30 أكتوبر 2024
قمّة سوتشي.. في انتظار غودو
لم تصدر عن قمّة سوتشي التي عقدت يوم 14 فبراير/ شباط الجاري بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، بوتين وأردوغان وروحاني، نتيجة محدّدة بشأن سورية؛ حيث اكتفى البيان الختامي، وكذلك تصريحات الرؤساء في مؤتمرهم الصحافي، بالعموميات والوعود المفتوحة، ما دفع المعلقين السياسيين والإعلاميين إلى تبنّي استنتاجاتٍ متعارضة إلى حد التناقض، قال بعضهم بفشل القمة، وقال آخرون بنجاحها مع تأجيل الإعلان عن الاتفاقات لاعتبارات آنية.
واقع الحال أن القمة فشلت في الاتفاق على موقفٍ موحد، أو على حل أيٍّ من البنود التي أعلن قبيْل انعقادها أنها ستكون على جدول أعمالها، بنود: إدلب، المنطقة الأمنية التي ترغب تركيا إقامتها بطول 500 كلم وعرض يتراوح بين 32 و 60 كلم؛ على طول الحدود السورية التركية، من جرابلس إلى فيش خابور، واللجنة الدستورية، إذا استثنينا التوافق على ربط الموافقة على تشكيلة اللجنة المقترحة بموافقة الأمم المتحدة عليها، حيث غدت مهمة روسيا إقناع الأمم المتحدة بهذه التشكيلة، وآية ذلك تصريحات الرؤساء الثلاثة في مؤتمرهم الصحافي، حيث كان التباين في مواقفهم من هذه البنود واضحا وصريحا؛ مع ملاحظة سيادة نبرةٍ هادئةٍ ومواقف فضفاضة، جاءت لافتةً بعد التصريحات الروسية القوية والحاسمة بشأن عدم السماح باستمرار الوضع في إدلب، وتكرار الحديث عن عمليةٍ عسكريةٍ ضد الإرهابيين فيها؛ وغضّ النظر عن خرق قوات النظام وقف إطلاق النار، وقصفها مدنا وبلدات في المحافظة، وأخرى في ريفي حماة وحلب طوال الأسبوع الذي سبق القمة. وهذا عكس رغبتهم في المحافظة على علاقات العمل القائمة بين دولهم، من جهة، وتمرير الوقت انتظارا لاتضاح صورة المواقف في ملفاتٍ
ذات صلة، الانسحاب الأميركي من منطقة شرق الفرات والتطورات على صعيد العلاقات الأميركية الإيرانية، من جهة أخرى.
ارتبطت التباينات بعوامل ثلاثة، أولها الانسحاب الأميركي وما سيحصل على هذا الصعيد، إن لجهة شروط الانسحاب أو توقيته والمدة الزمنية التي سيستغرقها، يمكن اعتباره العامل الأكثر تأثيرا على فشل القمة، لانعكاسه القوي والمباشر على أطرافها الثلاثة، وحساباتهم ومصالحهم القريبة والبعيدة، فمعرفة شروط الانسحاب وجدوله الزمني، وطبيعة التفاهمات بشأن الوضع بعد الانسحاب بين الولايات المتحدة وتركيا، من جهة، وبين الولايات المتحدة وروسيا، من جهة ثانية، سيعزّز موقف طرف، ويضعف موقفا آخر، ويدفع إلى حساباتٍ وخياراتٍ مختلفة من معظم بنود الملف السوري. وهذا برز لحظة إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نيته سحب القوات الأميركية من سورية، وتكليف تركيا بملف شرق الفرات والقضاء على بقايا تنظيم (داعش)؛ وتمثيل الموقف الأميركي والغربي هناك؛ حيث تعزّز موقف تركيا بتوسّع دورها ونفوذها في سورية برعاية أميركية؛ عكسته نبرة التصريحات التركية بشأن القضاء على "الإرهابيين"، قوات سورية الديمقراطية (قسد) و"داعش" (يمكن التذكير بتصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عن قوات "قسد": سندفنهم في الأنفاق التي حفروها)، وإقامة منطقة أمنية تحت السيطرة التركية الخالصة. ثم تراجعت نبرة التهديد والوعيد التركية، بعد الإعلان عن الشروط الأميركية لعملية عسكرية تركية شرق الفرات: تنسيق العملية مع واشنطن، حماية حلفائها من الكرد، في حين حمّل القرار روسيا أعباء جديدة، عبء الملف السوري؛ إدارته والموازنة بين مصالح حلفائها ونفوذهم وأدوارهم الراهنة والمستقبلية، بالإضافة إلى مراعاة مصالح خصومها، ذلك أن الانسحاب الأميركي، الخصم المشترك للدول الثلاث، سيزيل اللحمة بينها، ويدفعها إلى إعادة النظر في الأولويات، بحيث تحافظ (روسيا) على علاقاتٍ متوازنةٍ مع الجميع، وعلى العمل المشترك في إطار مسار أستانة، ما دفعها إلى الإعلان عن تفهمها موقف تركيا وعمليتها العسكرية شرق الفرات، قبل أن تعود إلى موقفها التقليدي القائل بضرورة سيطرة النظام على كل الأراضي السورية، وتطرح على تركيا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية أضنة التي كانت وقعتها مع النظام عام 1998، في ضوء ما ظهر من تردّد أميركي بشأن تكليف تركيا بالمنطقة، وتمسك واشنطن بحماية حلفائها من الكرد؛ وتوصيفها المنطقة الأمنية منطقة عازلة بين تركيا وهؤلاء الحلفاء من الكرد، تجلى ذلك في دعوتها دولا أوروبية إلى نشر قوات فصل بين الطرفين، ومد
فترة الانسحاب من دون إعطاء مدة محددة وثابتة.
