في الآونة الأخيرة، حاول النظام السوري أن يروج لنفسه على أنه نظام منفتح ومتقبّل للرأي الآخر، ولا سيما في القطاعات الثقافية والرياضية. فروجت وسائل إعلامه لتساهل النظام مع معارضيه، وإمكانية عودة شخصيات فنية بارزة معارضة له، إلى مناطق سيطرته من خلال تسويات وطنية يقومون بها. وعلى الرغم من عدم استجابة غالبية الفنانين المعارضين لرغبة النظام، إلا أن وسائل الإعلام ظلت تروج لانفتاح النظام السوري، و"اتساع الوطن للجميع". وخصوصاً بعدما شهدت الرياضة السورية خطوة مشابهة، عندما احتضن النظام لاعبين معارضين عادا ليمثلا المنتخب الوطني، وهما: عمر السومة وفراس الخطيب، واستثمر إعلام النظام في عودتهما، ليعطي انطباعاً بـ"انفتاح الدولة".
وتحدثت بالفترة الماضية بعض الشخصيات الفنية المقربة من النظام السوري، عن محاولتها التحاور مع الفنانين المعارضين لعودتهم، مثل الفنانة سوزان نجم الدين، التي ذكرت في إحدى مقابلاتها الأخيرة، أن بشار الأسد كان قد اجتمع بها وببعض "الشخصيات الوطنية"، وطلب منهم التحاور مع الشخصيات الفنية المعارضة، بغية الوصول إلى تسوية معهم تعيدهم إلى "كنف الدولة". وأشارت نجم الدين إلى أنها، وعلى هذا الأساس، حاولت التحاور مع بعض الفنانين المعارضين، وذكرت منهم جمال سليمان ومكسيم خليل. إلا أن ما يتم الترويج له إعلامياً لا يشبه ما يتم تطبيقه بحق الفنانين المعارضين من قوانين على أرض الواقع، فقد سبق أن قام النظام السوري بمصادرة أملاك البعض منهم. وأصدرت نقابة الفنانين السوريين بحقهم العديد من العقوبات من فصل واستدعاءات.
وفي نهاية الشهر الماضي، أصدر مجلس الشعب قرارات جديدة، بعضها يخص نقابة الفنانين. وكان الهدف من تلك القرارات الضغط على الفنانين المعارضين في سوق عملهم. وأول تلك القرارات، هو الاشتراط على شركات الإنتاج الفني في الداخل السوري، الخاصة منها والعامة، وعلى الشركات الفنية غير السورية التي تصور أعمالها في الداخل السوري، أن تقوم بتقديم عقود الفنانين المتعاقدة معهم في أعمالها للنقابة، وذلك للموافقة عليها. واشترطت أيضاً أنه لا يحق لأي فنان سوري أن يعمل ضمن أي عمل فني سوري يتم تصويره بالداخل أو في الخارج، إذا لم يكن عضواً في نقابة الفنانين. ولم تستثن من هذا الشرط سوى الفنانين العرب والأجانب. كما وُضِع شرط آخر، لا يقل غرابة، وهو أن أجور الفنانين المشاركين بهذه الأعمال يتم تحديدها من قبل النقابة.
وأما القرار الثاني، فهو يتعلق بتحديد شروط جديدة يتم بموجبها فصل الفنانين من النقابة، والشروط التي تمكن الفنان المفصول من نقابة الفنانين من العودة إليها. فذكرت، مثلاً، أن أي فنان فُصِل بسبب تخلفه عن دفع الرسوم المالية، يستطيع العودة في حال قام بتسديد الغرامات المالية المترتبة عليه، وأن عضوية النقابة تسقط عن الفنان السوري إذا ما قام بـ"المساس بهيبة الدولة"، ومن تمَّ فصله لهذا السبب، لا يحقُّ له العودة للنقابة، أي ممنوعٌ من مزاولة الفن في سورية.
ويبدو واضحاً أن هذه القرارات سوف تقطع الطريق أيضاً أمام الأعمال الدرامية البعيدة عن السياسة التي حاولت جمع نجوم معارضين مع آخرين مؤيدين في أعمال ضخمة، كتلك التي تم تصويرها في الأعوام السابقة بين دمشق ومدن عربية أخرى. وستتكفَّل، أيضاً، بإبعاد الفنانين المعارضين بشكل نهائي عن الأعمال السورية، لتبقى الأعمال العربية هي منفذهم الوحيد إلى شاشة التلفزيون. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ هذه القرارات ستضرُّ ببعض الفنانين الحياديين أو المؤيدين للنظام السوري؛ فهي ستتسبب بإضعاف أجورهم التي سيتمُّ تحديدها بالليرة السورية، ووفقاً لأهواء النقابة التي يديرها زهير رمضان، الذي أدلى في الأعوام الماضية بعدة تصريحات معادية للفنانين، وبدا واضحاً أنه غير متفهم ولا متعاون معهم.