31 أكتوبر 2024
قمة شرم الشيخ.. هذه بتلك
هل كان مصادفةً تزامنُ القمة العربية الأوروبية، في شرم الشيخ، مع تنفيذ النظام المصري إعدامات مروّعة بحق معارضين؟ لا يكتسي هذا السؤال دلالته إلا في ضوء أزمة الشرعية التي يعاني منها نظام عبد الفتاح السيسي منذ الانقلاب العسكري، وهي أزمة مزدوجة، ترتبط، من ناحيةٍ، بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، والتي يصل بعضها إلى جرائم إبادة جماعية، حسب التشريع الدولي. ومن ناحية أخرى، بإفلاس المنظومة الاقتصادية والاجتماعية لهذا النظام، وعجزه عن توفير الاحتياجات الأساسية لقطاع كبير من المصريين.
ضمن هذا السياق، تصبح المشاركة الأوروبية في القمة غطاءً دوليا دالا لممارسات هذا النظام، بحيث تمنحه هامشا لإدارة أزمة الشرعية هاته، وتدبير توتراتها الداخلية والإقليمية، أولا بحيازة الدعم الدولي لمشروع التعديلات الدستورية التي ستفتح الباب أمام السيسي للبقاء طويلا في سدّة الحكم، وثانيا باستثمار براغماتية (بالأحرى انتهازية!) الأوروبيين في تعاطيهم مع قضايا الحقوق والحريات في المنطقة العربية، والتي تحكمها اعتباراتٌ تجاريةٌ واقتصادية وأمنية.
صمتُ الغرب على جريمة إعدام نظام السيسي معارضين لا يمكن أن يفسَّر إلا برفضه التضحية بمصالحه الحيوية، من أجل بضعة أرواح أزهقت ظلما على مذبح مكافحة الإرهاب، فهو يدرك جيدا، من تقارير حقوقية دولية موثوق فيها، أن المحاكمات التي ارتكز عليها القضاء المصري في إدانة هؤلاء لم تكن عادلةً بالمرة، والاعترافات التي انتُزعت منهم كانت تحت التعذيب، لكنه يتغاضى عن ذلك كله، ويمضي في منح شرعيةٍ دوليةٍ لنظامٍ مفلسٍ أخلاقيا وسياسيا، ومن خلاله طبعا لمحور الثورة المضادة في المنطقة.
بهذا المعنى، يبدو غياب قضايا الديمقراطية والحريات عن قمة شرم الشيخ صفقةً غير معلنة بين هذا المحور والاتحاد الأوروبي، فعندما يؤكد السيسي على أهمية صياغة ''مقاربة شاملة'' لمكافحة الإرهاب، فهو يعي أهمية ذلك بالنسبة لأوروبا المنشغلة بتغليب مصالحها الكبرى، ضمن توازنات النفوذ والقوة في جنوب حوض المتوسط. ولم يكن عبثاً وضعُ شعار ''في استقرارنا نستثمر'' لهذه القمة، فإذا أراد الأوروبيون الحصول على امتيازاتٍ في الاستثمار والتجارة، وتعزيزَ الشراكة العربية الأوروبية، والحدّ من الهجرة السرية، والتعاونَ في مكافحة الإرهاب، فينبغي عليهم تجاهل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة، وترك الشؤون الداخلية للأنظمة والنخب الحاكمة.
يبحث الأوروبيون عن موطئ قدم داخل شبكة المصالح الكبرى في المنطقة. ولذلك، يفضلون التعامل مع أنظمةٍ قمعيةٍ لا تحترم مواطنيها، ولا تتورّع عن البطش بهم، وانتهاك حقوقهم، ما دامت قادرةً على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني. وكان لافتا ما قاله السيسي عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية، حين اعتبر أن الأولوية للحفاظ على مؤسسات الدولة، وكأن لسان حاله يقول ''لا بأس من بعض الانتهاكات أو التجاوزات البسيطة، إذا كان ذلك سيفضي إلى تحقيق الأمن، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب والهجرة السرية''. وهي القضايا الاستراتيجية التي جاء الأوروبيون لبحثها في شرم الشيخ، في سياق تطلّعهم نحو شراكةٍ تضمن مصالحهم الأمنية والتجارية والاقتصادية على المدى البعيد، خصوصا في ظل غياب تكتل إقليمي عربي قادر على تحقيق قدرٍ من التوازن في مواجهتهم.
يعتبر الأوروبيون جنوب المتوسط منطقةً حيويةً لهم، أمام ما تطرحه قضايا الإرهاب والهجرة السرية من تحدّيات جمّة على التوازنات الجيوسياسية. وإذا كانت الثورات العربية قد أربكت استراتيجيتهم القائمة على دعم الأنظمة المستبدة، ومساعدتها على تحقيق قدر من الإصلاح وإحلال الأمن والاستقرار، فإن الانتكاسة التي منيت بها معظم هذه الثورات بعد 2013 دفعتهم إلى تَحيين هذه الاستراتيجية، بما يوافق المتغيرات الحاصلة، بدءا من التطبيع مع الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر، ودعم قوات خليفة حفتر في ليبيا، والاستنكاف عن تقديم الدعم الاقتصادي الكافي لتونس، وتجاهل المأساة اليمنية، وصولا إلى الصمت المخجل إزاء الإعدامات في مصر.