وشكّل القرار الأميركي غيمة ضباب أمام الرؤساء الثلاثة؛ وصف الرئيس التركي أثر الإعلان الأميركي بالانسحاب بمرحلة من الغموض، ولذلك مالوا إلى تعليق المواقف، ريثما تتضح صورة الموقف الأميركي، وتنفيذه قرار الانسحاب، تحاشيا لحصول تطوّرات تنعكس سلبا على مصالح بلادهم. ثانيها تباين المواقف بشأن الوضع في إدلب بين تبنٍّ روسي إيراني حسما عسكريا ترفضه تركيا التي تدعو إلى مقاربة سياسية طويلة النَفَس، قائمة على فكرة إقناع "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة لأهل الشام" عمودها الفقري بعزل الجهاديين الأجانب، وحل نفسها، والانخراط في تشكيل عسكري موحد مع بقية فصائل المحافظة، وفصائل منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، الحديث يدور بشأن الجيش الوطني الذي سيتجاوز عدد أفراده الثمانين ألفا، ما اضطر الرؤساء إلى ترحيل البند إلى قمتهم التي ستعقد في تركيا الشهر المقبل (مارس/ آذار)، لأن الإصرار على الحسم سيُنهي علاقة العمل بينهم، وتعود تركيا إلى الحضن الأميركي، وهو ما لا تريده لا روسيا ولا إيران. تسعى الأولى إلى دق إسفين بين تركيا والتحالف الغربي، والثانية تريدها إلى جانبها لتعزيز فرصها في مواجهة العقوبات والضغوط الأميركية.
العامل الثالث في تباين المواقف هو دخول الملف السوري مرحلة ضرورة حسم بعض بنوده، مثل حدود مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية، الموقف من الفصائل المتشددة، مستقبل مساري جنيف وأستانة. وهذا جعل التقدم أكثر صعوبةً في ضوء تأثير صيغة حسم هذه البنود على بنود أخرى جوهرية، لم تحن لحظة تناولها، مثل مستقبل سورية، المصالحة الوطنية، مصير اللاجئين، إعادة الإعمار، بقاء القوات الأجنبية على الأرض السورية، وحرص كل من الرؤساء الثلاثة، أردوغان وروحاني وبوتين، على عدم تمكين أي من الرئيسيْن الآخريْن من تحقيق مكاسب على حسابه، أو الالتزام بموقفٍ قد ينعكس سلبا على مصالح بلاده عند تناول بقية بنود الملف في مراحل لاحقة.
ويمكن القول إن تناقض الأولويات وتضاربها، وحاجة الدول الثلاث لبعضها بعضا، جعل الرؤساء يختارون ترحيل البنود وتأجيل حسم المواقف من أجل المحافظة على مسار أستانة، على الرغم من هشاشته، لأنه وفر لهم منصّة للانخراط في إدارة الملف السوري، ولعب دور إقليمي رئيس، عزّز وزن كل دولة من دولهم ودورها، وقيّد إلى حد كبير حركة خصومها.
