قوة عربية ناعمة

27 ديسمبر 2016
كم مرة نال العرب جائزة نوبل؟ (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

في استعراض سريع جداً للقرن الأخير على الصعيد العسكري في العالم العربي، أي منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، يتبيّن كمّ الهزائم الكبير الذي حلّ به، سواء أكان موحدّاً أم دولاً متفرقة وجماعات. الإنجازات ضدّ مستعمر ومحتلّ وطامع في خيرات هذا العالم وثرواته تغرق على قلتها في بحر من الهزائم. إذن، يمكن أن نفترض أنّ العرب خاسرون على ميزان "القوة الصلبة" في تعبير الكاتب الأميركي جوزيف ناي.

فماذا عن مكانتهم في ميزان تعبيره الآخر "القوة الناعمة"؟ أين يقع العرب في العلوم والفنون والآداب والصحافة والرياضة والمناهج التعليمية والتجارب التنموية والأنظمة الاقتصادية والحقوق والأفكار "التقدمية" والابتكارات والاكتشافات وابتكار المفاهيم العلمية... وحتى في معدل الأعمار، أو في تأمين الغذاء لا أكثر للمواطنين؟ هل لدى العرب بما هم عليه من سلطات تتحكم برقاب شعوبها أيّ إنجازات تذكر على صعيد تلك "القوة الناعمة" كما يحددها ناي، بامتلاك كلّ تلك العناصر وارتداد نتائجها إيجاباً على من يملكها؟

يبقى التساؤل مفتوحاً، فخط سير الدول العربية التطوري مع ارتباطه بخط سير الغرب تحديداً، سياسياً واقتصادياً، يجعلها تلقائياً متخلفة بسنوات عديدة في كلّ المجالات الأخرى عدا عن المجالين السياسي والاقتصادي. ومهما حاولت التقدم على هذا الخط فهي ستبقى متخلفة طالما أنّ الغرب لا ينتظر وصولها إليه ومجاراته في ما هو فيه.

ربما يرفض أحد الأنظمة هذا الخط، لكنّه في التجربة الماثلة أمامنا في أكثر من مكان حول العالم، سيواجه مصير الزوال، وإعادة تصويب الأوضاع بما يضمن الركوب في سكة التخلّف على نفس الخط التطوري. هل باستطاعة دولة عربية واحدة أن ترفض الارتباط بالنظام المالي العالمي؟ هل بإمكان دولة واحدة التصرف بثرواتها بنفسها من دون الارتباط بقائمة لا تنتهي من الشركات المتعددة الجنسية؟

في حديثه عن القوة الناعمة للآخرين -غير الولايات المتحدة- يشدد ناي على وجودها فعلاً، لكنّه يربط الأمر كلّه بهدف الاستفادة الأميركي. فكأنّ كلّ قوة ناعمة خارجة عن سيطرة أميركا، ما هي إلاّ احتياط قوة ناعمة تستفيد منه الولايات المتحدة ساعة تشاء. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لقوة ناعمة تملكها فرنسا وألمانيا وبريطانيا واسكندنافيا واليابان مثلاً، ما بالك بقوة ناعمة ربما تملكها اليوم أو يوماً ما دولة عربية؟

هو خط تطوري لا يبدو أنّ هناك فكاكاً منه، مفتاحه في يد الولايات المتحدة، وصندوق أرباحه فم أميركي لا يشبع. فإن تسنّى لنا في درجة أدنى من المنافسة الدولية ممارسة قوة ناعمة كانت كقوتنا الصلبة... تجاه بعضنا البعض لا أكثر.


المساهمون