات السعودية بإطلاق سراح المواطن القطري المعتقل لديها، أحمد خالد مقبل، عشية القمة، أول من أمس الجمعة، من دون أثر في تغيير موقف الدوحة المشترط وقف كافة أشكال الحصار بلا شروط، علماً أنه لا يزال هناك ثلاثة مواطنين قطريين معتقلين في المملكة، لمجرد أنهم قطريون. ويشارك في القمة ثلاثة رؤساء دول من أصل ستة، هم أمير الكويت، والملك سلمان ونجله، ولي العهد، محمد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بينما يتوقّع أن يكون التمثيل القطري منخفضاً (سفير أو وزير دولة مثلاً، مع ترجيح أن يكون سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية هو رئيس الوفد القطري، انطلاقاً من أنه هو من استقبل الزياني الأسبوع الماضي لتسلم الدعوة إلى القمة)، في حين يرأس وفد الإمارات ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ويغيب السلطان قابوس كالعادة، فينوب ممثلاً عنه وزير الخارجية يوسف بن علوي.
وبحسب تصريح الأمين العام لدول "مجلس التعاون" عبد اللطيف الزياني، فإنّ قادة دول الخليج سيبحثون آخر التطورات السياسية الإقليمية والدولية، ومستجدات الأوضاع الأمنية في المنطقة. كما سيبحثون عدداً من القرارات الاقتصادية والسياسية في إطار تحقيق "التكامل الخليجي".
لكن إمكانيات إجراء المحادثات حول الوحدة الاقتصادية والسياسية ومشروع "التكامل الخليجي" تبدو مستحيلة في ظلّ الانقسام الحاد الذي تعيشه منظومة دول "مجلس التعاون" التي تأسست عام 1981 لمواجهة تداعيات الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 على المنطقة. ولن تتمكن الوفود الخليجية من نقاش المشاريع الاقتصادية التي كان من المخطط أن تدشّن قبل أن تقوم السعودية والإمارات ومن خلفهما البحرين بحصار قطر. ومن أهم هذه المشاريع، مشروع السكك الحديدية بين دول المجلس ومشروع العملة الموحّدة.
وقال الزياني: "إنّ دول الخليج في طريقها لإنشاء شبكة السكك الحديدية بينها، حيث ستمتد الشبكة من مسقط إلى الكويت، كما أن مشروع العملة النقدية الموحدة بات قريباً ولم تبق إلا بعض الأمور الفنية".
وتبدو تصريحات الزياني، الذي انحاز لمحور الرياض -أبوظبي خلال الأزمة الخليجية متجاهلاً دوره كأمين عام لمنظمة دول "مجلس التعاون"، حول مشروع السكك الحديدية والعملة الموحدة والتكامل الاقتصادي الخليجي، في الوقت الذي تفرض فيه السعودية حصاراً اقتصادياً على دولة قطر وتغلق الحدود البرية معها، مجرّد حديث روتيني كان لا بد من إلقائه قبل أي قمة خليجية.
لكن التعاون العسكري سيكون استثناءً بين الدول الخليجية رغم حالة الانقسام الذي تعيشه، إذ اتفق قادة أركان الجيوش الخليجية إثر اجتماع لهم في الكويت في سبتمبر/أيلول الماضي على تنحية الأزمة الخليجية، وبحث تفعيل القيادة العسكرية الموحدة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك برعاية أميركية في إطار محاربة النفوذ الإيراني.
وستبحث الوفود الخليجية هذه النقطة بدون التطرق إلى بقية الملفات الخارجية العالقة، مثل ملف الحرب على اليمن والذي تختلف فيه دول الكويت وعمان وقطر مع السعودية والبحرين والإمارات، كما سيتم تجاهل بحث الملف السوري والاكتفاء بتوصية تدعو إلى حلّ سلمي في سورية.
وهذه القمة، هي الثانية بعد حصار دولة قطر منتصف العام الماضي، إذ عقدت الدورة الـ38 في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي في دولة الكويت، التي تبنّت دور الوساطة مع عمان في الأزمة الخليجية، ورفضت الانحياز لمعسكر الحصار. وشهدت القمة الماضية محاولات تخريبية من قبل دول الحصار، إذ تغيّب قادة الدول الثلاث عن حضور القمة رغم دعوة أمير الكويت لهم بصفة شخصية لحلّ الأزمة، فيما حضر أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، مستجيباً لدعوة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وحاولت دول محور الرياض – أبوظبي الانفراد بالقمة الخليجية العام الماضي وعقدها في مدينة الرياض مع استبعاد دولة قطر. لكنّ تدخّل أمير الكويت حال دون ذلك، مما أدى إلى قيام هذه الدول بهجر منظومة دول "مجلس التعاون الخليجي" وتعطيل انعقاد لجانها الفرعية في مقر الأمانة العامة الرئيسي في الرياض.
لكن الموازين تبدو مختلفة هذه المرة في قمة الرياض، إذ تعيش السعودية حالة من العزلة الدولية بعد ثبوت تورط مستشاري ولي العهد، محمد بن سلمان، وربما ولي العهد شخصياً، في قتل الإعلامي جمال خاشقجي داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، وانقلاب الرأي العام العالمي ضد بن سلمان المتورّط، بحسب تقرير الاستخبارات الأميركية، بجريمة الاغتيال، بالإضافة إلى حوادث تعذيب وسجن وإخفاء قسري واغتصاب المئات من الناشطين والناشطات داخل السجون السعودية.
كما أنّ قطر تبدو هذه المرة أكثر قوة، خصوصاً بفضل أخطاء ولي العهد السعودي المتكررة وسياساته الخارجية في اليمن، وفشله السياسي في لبنان والعراق وقطر وأخيراً في تركيا، حيث تشنّ الصحف العالمية الدولية عشرات الهجمات الإعلامية يومياً، مسربةً مئات الأمثلة حول "دمويته"، مما حوّل الرياض إلى عاصمة منبوذة في العالم.
ولا تزال دولة قطر تتبنى سياسة متمسكة بـ"مجلس التعاون الخليجي"، شرط أن يتم إصلاحه بشكل يحول دون هيمنة دولة أو محور عليه، مثلما هو حاصل في ظلّ الأحلام السعودية ــ الإماراتية بالهيمنة على بقية الدول. وهو ما قال عنه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أخيراً، إنّ "استمرار الأزمة الخليجية كشف إخفاق مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهدافه وتلبية طموحات شعوبنا الخليجية". وكانت قطر قد انسحبت من منظمة "أوبك" النفطية الأسبوع الماضي بسبب خروج المنظمة عن أهدافها وسيطرة القرارات السياسية عليها، في إشارة للتلاعب السعودي بخفض الإنتاج ورفعه لأجل أهداف سياسية خاصة بالرياض. وتشير دلالة الانسحاب القطري من "أوبك"، ربما إلى استعداد الدوحة للانسحاب من منظمة دول "مجلس التعاون"، إذا ما استمرت في فشلها، وانحياز أمينها العام لمعسكر دول الحصار، مع أن الموقف الرسمي القطري لا يزال ينفي وجود هذه النية في دوائر القرار حالياً.