ارتبطت التباينات بعوامل ثلاثة، أولها الانسحاب الأميركي وما سيحصل على هذا الصعيد، إن لجهة شروط الانسحاب أو توقيته والمدة الزمنية التي سيستغرقها، يمكن اعتباره العامل الأكثر تأثيرا على فشل القمة، لانعكاسه القوي والمباشر على أطرافها الثلاثة، وحساباتهم ومصالحهم القريبة والبعيدة، فمعرفة شروط الانسحاب وجدوله الزمني، وطبيعة التفاهمات بشأن الوضع بعد الانسحاب بين الولايات المتحدة وتركيا، من جهة، وبين الولايات المتحدة وروسيا، من جهة ثانية، سيعزّز موقف طرف، ويضعف موقفا آخر، ويدفع إلى حساباتٍ وخياراتٍ مختلفة من معظم بنود الملف السوري. وهذا برز لحظة إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نيته سحب القوات الأميركية من سورية، وتكليف تركيا بملف شرق الفرات والقضاء على بقايا تنظيم (داعش)؛ وتمثيل الموقف الأميركي والغربي هناك؛ حيث تعزّز موقف تركيا بتوسّع دورها ونفوذها في سورية برعاية أميركية؛ عكسته نبرة التصريحات التركية بشأن القضاء على "الإرهابيين"، قوات سورية الديمقراطية (قسد) و"داعش" (يمكن التذكير بتصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عن قوات "قسد": سندفنهم في الأنفاق التي حفروها)، وإقامة منطقة أمنية تحت السيطرة التركية الخالصة. ثم تراجعت نبرة التهديد والوعيد التركية، بعد الإعلان عن الشروط الأميركية لعملية عسكرية تركية شرق الفرات: تنسيق العملية مع واشنطن، حماية حلفائها من الكرد، في حين حمّل القرار روسيا أعباء جديدة، عبء الملف السوري؛ إدارته والموازنة بين مصالح حلفائها ونفوذهم وأدوارهم الراهنة والمستقبلية، بالإضافة إلى مراعاة مصالح خصومها، ذلك أن الانسحاب الأميركي، الخصم المشترك للدول الثلاث، سيزيل اللحمة بينها، ويدفعها إلى إعادة النظر في الأولويات، بحيث تحافظ (روسيا) على علاقاتٍ متوازنةٍ مع الجميع، وعلى العمل المشترك في إطار مسار أستانة، ما دفعها إلى الإعلان عن تفهمها موقف تركيا وعمليتها العسكرية شرق الفرات، قبل أن تعود إلى موقفها التقليدي القائل بضرورة سيطرة النظام على كل الأراضي السورية، وتطرح على تركيا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية أضنة التي كانت وقعتها مع النظام عام 1998، في ضوء ما ظهر من تردّد أميركي بشأن تكليف تركيا بالمنطقة، وتمسك واشنطن بحماية حلفائها من الكرد؛ وتوصيفها المنطقة الأمنية منطقة عازلة بين تركيا وهؤلاء الحلفاء من الكرد، تجلى ذلك في دعوتها دولا أوروبية إلى نشر قوات فصل بين الطرفين، ومد
وشكّل القرار الأميركي غيمة ضباب أمام الرؤساء الثلاثة؛ وصف الرئيس التركي أثر الإعلان الأميركي بالانسحاب بمرحلة من الغموض، ولذلك مالوا إلى تعليق المواقف، ريثما تتضح صورة الموقف الأميركي، وتنفيذه قرار الانسحاب، تحاشيا لحصول تطوّرات تنعكس سلبا على مصالح بلادهم. ثانيها تباين المواقف بشأن الوضع في إدلب بين تبنٍّ روسي إيراني حسما عسكريا ترفضه تركيا التي تدعو إلى مقاربة سياسية طويلة النَفَس، قائمة على فكرة إقناع "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة لأهل الشام" عمودها الفقري بعزل الجهاديين الأجانب، وحل نفسها، والانخراط في تشكيل عسكري موحد مع بقية فصائل المحافظة، وفصائل منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، الحديث يدور بشأن الجيش الوطني الذي سيتجاوز عدد أفراده الثمانين ألفا، ما اضطر الرؤساء إلى ترحيل البند إلى قمتهم التي ستعقد في تركيا الشهر المقبل (مارس/ آذار)، لأن الإصرار على الحسم سيُنهي علاقة العمل بينهم، وتعود تركيا إلى الحضن الأميركي، وهو ما لا تريده لا روسيا ولا إيران. تسعى الأولى إلى دق إسفين بين تركيا والتحالف الغربي، والثانية تريدها إلى جانبها لتعزيز فرصها في مواجهة العقوبات والضغوط الأميركية.
العامل الثالث في تباين المواقف هو دخول الملف السوري مرحلة ضرورة حسم بعض بنوده، مثل حدود مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية، الموقف من الفصائل المتشددة، مستقبل مساري جنيف وأستانة. وهذا جعل التقدم أكثر صعوبةً في ضوء تأثير صيغة حسم هذه البنود على بنود أخرى جوهرية، لم تحن لحظة تناولها، مثل مستقبل سورية، المصالحة الوطنية، مصير اللاجئين، إعادة الإعمار، بقاء القوات الأجنبية على الأرض السورية، وحرص كل من الرؤساء الثلاثة، أردوغان وروحاني وبوتين، على عدم تمكين أي من الرئيسيْن الآخريْن من تحقيق مكاسب على حسابه، أو الالتزام بموقفٍ قد ينعكس سلبا على مصالح بلاده عند تناول بقية بنود الملف في مراحل لاحقة.
ويمكن القول إن تناقض الأولويات وتضاربها، وحاجة الدول الثلاث لبعضها بعضا، جعل الرؤساء يختارون ترحيل البنود وتأجيل حسم المواقف من أجل المحافظة على مسار أستانة، على الرغم من هشاشته، لأنه وفر لهم منصّة للانخراط في إدارة الملف السوري، ولعب دور إقليمي رئيس، عزّز وزن كل دولة من دولهم ودورها، وقيّد إلى حد كبير حركة خصومها.