''هذه بتلك'' هو المنطق الذي يحكم علاقةَ أوروبا بالمنطقة العربية، فكلما اجتهدت الأنظمة في التفاعل مع المطالب الأوروبية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والهجرة السرية وصفقات السلاح، والاستثمارات الكبرى، ضمنت استقرارها وبقاءها في السلطة.
ضمن هذا السياق، تصبح المشاركة الأوروبية في القمة غطاءً دوليا دالا لممارسات هذا النظام، بحيث تمنحه هامشا لإدارة أزمة الشرعية هاته، وتدبير توتراتها الداخلية والإقليمية، أولا بحيازة الدعم الدولي لمشروع التعديلات الدستورية التي ستفتح الباب أمام السيسي للبقاء طويلا في سدّة الحكم، وثانيا باستثمار براغماتية (بالأحرى انتهازية!) الأوروبيين في تعاطيهم مع قضايا الحقوق والحريات في المنطقة العربية، والتي تحكمها اعتباراتٌ تجاريةٌ واقتصادية وأمنية.
صمتُ الغرب على جريمة إعدام نظام السيسي معارضين لا يمكن أن يفسَّر إلا برفضه التضحية بمصالحه الحيوية، من أجل بضعة أرواح أزهقت ظلما على مذبح مكافحة الإرهاب، فهو يدرك جيدا، من تقارير حقوقية دولية موثوق فيها، أن المحاكمات التي ارتكز عليها القضاء المصري في إدانة هؤلاء لم تكن عادلةً بالمرة، والاعترافات التي انتُزعت منهم كانت تحت التعذيب، لكنه يتغاضى عن ذلك كله، ويمضي في منح شرعيةٍ دوليةٍ لنظامٍ مفلسٍ أخلاقيا وسياسيا، ومن خلاله طبعا لمحور الثورة المضادة في المنطقة.
بهذا المعنى، يبدو غياب قضايا الديمقراطية والحريات عن قمة شرم الشيخ صفقةً غير معلنة بين هذا المحور والاتحاد الأوروبي، فعندما يؤكد السيسي على أهمية صياغة ''مقاربة شاملة'' لمكافحة الإرهاب، فهو يعي أهمية ذلك بالنسبة لأوروبا المنشغلة بتغليب مصالحها الكبرى، ضمن توازنات النفوذ والقوة في جنوب حوض المتوسط. ولم يكن عبثاً وضعُ شعار ''في استقرارنا نستثمر'' لهذه القمة، فإذا أراد الأوروبيون الحصول على امتيازاتٍ في الاستثمار والتجارة، وتعزيزَ الشراكة العربية الأوروبية، والحدّ من الهجرة السرية، والتعاونَ في مكافحة الإرهاب، فينبغي عليهم تجاهل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة، وترك الشؤون الداخلية للأنظمة والنخب الحاكمة.
يبحث الأوروبيون عن موطئ قدم داخل شبكة المصالح الكبرى في المنطقة. ولذلك، يفضلون التعامل مع أنظمةٍ قمعيةٍ لا تحترم مواطنيها، ولا تتورّع عن البطش بهم، وانتهاك حقوقهم، ما دامت قادرةً على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني. وكان لافتا ما قاله السيسي عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية، حين اعتبر أن الأولوية للحفاظ على مؤسسات الدولة، وكأن لسان حاله يقول ''لا بأس من بعض الانتهاكات أو التجاوزات البسيطة، إذا كان ذلك سيفضي إلى تحقيق الأمن، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب والهجرة السرية''. وهي القضايا الاستراتيجية التي جاء الأوروبيون لبحثها في شرم الشيخ، في سياق تطلّعهم نحو شراكةٍ تضمن مصالحهم الأمنية والتجارية والاقتصادية على المدى البعيد، خصوصا في ظل غياب تكتل إقليمي عربي قادر على تحقيق قدرٍ من التوازن في مواجهتهم.
يعتبر الأوروبيون جنوب المتوسط منطقةً حيويةً لهم، أمام ما تطرحه قضايا الإرهاب والهجرة السرية من تحدّيات جمّة على التوازنات الجيوسياسية. وإذا كانت الثورات العربية قد أربكت استراتيجيتهم القائمة على دعم الأنظمة المستبدة، ومساعدتها على تحقيق قدر من الإصلاح وإحلال الأمن والاستقرار، فإن الانتكاسة التي منيت بها معظم هذه الثورات بعد 2013 دفعتهم إلى تَحيين هذه الاستراتيجية، بما يوافق المتغيرات الحاصلة، بدءا من التطبيع مع الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر، ودعم قوات خليفة حفتر في ليبيا، والاستنكاف عن تقديم الدعم الاقتصادي الكافي لتونس، وتجاهل المأساة اليمنية، وصولا إلى الصمت المخجل إزاء الإعدامات في مصر.
''هذه بتلك'' هو المنطق الذي يحكم علاقةَ أوروبا بالمنطقة العربية، فكلما اجتهدت الأنظمة في التفاعل مع المطالب الأوروبية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والهجرة السرية وصفقات السلاح، والاستثمارات الكبرى، ضمنت استقرارها وبقاءها في السلطة.